كفيف عراقي يدرب فاقدي البصر على الحواسيب

04 سبتمبر 2019
فقد الشاب محمد أنور بصره عام 2007 (العربي الجديد)
+ الخط -
يقف الشاب المكفوف محمد أنور (29 عامًا) أمام أكثر من 15 متدرباً من مختلف الأعمار جميعهم من مكفوفي وضعاف البصر، بمعدّاته البسيطة كمدّرب على تعلم استخدام أجهزة الكمبيوتر، بعد أن أسّس مع مكفوفين آخرين منظمة "اليقين للمكفوفين وضعاف البصر" في محافظة ديالى (57 كم شمال شرقي بغداد)، حرصاً منه على دعم تلك الشريحة المنسية، بحسب ما يقوله.

يحكي أنور قصّته لـ"العربي الجديد"، وكيف أسّس المنظّمة، ويقول: "لم أكن فاقداً للبصر حتى عام 2007 حين تعرضت لحادث حين كنت راكباً دراجتي الهوائية وسط مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى. وبينما ذهبت لأبتاع بعض الأغراض التي طلبتها أمي من السوق، حدث انفجار عنيف فقدت الوعي إثره، وبعد أن استيقظت من الحادث اكتشفت أن عيني اليسرى فقئت بينما أتلفت شبكية اليمنى وبذلك فقدت البصر تماماً، فضلاً عن تناثر الشظايا في جميع أنحاء جسدي. كان عمري آنذاك سبعة عشر عامًا". ويضيف: "بعدها بسنوات قليلة، بدأت أبحث عن فاقدي البصر، وبالفعل انتميت لنادٍ لذوي الاحتياجات الخاصة ومن بينهم فاقدو البصر، وبدأت في فهم احتياجاتهم وهمومهم والصعاب التي تواجههم، فقررت أن لا أكون عبئاً على أحد وإن كان أقرب الناس لي، بل على العكس، قررت أن أقدم شيئاً قد لا يمكن للأصحاء فعله. لقد استغللت بذلك خبرتي السابقة في تصليح الهواتف النقالة قبل أن أفقد بصري، فأسستُ مع مجموعة من الزملاء منظمة "اليقين" وقد واجهنا الكثير من الصعاب التي ما زالت تحول دون إمكانية النجاح والانتشار بشكل أكبر".

يتحدث أنور أيضاً عن مرحلة ما بعد تأسيس "اليقين"، فيُتابع قائلاً: "بعد أن أسسنا المنظمة أخذنا نبحث عن مقرٍ لها، وبصعوبة بالغة حصلت على غرفة في مبنى السراي داخل مدينة بعقوبة لأقوم بتدرب فاقدي البصري على استخدام الحاسوب. وكانت مدة الدورة في تعلم الحاسوب 45 يومًا، إذ يتدرب المشاركون فيها ثلاث مرات في الأسبوع، وهم من جميع بلدات المحافظة ويرغب الكثير منهم بالتعلم ولديهم مهارات وتطلعات كبيرة".

ويُشير إلى أنّ "نحو 200 من فاقدي البصر ينتمون اليوم إلى المنظمة؛ إلا أن أهم ما نواجهه من صعاب هو انعدام أو قلة الدعم المادي الذي يتسبب بحرمان الكثير من تلك الشريحة الاستمرار في التعلّم. فمثلاً لدي متدربون من قضاء المقدادية يحتاجون إلى أجر نقل تبلغ، على الأقل، نحو 25 ألف دينار عراقي (نحو 20 دولاراً) في اليوم حتى يصلوا إلى المنظمة ليتدربوا. لذا فمن غير الممكن أن يستمروا بالمجيء لأنهم غير قادرين على دفع تكاليف أجور النقل التي تصل أسبوعياً إلى أكثر من 60 دولاراً (الدينار العراقي يساوي 0.00083 دولار أميركياً). ويلفت إلى "قلة عدد أجهزة الحواسيب، وهي أربعة حواسيب قديمة يتدرب عليها 15 شخصاً في كل دورة مما يزيد من صعوبة تعليمهم".

وعن كيفية تعلّمهم، يقول أنور: "أقوم بتنصيب برنامج قارئ الشاشة الذي من خلاله يمكن لفاقدي البصر التعرف على أجزاء الحاسبة، وحتى الهاتف النقال وما هو موجود من برامج، وتعلم كيفية استخدامها. ليس هذا فحسب، بل تمكنت من تشجيع الكثير من فاقدي البصر على إتمام دراستهم. وقد حصل 25 طالبا على الشهادة الابتدائية بعد أن تمّت متابعة الموضوع مع مديرية التربية الذي خصص لهم 11 مشرفاً، كما تعاون في الموضوع عدد من المدرسين. كلّ ذلك بجهود ذاتية، نحاول من خلالها إيصال رسالة لمن حولنا أننا كفاقدي البصر ومكفوفين لسنا أقل شأناً من الآخرين بل يمكننا أن ندرس ونعمل ونمارس حياتنا مثل الآخرين، بل قد نتفوق عليهم". ويضيف: "كل ما ينقصنا هو التمويل وعدم النظرة إلينا بعين العطف بل بعين العدل والمساواة مع الآخرين".

ويُتابع أنور: "بالرغم من كوني فقدت البصر كلياً إلا أنني لا أزال أتعلم أشياء كثيرة. فقد حصلت على شهادة معالج طبي من مدرب أوكراني، كما أني أقوم بتصليح أجهزة الهواتف النقالة وأدرس مرحلة السادس ثانوي بعد أن أتممتُ الابتدائية والمتوسطة وأنا مكفوف. وطموحي أن أصبح أستاذاً جامعياً وأشجع المكفوفين على التعلم والاندماج في المجتمع وعلى التحدث بثقة أمام الآخرين". ويُشير إلى أنّه قابل محافظ ديالى مع مجموعة آخرين، "وطلبت منه دعم شريحة المكفوفين لكن للأسف لم نتلق أي دعم بالرغم من أن هذه الشريحة (المكفوفين) فيها طاقات كبيرة. فبعضهم يحفظ القرآن وبعضهم يعزف، وهناك مواهب وطاقات كبيرة يمكن استغلالها بالشكل السليم في حال توجهت الأنظار إلينا كمواطنين لديهم حقوق وعليهم واجبات".
دلالات