ليس غريباً على الكيان الصهيوني أن يمارس التمييز، حتى بحق فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يزعم أمام العالم أنّهم متساوون مع غيرهم من مواطني كيانه. إليكم حلقة تمييز جديدة.
لا تكتفي الإدارة الصهيونية بالتضييق على فلسطينيي الداخل (الأراضي المحتلة عام 1948 والتي يحمل أهلها الفلسطينيون جنسية الكيان المحتل) في بلداتهم، في قضايا الأرض والمسكن، بوضعها عراقيل كثيرة تحول دون تطوّر تلك البلدات وتوسيع مناطق نفوذها أسوة بغيرها من المناطق في كيان الاحتلال، بل يمتد التضييق أبعد من ذلك، وبأشكال تمييزية تجاه الفلسطينيين كلّ مرة. فالأهالي الفلسطينيون يحاولون اللجوء إلى بعض البلدات لبناء أو شراء بيت يؤويهم، لكنّ إدارة الاحتلال تمنعهم من حق المسكن، وهي التي يدعي قادتها ويتغنون دائماً أنّها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". "ديمقراطية" تنتهك على أرض الواقع أحد أهم حقوق الإنسان الفلسطيني الصامد في أراضي الداخل، كما تنتهك حقوقاً أخرى.
يهودية صهيونية
كثيرة هي البلدات "اليهودية" التي ترفض استقبال العرب للسكن فيها أو تحاول منعهم في الأساس قبل أن يفكروا حتى بذلك. مع هذا، نجح العرب في التغلغل في بعضها، وإن كان ذلك لا يعني أنّ التمييز ضدهم ليس قائماً ومستمراً.
في محاذاة قرية ترشيحا العربية في أعالي الجليل، وعلى أراضيها المغتصبة قامت بلدة كفار فراديم اليهودية عام 1984، والتي تضم اليوم نحو 1700 وحدة سكنية، ومن المنتظر أن تُبنى فيها 2200 وحدة إضافية.
جرى أخيراً طرح مناقصة شملت 125 قسيمة بناء، وفاز مواطنون عرب بنحو 50 في المائة منها بشكل قانوني، الأمر الذي أثار عاصفة من ردود الفعل الغاضبة لدى شريحة من سكانها، لا سيما المتطرفين، وصلت إلى حدّ شن حملات تحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي لرفض سكن العرب في البلدة بالرغم من فوزهم بالمناقصة.
بذلك، قرر رئيس مجلس كفار فراديم المحلي، سيفان يحيئيلي، إلغاء جميع المناقصات المستقبلية لتسويق الأراضي في البلدة، وعمم رسالة على السكان، ولدت من رحم الفاشية اليهودية، جاء فيها بصريح العبارة: "إذا ما رغبت في السكن في كفار فراديم، عليك أن تكون يهودياً" مضيفاً أنّه "مؤتمن على الحفاظ على الطابع الصهيوني -اليهودي- العلماني لكفار فراديم" كما أعلن قراره التوجه إلى "المكاتب الحكومية المناسبة، بطلب إيجاد حلول تتيح الحفاظ على التوازنات الديمغرافية".
يأتي موقف رئيس المجلس، وبقية المحرضين، بالرغم من اعترافهم بأنّ الإدارة الصهيونية تضّيق الخناق على المواطنين العرب في بلداتهم، مما يدفعهم للبحث عن مساكن في أماكن بديلة، وكذلك بالرغم من إدراكهم أنّ كفار فراديم نفسها لم تكتفِ باغتصاب أراضي ترشيحا لتقوم عليها، إنّما تواصل التوسع حتى اليوم على حسابها، وتطوقها وتخنقها.
على غرار خطوة رئيس المجلس، طالب بعض سكان كفار فراديم بـ"وقف جميع المناقصات الى حين إيجاد حلّ يضمن الحفاظ على طابع كفار فراديم كما هو". علق آخرون مخاطبين اليهود: "يجب أن تستيقظوا... والناس يجب أن يسكنوا حيث يوجد من هم مثلهم".
مؤامرة على ترشيحا
وسام دوخي، ناشط سياسي في التجمع الوطني الديمقراطي، من قرية ترشيحا المحاذية لكفار فراديم، يعتبر أنّ "هذا الموضوع معقد جداً، ويمكن النظر إليه من عدة جوانب. تاريخياً، هذه الأراضي اقتطعت من ترشيحا ومنحتها المؤسسة الصهيونية لكفار فراديم لكي تتوسع، مع العلم أنّ هناك أراض خاصة لأهالي ترشيحا حتى اليوم في المنطقة التي جرت فيها المناقصة".
يضيف لـ"العربي الجديد": "سياسياً، فإنّ مخططات توسعة كفار فراديم غايتها تطويق قرية ترشيحا خصوصاً من جهة الغرب. ترشيحا باتت بلا أيّ منفذ للتطور من الناحية السكنية. من جانب آخر، عندما لا يجد أهالي ترشيحا مكاناً يبنون عليه أو يسكنون فيه بسبب شحّ الأراضي والتضييق على القرية وعدم توسيع منطقة نفوذها، فهذا يجعلهم يتوجهون إلى عدة أماكن أخرى حتى يجدوا مكاناً للسكن، ومنها كفار فراديم، وكذلك مدينة معالوت، وليس الحديث عن أهالي ترشيحا فقط، لكن السكان العرب من عدة بلدات أخرى".
يعتبر دوخي أنّ رئيس بلدية معالوت (اليهودية، وهي نفسها ترشيحا العربية، إذ تجمعهما بلدية واحدة) "بدلاً من أن يساهم في تطوير ترشيحا، فإنّه شريك في المؤامرة عليها. وعندما وضع الحجر الأساس لتطوير كفار فراديم بالمرحلة (ج) التي تطوق ترشيحا من جهة الغرب، شارك في الاحتفال، وكان له خطاب. من الواضح أنّه يخدم سياسات الإدارة العليا الصهيونية. كذلك، وقّع على إقامة منطقة صناعية بين كفار فراديم ومعالوت – ترشيحا، لإحكام تطويق ترشيحا وتضييق الخناق عليها أكثر، وتطويقها من جهة الغرب".
يتابع دوخي: "بالرغم من كلّ هذه المشاريع الخبيثة، يأتي رئيس مجلس كفار فراديم، ويعلن عن تجميد مناقصات مستقبلية بذريعة الحفاظ على الطابع اليهودي للبلدة، لأنّ نصف من فازوا بالمناقصة الأخيرة كانوا عرباً. هم لا يكتفون بتضييق الخناق على البلدات العربية، بل يمنعون سكن العرب بينهم، من ترشيحا وغيرها من البلدات العربية، علماً أنّ الحاجة ومتطلبات الحياة والزيادة الطبيعية، هي التي تدفع العرب للبحث عن أماكن للسكن. وهنا نستحضر قضية لجان القبول، تلك اللجان المحمية بالقانون، والهادفة لمنع العرب من السكن في بلدات معينة، ما يتماشى مع مخططات تهويد الجليل. رياح التمييز تهب من جديد في المنطقة. وتوجّه العرب خارج بلداتهم للتفتيش عن سكن. هو دليل آخر على سياسية التضييق على مختلف البلدات العربية، أما مواجهتهم بالتحريض وتجميد المناقصات، فهو دليل آخر على التمييز الواقع بحقهم".
نتسيرت عيليت
ما يحدث في كفار فراديم اليوم، يعيد إلى الأذهان ما حدث في نتسيرت عيليت، المحاذية لمدينة الناصرة والمقامة على أراضيها وأراضي البلدات العربية المحيطة. يؤكد ذلك لـ"العربي الجديد"، الدكتور رائد غطاس، عضو بلدية نتسيرت عيليت: "ما يحدث في كفار فراديم من قبل رئيس المجلس ومسؤولين وسكان آخرين، هو تصرف تمييزي بامتياز. كانت هناك محاولات في نتسيرت عيليت في ما مضى لاستثناء العرب من بعض المناقصات، وتمكنا من التغلب على الأمر، واليوم سكان المدينة العرب في ازدياد، ونشكل نحو 30 في المائة من سكان نتسيرت عيليت. يأتي العرب من عدة بلدات وذلك بسبب ضائقة الأرض والمسكن في البلدات العربية، سواء في مدينة الناصرة أو في غيرها، وأحياناً يأتون بحثاً عن حياة أفضل أو لأسباب اجتماعية".
يتابع غطاس: "ما يحدث في كفار فراديم اليوم، قد يعيد تجربة ما حدث في نتسيرت عيليت، من محاولات لمنع العرب من شراء الأراضي والبيوت هناك، وهذا أيضاً حدث في كرميئيل، لكنّ السكان العرب تمكنوا من تجاوز كلّ هذه العقبات بالرغم من التمييز. استطعنا في هذه المرحلة أن نعيد شراء أراضي آبائنا وأجدادنا، فنحن أهل البلاد الأصليون، وهذه الأماكن كانت ملكيتها في الأساس عربية، وصودرت بهدف تهويدها. محاولات منع العرب من شراء قسائم في كفار فراديم أو غيرها ستفشل في رأيي. وحتى لو نجحت، سيبقى في الإمكان شراء بيوت أو استئجارها".
تمييز الدولة
من جهته، عقّب مركز "عدالة" الحقوقي، على قرار رئيس السلطة المحليّة في كفار فراديم سيفان يحيئيلي، أنّ هذا المسؤول "يعمل ويصرّح بناءً على حسابات فئوية واضحة. منع المواطنين العرب من شراء الشقق بسبب هويتهم القوميّة يشكّل خطوةً غير شرعيّة ومناقضة بشكل مطلق لمبدأ المساواة الملزم للسلطات المحليّة. على دائرة أراضي الاحتلال أن توضح لرئيس السلطة المحلية أنّ أقواله مرفوضة من أساسها، وأن تمنعه من التدخل في إجراءات المناقصات". تابع المركز أنّ "أقوال وأفعال رئيس السلطة المحلية الذي يبادر إلى سياسة تمييزية تدوس على مبادئ الديمقراطية الأساسية ناتجة بشكلٍ مباشرٍ عن قوانين مثل قانون لجان القبول التمييزي الذي بادرت إليه الحكومة وصادق عليه الكنيست، وهو قانون يمكّن المواطنين اليهود من اختيار سكّان بلدتهم على أساس قومي، كما ينتج عن قرار المحكمة العليا الذي أعطى الضوء الأخضر لهذا القانون التمييزي. حكومات الاحتلال، منذ النكبة وحتى يومنا هذا، صادرت أراضي المواطنين العرب، ومنعت تطوير البلدات العربيّة عمدًا، وتواصل الآن تمييزها من خلال تهميش وإقصاء المواطنين العرب".