05 نوفمبر 2024
... كساعٍ إلى الهيجا
أرسل وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من رام الله، رسالةَ واضحة، بعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنّ موقف بلاده تاريخي وثابت لا يتغيّر في موضوع الدولة الفلسطينية، وفي رفض الضغوط الأميركية والإسرائيلية لثنيه عن نهج التصعيد الذي أخذه الملك عبدالله الثاني، في تصريحاته وجهوده الدبلوماسية، وفي جواره وزير الخارجية الذي يقاتل على الجبهات العربية والدولية ضد الحكومة الإسرائيلية.
الرسالة الأكثر أهمية الكامنة وراء الرسالة المباشرة هي ردٌّ على المحاولات الإسرائيلية والأميركية في التشكيك بصلابة الموقف الأردني، والإيحاء بوجود رسائل متضاربة أخرى، علنية وأخرى "تحت الطاولة". ومن جهةٍ أخرى، رفض محاولات "ليّ ذراع" الأردن، من خلال الضغوط المالية عليه في مفاوضاته المستمرة مع صندوق النقد الدولي، لمواجهة الأزمة المالية الخانقة.
على الطرف المقابل، يستشعر مطبخ القرار في عمّان أنّ هنالك فجواتٍ يمكن التسلل منها، في محاولة إفشال قرار الضم الإسرائيلي للمستوطنات في الضفة الغربية والأغوار، فهنالك شكوك أميركية في نتائج الضم، ومخاوف من انفجار الأوضاع، مع وجود موقف أوروبي خجول متفهم للموقف الأردني، وإزاحةٍ في الموقف الرسمي العربي الذي كان يبدو متواطئاً مع المواقف الأميركية والإسرائيلية.
على الرغم من ذلك كله، ما يزال الموقف الإسرائيلي متصلّبا، ومراوغا، يتحدث عن جدولة عملية الضم، وما يزال الموقف الأميركي محكوماً برؤية مستشار الرئيس ترامب وصهره، جاريد كوشنير، الذي أبعد وزير الخارجية، مايك بومبيو، عن الملف، ويعمل جاهداً على تسجيل "عملية الضمّ" في سجله صهيونيا يؤمن بمقولات اليمين الإسرائيلي المتطرّفة.
أمّا الموقف الأوروبي فليس حاسماً ولا قطعياً، والأميركيون يرفضون إدخال الروس في المفاوضات، ولم يتبق على الموعد الذي حدّده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سوى أيام، ليصبح الضم أمراً واقعياً، بمباركة أميركية.
عامل الوقت مهم؛ فالرهان الأردني الضمني على أنّ انتخابات الأميركية قد تكون نقطة تحوّل فيما لو لم ينجح الرئيس الأميركي، ترامب. في المقابل، يدرك نتنياهو ذلك جيداً، ولن يترك الفرصة تمرّ، وعلى الأغلب سيمضي في قراره بأسرع وقتٍ ممكن.
ما الحل إذن؟ وما الذي يمكن أن يقلب هذه الحسابات رأساً على عقب؟ الجواب واضح، ذكره الكاتب في مقاله في "شهر مصيري" (6/6/2020)، لا يوجد إلاّ خيار "الانتفاضة السلمية" في الأراضي المحتلة، ما يحتاج من الرئيس الفلسطيني وقيادات حركة فتح وباقي المخلصين الوطنيين الارتفاع إلى مستوى خطورة اللحظة، والانتقال إلى مرحلة جديدة، وعدم الاكتفاء بإجراءاتٍ أصبحت روتينية وغير مقنعة، مثل وقف التنسيق الأمني أو وقف الاتصالات مع الجانبين، الأميركي والإسرائيلي.
ثمّة هاجس غير معلن هنا لدى المسؤولين الفلسطينيين، يتمثل في مصير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما دعم الانتفاضة المسلّحة في بداية القرن، رداً على اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى. والفرق بين الحالتين أولاَ، ومستوى خطورة ما يحدث اليوم ثانياً، يحتّم اللجوء إلى الخيارات غير التقليدية، وفي صميم ذلك إعادة النظر في العلاقة مع حركة حماس، وإصلاح البيت الفلسطيني من الداخل، وهو أمرٌ لا يرتبط، كما هو معروف، بالسلطة فقط، بل بالموقف العربي، الذي كان، باستمرار، محرّضاً ضد المصالحة الوطنية الفلسطينية.
نأى الأردن بنفسه سابقاً عن الملف الداخلي الفلسطيني، بوصفه ملفاً مصرياً، لكن الكل يعلم أنّ الموقف المصري اليوم خارج الحسابات تماماً، ما يعني أنّ المصلحة الوطنية الأردنية والفلسطينية على السواء تقتضي دوراً أردنياً على هذا الصعيد، والخروج من "المعادلة الخشبية" القديمة بوصف "حماس" خطراً أو حليفاً لإيران، وبالتالي في "المعسكر الآخر".
تلك المعطيات تغيّرت، و"حماس" ورقة مهمة في معادلات القوى في الوضع الراهن، فلماذا التمسك بخيارات منتهية الصلاحية، ولحساب من؟ بغير هذه الاستدارة؛ كل الرهانات الديبلوماسية والجهود الكبيرة والتصعيد الحالي، بالتوازي مع الخطوات الفلسطينية القائمة، لا تطعم ولا تغني من جوع، وستمر الصفقة، بلا أي ردود فعلٍ حقيقية، وكأنّ الأردنيين والفلسطينيين يدخلون الحرب بلا أيّة أسلحة حقيقية.
على الطرف المقابل، يستشعر مطبخ القرار في عمّان أنّ هنالك فجواتٍ يمكن التسلل منها، في محاولة إفشال قرار الضم الإسرائيلي للمستوطنات في الضفة الغربية والأغوار، فهنالك شكوك أميركية في نتائج الضم، ومخاوف من انفجار الأوضاع، مع وجود موقف أوروبي خجول متفهم للموقف الأردني، وإزاحةٍ في الموقف الرسمي العربي الذي كان يبدو متواطئاً مع المواقف الأميركية والإسرائيلية.
على الرغم من ذلك كله، ما يزال الموقف الإسرائيلي متصلّبا، ومراوغا، يتحدث عن جدولة عملية الضم، وما يزال الموقف الأميركي محكوماً برؤية مستشار الرئيس ترامب وصهره، جاريد كوشنير، الذي أبعد وزير الخارجية، مايك بومبيو، عن الملف، ويعمل جاهداً على تسجيل "عملية الضمّ" في سجله صهيونيا يؤمن بمقولات اليمين الإسرائيلي المتطرّفة.
أمّا الموقف الأوروبي فليس حاسماً ولا قطعياً، والأميركيون يرفضون إدخال الروس في المفاوضات، ولم يتبق على الموعد الذي حدّده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سوى أيام، ليصبح الضم أمراً واقعياً، بمباركة أميركية.
عامل الوقت مهم؛ فالرهان الأردني الضمني على أنّ انتخابات الأميركية قد تكون نقطة تحوّل فيما لو لم ينجح الرئيس الأميركي، ترامب. في المقابل، يدرك نتنياهو ذلك جيداً، ولن يترك الفرصة تمرّ، وعلى الأغلب سيمضي في قراره بأسرع وقتٍ ممكن.
ما الحل إذن؟ وما الذي يمكن أن يقلب هذه الحسابات رأساً على عقب؟ الجواب واضح، ذكره الكاتب في مقاله في "شهر مصيري" (6/6/2020)، لا يوجد إلاّ خيار "الانتفاضة السلمية" في الأراضي المحتلة، ما يحتاج من الرئيس الفلسطيني وقيادات حركة فتح وباقي المخلصين الوطنيين الارتفاع إلى مستوى خطورة اللحظة، والانتقال إلى مرحلة جديدة، وعدم الاكتفاء بإجراءاتٍ أصبحت روتينية وغير مقنعة، مثل وقف التنسيق الأمني أو وقف الاتصالات مع الجانبين، الأميركي والإسرائيلي.
ثمّة هاجس غير معلن هنا لدى المسؤولين الفلسطينيين، يتمثل في مصير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما دعم الانتفاضة المسلّحة في بداية القرن، رداً على اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى. والفرق بين الحالتين أولاَ، ومستوى خطورة ما يحدث اليوم ثانياً، يحتّم اللجوء إلى الخيارات غير التقليدية، وفي صميم ذلك إعادة النظر في العلاقة مع حركة حماس، وإصلاح البيت الفلسطيني من الداخل، وهو أمرٌ لا يرتبط، كما هو معروف، بالسلطة فقط، بل بالموقف العربي، الذي كان، باستمرار، محرّضاً ضد المصالحة الوطنية الفلسطينية.
نأى الأردن بنفسه سابقاً عن الملف الداخلي الفلسطيني، بوصفه ملفاً مصرياً، لكن الكل يعلم أنّ الموقف المصري اليوم خارج الحسابات تماماً، ما يعني أنّ المصلحة الوطنية الأردنية والفلسطينية على السواء تقتضي دوراً أردنياً على هذا الصعيد، والخروج من "المعادلة الخشبية" القديمة بوصف "حماس" خطراً أو حليفاً لإيران، وبالتالي في "المعسكر الآخر".
تلك المعطيات تغيّرت، و"حماس" ورقة مهمة في معادلات القوى في الوضع الراهن، فلماذا التمسك بخيارات منتهية الصلاحية، ولحساب من؟ بغير هذه الاستدارة؛ كل الرهانات الديبلوماسية والجهود الكبيرة والتصعيد الحالي، بالتوازي مع الخطوات الفلسطينية القائمة، لا تطعم ولا تغني من جوع، وستمر الصفقة، بلا أي ردود فعلٍ حقيقية، وكأنّ الأردنيين والفلسطينيين يدخلون الحرب بلا أيّة أسلحة حقيقية.