حينما حصل رونالدو على عقده الاحترافي الأول كان وكيله هو جوزيه فيجا؛ الأفضل والأكثر شهرة في البلاد حينها وتضمنت قيمة شرطه الجزائي سبعة أصفار. كان على بعد عامين فقط من الانتقال لمانشستر يونايتد، ولكن راتبه كان ألفي يورو شهرياً.
لم يكن جوزيه فيغا يدرك حجم الموهبة الموجودة بين يديه. يقول البعض إنه كان غارقا في إنجازات الماضي بدلا من العناية بمصالح لاعبيه. حينها علم جورجي مينديش بأنه كانت هناك فرصة فريدة في الأفق. كان يسعى وراء كل من كواريزما ورونالدو وهوغو فيانا. كلهم كانوا نجوما في أكاديمية سبورتنغ ويتشاركون نفس الوكيل وهو جوزيه فيغا.
تحدث مينديش مع اللاعبين الثلاثة وجميعهم تحت سن التاسعة عشرة ووعدهم بأنه سينقلهم إلى أندية كبرى. تمكن من إقناعهم سريعا وانتهى الأمر بهوغو فيانا في نيوكاسل وكواريزما في برشلونة.
يقول اللاعب السابق جورجي أندرادي "جورجي ساعدني كثيرة في شهوري الأولى مع بورتو. لقد جعل ديكو الذي كان يمثله أيضاً بمثابة معلمي ومرشدي. مينديش كان عنصرا مهماً في مسيرتي".
يتعلق نجاح مينديش بالعمل على التفاصيل الصغيرة. هذا هو مفتاح نجاحه. يقف دائما بجانب اللاعب ويفي بوعوده ويفتح لهم سوق الانتقالات الدولي على أعلى مستوى. اتصالاته لا حدود لها ويتقرب من عائلات لاعبيه داخل إطار هذه العملية. يبتاع أشياء للوالدين والأشقاء والشقيقات واللاعب أيضا: تلفاز وشقة وسيارة إلخ.
لا شك أن مينديش هو أفضل وكيل لاعبين في العالم. انظر فقط لقائمة لاعبيه السابقين والحاليين: دييغو كوستا وأنخل دي ماريا وديفيد دي خيا وفالكاو.. إنه يكد في عمله ويسعى وراء المثالية، تماما مثل رونالدو، ولكن لكي ينجح في إقناع الأخير بتمثيله اتبع استراتيجية خاصة.
استراتيجية خاصة
نظم جورجي مينديش عشاء عمل مع أحد زملائه ورونالدو ووالدته. بداية من اللحظة الأولى هيمن سحر مينديش على الاجتماع. تمكن رفيقه من إبقاء كريستيانو مشغولا وبدأ جورجي في الحديث مع دولوريس بخصوص كل ما كان يفكر فيه. بعدما انتهى اللقاء قال مينديش لزميله "كريستيانو سيصبح لاعبنا".
في سبتمبر/ أيلول 2002 تلقت وكالة جوزيه فيغا فاكس موقعاً من قبل اللاعب ووالدته يؤكدان فيه أنهما لا يرغبان في تمديد عقدهما معه لأنه أظهر غياب اهتمام ممنهج بخصوص تحسين أوضاع العقد القائم بين الطرفين.
يقول كريستيانو عن مينديش "رأيت في عينيه شخصاً يهتم بي بشكل حقيقي. إنه مثل والدي. لا يرفض أي شيء أبداً. دائما لديه استعداد لتقديم المساعدة"، فيما تضيف دولوريس "أعتبره صديقاً أو أكثر من هذا. هو جزء من هذه العائلة".
الفريق الأول والروماني
كان مدرب سبورتنغ لشبونة لازلو بولوني الروماني أول من استدعى كريستيانو للفريق الأول في موسم 2001-2002. حينما حدث هذا كان رونالدو قد أمضى صباحه في المدرسة، وعقب عودته للنادي، والذي كان قد افتتح قبلها بوقت قليل منشآت جديدة للتدريب، حيث تلقى استدعاء من مدرب فريق رديف سبورتنغ جان بول.
- "استعد ستتدرب مع الفريق الأول هذا المساء".
ترددت جملة جان بول في رأس رونالدو حينما جاء الموعد المنتظر. اختلط التوتر بالخوف. كان يرغب في إظهار قيمته بالتدريبات. لم يكن يرغب في أن ينساه أحد. تسارعت ضربات قلبه. لا أحد يحصل على هذه الفرصة دون وجود سبب واضح ولكن في التمرين الذي حضره سارت الأمور بشكل سيئ للغاية.
لم يعرف كريستيانو حينها ما الذي كتبه بولوني عنه ولكنه كان كالتالي:
"ضعف في الألعاب الهوائية/ لعب دفاعي ضعيف/ غياب القوة/ لا وجود لوعي تكتيكي سواء فرديا أو جماعيا/ الأنانية/ الافتقار للقوة الذهنية والتركيز".
مرت الأشهر ولاحت فرصة أخرى. تبخر خوفه وحل الهدوء مكان تسارع ضربات القلب. تجرأ على تمرير الكرة بين قدمي لاعب مخضرم ولعب الكرة من فوق لاعب آخر، بل ووفقا لكتاب (سي أر سيفين: أسرار الماكينة) فقد رد على أحد اللاعبين حينما صرخ فيه "(فلتهدأ يا فتى) بقوله (سنرى إذا ما كنت ستدعوني بنفس الطريقة حينما أصبح أفضل لاعب في العالم)". رونالدو ابن ماديرا كان قد عاد. ذلك الفتى الذي أبهر قطاع الشباب عاد بالفعل ولكنه ظل يتدرب ويتدرب دون أن يشارك في المباريات.
بالنسبة لنجمي الأكاديمية الآخرين، ريكاردو كواريزما الذي يكبر كريستيانو بعام ونصف وهوغو فيانا الذي يكبره بعامين، فإنهما كانا يشاركان بل ولعبا دورا كبيرا في موسم سبورتنغ الممتاز.
لم يتوقف رونالدو عن سؤال أعضاء الجهاز الفني عن موعد مشاركته مع الفريق الأول سواء في التدريبات أو المباريات. ربما كان رونالدو متسرعاً ولكن بولوني لم يكن كذلك. يقول تونييتو الإسباني الذي زامل كريستيانو في سبورتنغ لشبونة "لم يتوقف عن الشكوى. كان لا يشعر بالرضا أبدا ولديه قناعة بأنه (الأفضل في العالم). كان يقول هذا بثقة مدهشة".
خطة شخصية
أعد مدرب فريق تحت 17 عاما جواو كوتو وبولوني خطة تدريب خاصة برونالدو تضمنت يومين من الحصص التدريبية لبناء العضلات في كل أسبوع، سواء مع لاعبي تحت 17 عاما أو الفريق الأول. حينما يدار هذا النظام بشكل جيد فإنه يقي من الإصابات ويجهز الجسد للمنافسة على أعلى مستوى، مع ضرورة العمل على تمارين المقاومة والمرونة والتناسق بشكل متوازٍ.
كان رونالدو يخدع المدربين: يقول لكوتو إنه لم يقم بتدريب بناء العضلات مع الفريق الأول ويفعل نفس الأمر مع بولوني لكي يعمل على زيادة كتلته العضلية. كان المدربان يسعيان لتجنب تعريضه للحمل العضلي الزائد ولكن رونالدو كان مصرا على تحقيق أحلامه بأي سبيل.
يقص الحارس تياغو فيريرا حكاية أخرى قائلاً "في إحدى الليالي شاهدته وحيدا في الملعب مع حقيبة مليئة بالكرات. بدأ في التسديد والتسديد على المرمى فسألته لماذا لم يطلب من حارس الوقوف فأجاب (أتدرب من أجل نفسي). كان دائماً يفعل نفس الحركة: يضرب الكرة بنفس الجزء في قدمه. في بعض الأحيان كان يتدرب بالبرتقال"، فيما يضيف تونييتو مازحا من جانبه "كل يوم كنت أنتظره حتى المساء لأصطحبه للمنزل".
نبوءة ونقاش غيرا التاريخ
فاز المدرب الروماني بثلاثية الدوري والكأس وكأس السوبر في هذا الموسم بعد نجاح خليط فريق الخبرة والشباب، على الرغم من أن رونالدو لم يحصل على ما كان يرغب فيه بالكامل.
هناك لحظة لن تنمحي من الذاكرة في مباراة فريقي البرتغال وإنكلترا تحت 17 عاما في هذا الموسم. ليس بسبب النتيجة أو أداء رونالدو، بل بسبب الحوار الذي دار بعد اللقاء بين خوان كارلوس فريتاس، أحد مسؤولي النادي وأوريليو بيريرا، رئيس الأكاديمية.
- فريتاس: لقد شاهدت كواريزما في تدريبات ذلك اليوم سيكون لاعباً رائعاً.
- بيريرا: تذكر ما سأقوله لك. فتى ماديرا هو من سينجح.
- فريتاس: كريستيانو؟ لماذا؟
- بيريرا: لأنه محترف. هو في السادسة عشرة ولكنه محترف أكثر من المحترفين. لأنه أتى وحيداً وقضى أشهر البداية وهو يبكي وسألته: ما الذي ترغب في القيام به لعب كرة القدم أم البكاء لوالدتك فأجاب: كرة القدم.
في موسم 2002-2003 كان المهاجم الرئيسي للفريق غارديل على وشك الرحيل وكان النادي يسعى لإيجاد بديل. توجه مدير الكرة كارلوس فريتاس لسؤال الإدارة عن الميزانية وأجابوه بابتسامة "صفر"، لذا اقترح على بولوني أن يكون الحل هو كريستيانو رونالدو فأجابه الأخير بالفرنسية "إنه ليس الحاضر بل المستقبل"، فأجابه فريتاس "ربما هو في السابعة عشرة من عمره، ولكن هل كان هذا سيكون ردك لو كان من رومانيا أو بلغاريا؟".
أوزيبيو وفيغو وابن فان باستن
لم يعد بوسع بولوني احتواء الوحش مجدداً. شعر بأن رونالدو تطور في غضون عام ما يتطوره البعض في عامين حيث تحسن مستواه كثيرا في عدة أشياء، لذا أطلقه في الحلبة وبدأ يكيل له المديح.
"سيكون أفضل من أوزيبيو وفيغو".. هذا هو ما قاله في أحد المؤتمرات الصحافية وأصبح كريستيانو بعدها أحد أعضاء الفريق الأول. شعر بالانتماء إلى هناك. قال حينها بعد مباراة أمام ليون "الناس لم يروا شيئا بعد من رونالدو الحقيقي. هذه هي البداية".
توالت المباريات المهمة وكان اللقاء الأول له في دوري الأبطال أمام إنتر ميلانو وانتهى بالتعادل السلبي، فيما كانت مباراته الأولى بالدوري أمام سبورتنغ براجا وأول هدفين له أمام موريرنسي في الكأس بشهر أكتوبر/ تشرين الأول، حيث كان الأول منهما بعد مشوار طويل وسلسلة من المراوغات.
كان يخرج ويدخل من قائمة الفريق الأول بانتظام ولكن جورجي مينديش كان يدرك أن أمامه ربما أفضل مشروع في حياته. الخطوة الطبيعية بالنسبة له كانت يجب أن تتعلق بالرحيل نحو نادٍ أوروبي كبير، خاصة وأنه بنهاية الموسم كان قد لعب 25 مباراة سجل فيها خمسة أهداف وترك فيها الكثير من اللقطات الرائعة بالنسبة للاعب في سنه، لدرجة أن جوزيه مورينيو مدرب بورتو في ذلك الحين قال عنه في ذلك الصيف "حينما شاهدته، قلت لنفسي إن هذا هو ابن فان باستن".