كربلاء... مدينة التحولات التاريخية تحافظ على عروبتها

19 فبراير 2017
تضم المدينة العديد من المراقد (Getty)
+ الخط -


تقع كربلاء إلى الجنوب الغربي من بغداد، حيث تتربع على حافة الصحراء الغربية للفرات. هي واحدة من المدن التاريخية الكثيرة في بلاد الرافدين غير أنها اكتسبت قدسية وطابعا روحانيا بسبب ضمها العشرات من مراقد الشخصيات الإسلامية البارزة، وعلى أرضها وقعت واحدة من الأحداث الفارقة في تاريخ المسلمين عام 680 للميلاد.

تحتضن هذه المدينة نحو 800 ألف نسمة، غالبيتهم العظمى من المسلمين العرب الذين تعود أصولهم إلى شبه الجزيرة العربية، حيث استوطنت عوائل جنود جيوش الفاتحين للعراق القادمين من الجزيرة في تلك المنطقة. تبلغ مساحتها نحو 24 ألف كم مربع وتتبعها مدن وقرى عدة.

ما زالت شوارعها وجدرانها العتيقة شاهدة على تاريخ هذه المدينة وما مرت به من أحداث عسكرية واجتماعية ودينية. تقسم المدينة من حيث العمران إلى قسمين، يسمى الأول "كربلاء القديمة" وهو الذي أقيم على أنقاض كربلاء القديمة، ويدعى القسم الثاني "كربلاء الجديدة"، وهي واسعة البناء ذات شوارع فسيحة وشيدت فيها المؤسسات والأسواق والمباني العامرة والمدارس الدينية والحكومية الكثيرة. 


أصل التسمية


يرى بعض الباحثين أن كلمة كربلاء تعني "قرب الإله"، وهي كلمة أصلها من البابلية القديمة، ورأى بعضهم أن التوصل إلى معرفة تاريخ كربلاء القديم قد يأتي من معرفة نحت الكلمة وتحليلها اللغوي، فقيل إنها منحوتة من كلمة "كور بابل" العربية بمعنى مجموعة قرى بابلية قديمة. وفي اللغة العربية ذكر ياقوت الحموي في المعجم كربلاء بالمد حول اشتقاقه من كربله، وهي رخاوة في القدمين، وعلله لرخاوة أرضها وتربتها ونقاء حنطتها. وقيل تسمية كربلاء تعود في جذورها إلى العهد البابلي، وهي مشتقة من "كرب" أي مصلى، و"آل" أي الإله عند الآراميين الساميين، أي يكون معناها مصلى الإله كما ذكر ذلك الدكتور مصطفى جواد.




اقتصاد المدينة وصناعاتها

تتميز مدينة كربلاء بكثرة بساتينها وخاصة بساتين التمور والفواكه المختلفة والخضروات إلى جانب الحبوب، وتعد إحدى أهمّ المناطق الزراعية بالعراق نظراً لتربتها الصالحة والخصبة ووفرة مياهها. أمّا أهم الصناعات فيها الفنون، والحرف اليدوية، والزخارف الخشبية، وصناعة البلاط القاشاني الذي اشتهرت به، وقد عرفت المدينة أيضاً بصناعة الطابوق الطيني المفخور والجص.

وتوجد في كربلاء أسواق تضم مخازن وحوانيت مجهزة بالسلع والنتاجات التي تمثل المصنوعات الفخارية والبرونزية والنسيجية واللوحات الفنية التي تمثل حضارة وادي الرافدين ولمختلف العصور. ولعل من المفيد هنا أن ندرج أهم الصناعات التي تخص مدينة كربلاء قديماً وحديثاً: صناعة الدبس المستخرج من التمور. يصدر بعضه على شكل صفائح إلى الشمال وبعضه إلى خارج القطر، دبغ الجلود: التي يصنع منها الفرو حيث يستعمله عرب البادية، وكذلك تصنع الأحذية والسروج والأحزمة وأربطة الخيل، صناعات تعتمد على مادة النحاس الأحمر (الصفر) والأصفر: كصناعة القدور والأواني المنزلية والبرونزية والنحاسية المنقوشة بالصور والتماثيل، والسماور والطباخات النفطية ذات الفتائل وصناعة الألمنيوم والنيكل، ومعامل لصناعة القاشاني الكربلائي والطابوق المعرق، ومنها يصدر إلى بغداد والمدن العراقية الأخرى لاستخدامه في بناء المساجد والعمائر.


المواكب الدينية

تشتهر مدينة كربلاء بالمواكب الدينية أو ما تعرف اليوم بالمواكب الحسينية، وهي تقاليد خاصة ينظمها الناس في المناسبات الدينية، حيث تجمع رؤساء المحلات والأطراف، وأهل المواكب في كل طرف يجمعون المبالغ لأجل وسائل النقل في الزيارات الخاصة والمواسم الدينية ويمكثون ثلاثة أيام في كربلاء. والمواكب الخاصة بالمدينة لها أوقات معينة حيث تخرج مواكب الأصناف عصرا في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، بينما تبدأ مواكب المحلات مساء من بعد العشاء وحتى ساعة متأخرة من الليل، ومن أبرز "الرواديد" في كربلاء الذين يلقون القصائد لتلك المواكب هم المرحوم الحاج حمزة الزغيّر والمرحوم حمزة السماك والمرحوم الشيخ حسين فروخي وغيرهم كثيرون.




المراقد والمقامات في مدينة كربلاء

تحتوي كربلاء على عدد كبير من المعالم الإسلامية الهامة، منها مرقد الإمام الحسين وقبور الصحابة ممن قتلوا بواقعة "الطف". كما تتضمن أرض كربلاء معالم أخرى مميزة منها: مقام محمد المهدي، ومرقد العباس، وقصر شمعون، ومنطقة كهوف الطار، والموقع الأثري المعروف بالأقيصر، ومن مقاماتها ومراقدها، مرقد المجاب محل البركات، ومقام الإمام موسى بن جعفر الكاظم، وتحتوي كربلاء على عدد كبير من الفنادق السياحية؛ ذلك أنها وبسبب معالمها الهامة، خاصة الدينية منها فقد باتت تعتبر واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في العراق.

بحسب مركز كربلاء للدراسات والبحوث، فإن عدد المساجد والحسينيات في مركز المدينة القديمة بلغ نحو 205 مساجد وحسينية، أشهرها مسجد "الشيخ العاملي" ومسجد "آسيا خانم"، في العباسية الشرقية، ومسجد "كبيس" في منطقة باب الطاق، ومسجد "ماهي كليب" في باب النجف، ومسجد "الترك" في العباسية الغربية


قبائلها

تقطن كربلاء مجموعة كبيرة من العشائر العربية التي نجحت في الحفاظ على هويتها العربية رغم توافد الملايين سنويا من شتى دول العالم للإقامة أو العمل فيها، ومنها عشائر شمر وطي وقيس وخفاجة وخزاعة وعبادة وغيرها. وجميعها تعتبر امتداداً للقبيلة الأم المتواجدة في شبه الجزيرة العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية.

يقول الشيخ فاهم المحمود، أحد شيوخ العشائر في كربلاء لـ"العربي الجديد"، إن "جدران كربلاء تتكلم عربي". ويضيف "كل شيء في المدينة عربيّ، نعتز بعروبتنا وتاريخنا واختلاف المذاهب نعمة وليس نقمة، لكن البعض لا يفهم ذلك". ويختم بالقول "لا تصدقوا الإعلام الخارج من هنا أو الموجه من الخارج نحو جنوب العراق بشكل عام وكربلاء بشكل خاص... نحن مادة العرب ونعتز بهذا اللقب ولا يغيرنا أعجمي"، في إشارة إلى إيران.