كتيب العائلة الليبية... تلاعب موسع بالتركيبة السكانية للبلاد

25 مارس 2019
أهداف مالية وراء الحصول على الجنسية الليبية(مصلحة الأحوال المدنية)
+ الخط -
حصل النيجري محمد التباوي على وثيقة كتيب العائلة التي تثبت أنه مواطن ليبي، من مكتب السجل المدني في مدينة مرزق، مطلع العام 2012 بعدما دفع 20 ألف دينار ليبي (توازي 14 ألف دولار أميركي) لوسيط من مليشيا تنشط في المنطقة الواقعة في أقصى جنوب البلاد، ليحصل بعدها على الجنسية الليبية عقب التلاعب في البيانات الرسمية بمكتب إصدار السجل المدني في المدينة، والذي أغلق بعد خمسة أعوام من حصول الخمسيني التباوي وآخرين على كتيب العائلة بسبب تعرض أمين المكتب، أحمد الصالحين لعملية اغتيال من قبل مليشيات مسلحة، لرفضه التلاعب في بيانات مواطنين وفق تأكيد محمد بوكر رئيس مصلحة الأحوال المدنية السابق لـ"العربي الجديد".

وتعد حالة التباوي واحدة من بين 50 ألف كتيب عائلة مزور، متوسط أفراد العائلة الواحدة، خمسة أشخاص وفق ما تكشف النتائج الأولية لمراجعة بيانات منظومة الأحوال المدنية القديمة حسب تأكيد المهندس محمد علي، أحد المشرفين على المنظومة بإدارة التوثيق والمعلومات في مصلحة الأحوال المدنية والذي قال لـ"العربي الجديد": "تم إنجاز 55% من مراجعة البيانات، والتي سيتم الانتهاء منها كاملة نهاية مايو/أيار من عام 2019، وهو ما يؤكده اثنان من المسؤولين في إدارة التوثيق والمعلومات بالمصلحة ورئيس مباحث مصلحة الأحوال المدنية المقدم أسامة الدرسي، والذي شدد على أهمية وقف الظاهرة قائلا: "وقعت قضية تزوير لبيانات 4 آلاف شخص غير ليبيين في عام 2017، إذ جرى منحهم كتيب العائلة الذي يحتوي على بيانات ورقم قيد للأسرة، ويمكن عبره استخراج البطاقة الشخصية وجواز السفر، لكن الموظفين الذين اكتشفوا تلك البيانات جرى طردهم من الخدمة بدلا من مكافأتهم".


تلاعب في الجنسية الليبية

مُنحت الجنسية الليبية لغير الليبيين بشكل عشوائي ومسيس، دون وثائق تثبت انتماءهم لليبيا أيام القذافي، بحسب بوكر، الذي قال: "كان هناك توجه نحو القومية العربية حينها، وليبيا أرض لكل العرب، وأي مواطن عربي يرغب في العيش في ليبيا تمنح له الجنسية العربية، بموجب قانون أحكام الجنسية رقم 18 لسنة 1980، وبعد إلغاء القانون واستبداله بأحكام القانون 24 لسنة 2010 حصلوا على الجنسية الليبية"، ولم يتوقف الأمر بعد الثورة على نظام القذافي في فبراير من عام 2011، إذ طالب سكان إقليم أوزو (الواقع شمالي تشاد على طول الحدود مع ليبيا) والبالغ عددهم 13 ألف أسرة الحكومة الليبية المؤقتة بمنحهم الجنسية، وبينما كان إجمالي عدد سكان الجنوب الليبي، 450 ألف نسمة، إلا أنه ارتفع في نهاية العام إلى 650 ألف نسمة كما يقول بوكر، لافتا إلى أن تلك الزيادة سببها سكان أوزو، ومكونات سكانية لها امتداد في الدول المجاورة، منها قبائل التبو والطوارق، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ زاد عدد الأسر المصرية الحاصلة على الجنسية الليبية عبر مكتب إصدار السجل المدني في طبرق الذي تم تأسيسه في عام 1973 لتجنيس عدد من الأسر المصرية المقيمة على الحدود بين البلدين، من 500 أسرة نالت كتيب العائلة بقرارات سياسية دون أوراق ثبوتية في العام 1974، إلى 30 ألف أسرة بحسب بوكر، الذي أكد أنه أوقف معاملاتهم أيام رئاسته لمصلحة الأحوال المدنية خلال الفترة من عام 2012 وحتى عام 2016 حتى يتم وضع دستور للبلاد، ومعرفة هل هم ليبيون، أم مصريون؟ خاصة بعد اكتشاف 3 آلاف بطاقة هوية مزورة من قبل مصريين لا توجد بيانات لدى المصلحة تثبت أنهم ليبيون.

وتابع بوكر: "غياب منظومة إلكترونية تحصي سكان ليبيا أثناء فترة حكم القذافي، ساعد على انتشار عمليات التلاعب بالتركيبة السكانية للبلاد إما على يد النظام لأغراض سياسية أو عبر أفراد فاسدين، ولم يتم وقف الأمر إلا بعد العمل على إنشاء قاعدة للبيانات خلال العام 2012، وحتى أنه لم يكن هناك رقم واضح لعدد السكان باستثناء تعداد مصلحة التعداد والإحصاء خلال عام 2006 المقدر بـ 5.6 ملايين نسمة".



منحة أرباب الأسر

يهدف التلاعب بمنظومة الرقم الوطني والحصول على الجنسية الليبية إلى الحصول على منح أرباب الأسر بحسب تأكيد بوكر، والذي شرح أن هذه مخصصات مالية يقدمها مصرف ليبيا المركزي بالنقد الأجنبي بواقع 500 دولار أميركي لكل مواطن ليبي بالسعر الرسمي غير مشمول بالضريبة (السعر الرسمي للدولار 1.395 دينار ليبي، ويباع في السوق السوداء بـ 4.35 دنانير) بهدف مساعدة المواطن في مواجهة الاستحقاقات المعيشية والاستخدام الشخصي والعائلي، وفق ما جاء في بيان مصرف ليبيا المركزي بخصوص صرف مخصصات أرباب الأسر من النقد الأجنبي الصادر في 27 فبراير/شباط 2019، لكن الإشكالية بنظر الصديق عمر الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي، في التزييف الذي صار في منظومة الرقم الوطني، وفق ما قاله في مؤتمر صحافي عقب إعلانه عن الطبعة الجديدة للدينار في 18 فبراير الماضي، وهنا يقول مدير مشروع منحة أرباب الأسر، بمصرف ليبيا المركزي، الدكتور سالم السيوي لـ"العربي الجديد": "بالفعل هناك تكرار وأخطاء في منظومة الرقم الوطني، وهو ما لمسناه خلال المقارنة بين منحة أرباب الأسر لسنة 2017 وعام 2018، مضيفا: "نعتمد على المنظومة بشكل أساسي، ولاحظنا وجود أكثر من قيد للأسرة الواحدة، وهناك وفيات وحالات تزوير".


تضارب في عدد السكان

يؤكد مصدر بمنظومة مشروع الرقم الوطني المركزية في مصلحة الأحوال المدنية بطرابلس أن مصرف ليبيا المركزي اكتشف عبر منظومة أرباب الأسر 600 ألف رقم وطني مزور، وهو ما طابقته رسالة موجهة من محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، إلى رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الوطني في 13 مارس/آذار 2018 برقم (1322/13) والتي تؤكد أن المقارنة بين بيانات السكان المتوفرة لدى البنك، وبين البيانات التي تم الحصول عليها من مصلحة الأحوال المدنية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2017، بينت أن إجمالي عدد الأفراد الذين لم يتم حجز مخصصاتهم من النقد الأجنبي في عام 2017 بلغ 780 ألف مواطن لا غير، وإذا ما أضيف هذا العدد إلى عدد المواطنين الذين تحصلوا على تلك المخصصات لنفس السنة، فإن العدد الإجمالي لليبيين سيكون 7.7 ملايين مواطن، وهو رقم تستدعي المصلحة الوطنية والأمن القومي الوقوف عنده، وخاصة إذا ما قورن بالرقم الوارد من مصلحة الأحوال المدنية والمنشور في وسائل الإعلام في 11 مارس/آذار من عام 2018، والذي يشير إلى أن عدد الليبيين وصل إلى 7.2 ملايين حتى نهاية العام 2017، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الرقمين، وخاصة إذا ما قارنا هذا الرقم بإحصاءات سكان ليبيا لسنة 2016 والتي تشير إلى أن عدد السكان يبلغ 6.5 ملايين نسمة.



لكن رئيس مصلحة الإحصاء والتعداد التابعة لوزارة التخطيط بحكومة الوفاق الوطني، عبدالله العلاق، يرى أن الأرقام التي أعلن عنها من قبل مصلحة الأحوال المدنية لعدد سكان ليبيا غير دقيقة وتحتاج للمراجعة عبر لجان تحقيق، مؤكدا على وجود تزوير في الأرقام الوطنية، إذ أن تقديرات مصلحة التعداد والإحصاء، لعدد سكان ليبيا تشير إلى أن عدد الليبيين بلغ 6.6 ملايين نسمة، مع نهاية عام 2018 قائلا: "جميع الدول لها تقديرات قد تنخفض قليلا، أو تزيد عن الرقم المعلن، ولكنها لا تصل في الفرق إلى نصف مليون، أو أكثر"، وهو ما يؤكده علي الشريف عضو مجلس إدارة الهيئة العامة للمعلومات التابعة لرئاسة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن بيانات مصلحة الأحوال المدنية تحتاج للمراجعة، مؤكدا أن التوقعات تشير إلى أن عدد سكان ليبيا سيصل إلى 7.5 ملايين نسمة بحلول العام 2025.


مصدر برنامج منظومة الرقم الوطني

رصد رئيس هيئة مكافحة الفساد نعمان الشيخ تجاوزات في منظومة الرقم الوطني، من بينها 137 رقما وطنيا مزورا في أحد مكاتب السجل المدني بطرابلس يجري التحقيق في ملابساتها وفق ما قاله لـ"العربي الجديد".

وفي محاولة لوقف الظاهرة تعمل مصلحة الأحوال المدنية حاليا على تفريغ جميع البيانات عبر برنامج إلكتروني يسمى انطلاقة، حتى يتم وضع البيانات في منظومة جديدة، بحسب تأكيد مصادر في إدارة التوثيق والمعلومات بمصلحة الأحوال المدنية، التي يتهم رئيسها السابق بوكر، إدارة مصلحة الأحوال المدنية الحالية بفتح الأبواب لتسجيل بيانات مواطنين جدد، بعدما كان الأمر متوقفا منذ عام 2012، مشيرا إلى أن عملية التلاعب بعدد سكان ليبيا تمت بعد مغادرته لمنصب رئيس المصلحة في العام 2016.



ويؤكد ديوان المحاسبة أعلى سلطة رقابية مالية في البلاد، في رسالة موقعة من قبل رئيس الديوان خالد أحمد شكشك، على أن المرحلة الثانية من تطوير المنظومة ستجعل من الإجراءات الخاصة بتسجيل البيانات شفافة وتضمن تنفيذ منظومة على مستوى عال من التقنية دعما للأمن القومي والحفاظ على الهوية الليبية واوصى ديوان المحاسبة بسرعة العمل على تخصيص المبلغ المطلوب والمقدر بـ 11.966 مليون دينار، للبدء بتنفيذ مشروع انطلاقة.

اللافت أن رئيس مصلحة الأحوال المدنية محمد بوكر أكد لـ"العربي الجديد" من مكان إقامته في تونس، أن لديه "السورس كود للمنظومة (مفتاح بياناتها)، موضحا أنه وثق وجود تزوير في الأرقام الوطنية، وفيما أكد مصدران، أحدهما في مصلحة الأحوال المدنية وآخر بالمجلس الرئاسي، نفس المعلومة بشأن عدم وجود مفتاح المنظومة لدى الإدارة الحالية للمصلحة باسثناء عمليات إدخال البيانات والتعديل.

لكن رئيس مصلحة الأحوال المدنية الحالي محمد بالتمر، رفض التعليق على اتهام بوكر، مكتفيا بالقول لـ"العربي الجديد": "نقوم بمراجعة المنظومة القديمة عبر برنامج انطلاقة، والذي يهدف إلى تنظيف ومطابقة البيانات الإلكترونية ببيانات السجلات المدنية".
دلالات