كرم صابر.. القصة المصرية في حضرة الاستبداد

06 مايو 2014
كرم: السجن مكافأة من يكتب أحلام الناس
+ الخط -

عجوز لا يعرف القراءة أو الكتابة جاء بالكتاب الأخير للقاص المصري كرم صابر (1964) إلى منزله، فأخذه حفيده معه إلى المدرسة، وهناك رآه مدرس متزمت، سارع في الاتصال بشخص يدّعي أنّه صحافي، فقام بأخذ الكتاب إلى المحكمة، وقدّم فيه بلاغاً شديد اللهجة يتهم مؤلفه فيه بـ"ازدراء الأديان". المثير للسخرية أنّ كل ذلك حصل دون تبليغ كرم صابر (الكاتب) أو التحقيق معه، وفي النهاية، صدر حكم بسجنه خمس سنوات، ومن دون إبلاغه أيضاً.

وحين سُئل الشخص الذي قام بالتبليغ عن كيفية معرفته بموضوع الكتاب (مجموعة قصصية بعنوان "أين الله؟")؛ ادّعى أنه تنصتّ على مكالمة لصابر في مكان عام، فأتى بالكتاب وقدم فيه بلاغه.

القصتان تنفعان نصّاً لإحدى روايات الواقعية السحرية، والحال التي وصل إليها بلد عريق كمصر، يمكن أن يكون أكثر غرائبية من مجمل روايات أميركا اللاتينية.

على أنّ الندوة التي نُظمّت لاحقاً في "إتيليه القاهرة"، تحت عنوان "حرية الإبداع والدستور المصري"، للتضامن مع صابر؛ سادها جو متوتر نتيجة احتجاج بعض الأشخاص، الذين نصّبوا أنفسهم حماة للأخلاق، على الدفاع عن شخص "خالف الأعراف عن طريق مهاجمة الله والدين"، بحسب زعمهم.

فقد تمت الدعوة لمقاطعة الندوة أكثر من مرة، وتم استدعاء الكاتب إبراهيم عبد المجيد إلى المنصة لسؤاله عن "المهزلة" التي تتم. ناهيك عن التشويش على جلسة النقاش من خلال إقامة فعالية أخرى (في نفس التوقيت) على الطرف الآخر من الإتيليه، هي عبارة عن عرض فيلم تم رفع الصوت فيه حتى طغى على أصوات المشاركين في الندوة، وغالبا ما كان يأتي أحدهم ويخفض صوت "ميكرفون" المتحدثين، ما أدى بالمشاركين إلى إنهاء الجلسة قبل أوانها لفقدان التركيز.

واستهل كرم صابر اللقاء بقراءة قصة من المجموعة حملت عنوان "الحب الإلهي"، وتتحدث عن حلقات ذكر يقوم بها  الشيخ "كيلاني"، وهو شخصية خلافية ترى أن الدين يعني تحرير الروح أولاً، إذ يعيش ذلك الشيخ حياته الطبيعية –كما الآخرين- بعد خروجه من الحلقة الصوفية إياها.

ثم تحدث صابر بمرارة عن خلفية قضيته، وذهابه إلى المحكمة للدفاع عن نفسه (بعد أن علم صدفة بالحكم ضده) ليخبر القاضي أن الأدب شيء والقانون شيء آخر، لكن من دون أن يلقى أذناً صاغية. وانتقد الكاتب الأوضاع في بلده، حيث يقتل أشخاص لرفعهم إشارة ما، أو لدى خروجهم في تظاهرة للتعبير عن رأيهم، ثم يأتي من يروج لـ "سما المصري"، و"مرتضى منصور" لإلهاء الرأي العام عمّا يحدث من مصائب، ابتداء من تجويع الناس، وليس انتهاء بقطع الكهرباء المتفاقم، بحسب تعبير صابر. قبل أن يؤكّد أنّه يكتب عن أحلام الناس البسطاء، في بلد مليء بالظلم والغش والكذب، "لذا كانت مكافأتي السجن".

وقال الباحث في العلوم السياسية، عمار علي حسن، إنّ هذه الندوة ليست للحكم نقدياً على المجموعة القصصية "أين الله؟"، بل لمناقشة قضية جنائية مرفوعة ضد كاتبها لمجرد تساؤله في الدين، علاوة على أنّ ما جاء في المجموعة القصصية حديث عن التدين، وليس في الدين نفسه.

أمّا الكاتب إبراهيم عبد المجيد، فوصف القضية بـ"السخيفة"، متسائلاً: "كيف لألف نسخة من مجموعة قصصية قد يطالعها 500 شخص أن تُحدث هذا الأثر الهائل، ضمن مجتمع يتألف من 90 مليون نسمة؟". فالأدب من وجهة نظر عبد المجيد نتاج روحي أكثر منه عقلي، وهناك علاقة خاصة بين المؤلف والشخصية، يكتب كما تريد هي لا كما يريد هو، قبل أن يضيف: "عانينا من كل هذه الأمور منذ أيام حسني مبارك، وما زلنا، فنحن نعيش في زمن التجهيل، والهجوم على الثقافة".

وأخيراً أكدّ المحامي، حمدي الأسيوطي، إنّ زمن القضاة أصحاب الخلفية الثقافية والأدبية والتشريعية، قد ولّى في مصر. وقال إنّه بالرغم من وجود نص دستوري يشجع على حرية الإبداع، بيد أنّ ما يجري في أروقة المحاكم يشير إلى عكس ذلك، فالأزهر لا يزال أزهر عام 1913، والتقرير نفسه الذي رفع ضد نصر حامد أبو زيد (1995)، وسيد القمني (2009)، هو نفسه الذي رفع ضد صابر بتهمة ازدراء الأديان، والمؤسسة الحاكمة تزايد على الشعب، فهي لا تراعي حق الاختلاف في الرأي.

يذكر أن هيئة الدفاع عن كرم صابر، رفعت دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل، لامتناعهم عن إصدار قرار بوقف النظر في الدعوى المقدمة ضد صابر، والمستندة إلى نص "المادة 98" الملغاة ضمنياً في الدستور المصري الجديد بموجب "المادة 67"، الخاصة بحرية الإبداع، والتي تمنع سجن المبدعين وتستعيض عن ذلك بغرامة مالية في حال ثبتت التهمة.

المساهمون