كان موسم 2008-2009 صعبا على رونالدو، ولكن هذا لم يمنعه من القيام بواجبه. يقول جاري نيفيل "تحلى كريستيانو بالمهنية اللازمة طوال الموسم، ولكنه كان يعد الشهور الباقية على الرحيل".
يعتقد البعض أن رونالدو بدأ في إبعاد نفسه تدريجيا عن المجموعة كلما تقدم الموسم. كان يجد البقاء على اتصال دائم بيوميات النادي أمرا صعبا، بل وأنه تخلى عن دوره كـ"جليس أطفال" لناني وأندرسون.
كان الموسم عبارة عن خليط من التألق والشكاوى ضد الحكام وانعدام الصبر والغضب وردود الأفعال السيئة والتوقف عن الاحتفال مع باقي زملاء الفريق في بعض الأحيان. كان لهذا الأمر تأثيره لدى جماهير مانشستر يونايتد التي كانت تدرك أن رحيله قد اقترب. أصبحت مسألة تقبّل تكبّره تزداد صعوبة يوما تلو الأخر بالنسبة للمشجعين.
على أي حال كان فوزه بجائزة فيفا 2008 لأفضل لاعب في العام وكرته الذهبية الأولى، بضعف عدد نقاط ليونيل ميسي، شيئا مستحقا، حيث قال حينها "من يعرفني ويعرف طريقة حياتي يدرك أن هذا حلم قد أصبح حقيقة. هذه الجائزة مهمة وأرغب في الفوز بها مرة ثانية. سأستيقظ كل يوم وأقول لنفسي: واصل التحسن".
يقول جاري نيفيل "كانت هناك بعض الأوقات التي نسي فيها جذوره، أو بمعنى أصح نسيان كيف تمكن من تسجيل 40 هدفا في موسم واحد: أتحدث عن الركض بدون كرة والعمل الجماعي. ميسي وصل في الوقت المناسب ليعطيه تلك الدفعة ويذكره بأن أحدا ما يقف وراءه".
عمل رونالدو على تنويم الـ"بريميير ليغ" مغناطيسيا بمستواه، وكان يظهر على فترات ملامح من التألق في دوري الأبطال، مثل مواجهة بورتو في ربع النهائي حينما كان التعادل السلبي سيد الموقف وقرر التسديد من مسافة مستحيلة ولكن الكرة سكنت الشباك.
"رونالدو ما الذي تفعله؟"، هكذا صرخ ريو فرديناند حينها، ولكن كلمات قلب الدفاع التالية كانت "يا إلهي.. يا له من هدف!".
بنهاية الموسم تمكن مانشستر يونايتد من التتويج بالدوري وكأس كارلينج ووصل لنهائي دوري الأبطال للعام الثاني على التوالي، ولكن أرقام رونالدو التهديفية تراجعت من 42 هدفا إلى 26. كان أمامه مباراة واحدة قبل الوداع أمام برشلونة بيب جوارديولا وليونيل ميسي. كان الوداع سيئا: خسارة اللقب وشهادة إثبات لتألق لذلك المنافس القصير ضعيف البنية.
داخل المتاهة الملكية
سنعود الآن للفترة الفاصلة بين الموسم الأخير وقبل الأخير لرونالدو في مانشستر. لتلك الفترة التي أعقبت محادثة رونالدو وفيرجسون وشهدت اتصال كريستيانو برامون كالديرون رئيس ريال مدريد أثناء تواجده في بوجوتا حيث كان النادي الملكي يواجه سانتا فيه الكولومبي.
"سيدي الرئيس. عليك أن تغفر لي. قلت إنني سأنتقل لريال مدريد هذا العام ولكن لا أستطيع. فيرجسون طلب مني البقاء والنادي أيضا. توجد الكثير من الأشياء التي يجب أن أشكر مانشستر يونايتد عليها والجماهير وفيرجسون نفسه. إنه مثل والدي. سنرتب الأمور من أجل الموسم التالي".
الأمور لم تكن على أفضل حال مع كالديرون. الكل كان ضده وبالأخص الصحافة. وصل الأمر لذروته في يناير/ كانون الثاني 2009 حينما أعلن الرئيس استقالته من منصبه وفي الأشهر التالية رفعت خمس قضايا ضده بتهمة التزوير في الجمعية العمومية والتلاعب في حسومات التذاكر ضمن أشياء أخرى ولكنه لم يتعرض أبدا للإدانة.
في 18 مارس/ آذار، تحدث إدواردو فرناندز دي بلاس، رئيس جماعة الضغط (اتيكا مادريديستا)، لجريدة (أس) الرياضية بخصوص صفقة رونالدو المحتملة وتراجع عدد اللاعبين الإسبان في النادي، حيث قال "يوجد لاعبون إسبان في ليفربول أكثر من ريال مدريد. كريستيانو من أفضل لاعبي العالم ولكن مانشستر يطلب الكثير من النقود التي يمكننا جلب اثنين من اللاعبين الإسبان بها، بل وأن مثل هذه الصفقة ربما تضع الوضع المالي للنادي في أزمة".
كان فيسينتي بولودا يشغل في تلك الفترة رئاسة النادي بصورة مؤقتة: لم يكن مستعدا لسماع مثل هذه الاتهامات ضد سمعته والقول بأنه يهدر أموال النادي، على الرغم من أن النادي كانت لديه بالفعل الأموال الكافية لتغطية أموال الصفقة.
كان ريال مدريد وجورجي مينديش وقعا على عقد بأنه إذا لم يتقدم ريال مدريد لشراء كريستيانو رونالدو قبل موسم 2009-2010 فإنه سيتوجب على النادي الملكي دفع 25 مليون يورو كتعويض. رأى بولودا حينها أن يتصل بمينديش ويخبره أن يأتي لاستلام المبلغ لأن الصفقة لم تتم.
كان رد فعل مينديش مدهشا، بل إنه قال إن لا مانع من إلغاء الصفقة دون وجود أي كلفة على ريال مدريد. حينما أخبر بولودا المدير العام خوسيه أنخل سانشيز بما حدث لم يصدق الأمر وبدأ في التفكير: ما الذي يحدث؟
شبح برشلونة
الحقيقة أنه كان هنالك عرضان بالفعل على الطاولة أمام مينديش، الأول من مانشستر سيتي بقيمة 150 مليون يورو، والثاني من برشلونة بقيمة 105 ملايين يورو، أي ما يزيد في الأساس عن الشرط الجزائي الجديد في عقد كريستيانو رونالدو وهو 80 مليون استرليني (94 مليون يورو).
الأمور كانت جنونية: كان هناك ليونيل ميسي صاحب الـ21 عاما الذي يستمتع بموسمه الثاني مع الفريق الأول تحت قيادة بيب جوارديولا، فما الذي سيحدث لو تشارك غرف الملابس مع كريستيانو رونالدو؟
كان خوسيه أنخل سانشيز وبقية الإداريين الكبار في النادي يخشون من هذا الأمر، حيث قال أحدهم "إذا ما تعاقد البرسا معه، لن نتمكن من الفوز بأي لقب لعشر سنوات". لا يوجد مفر: يجب أن ينضم رونالدو لريال مدريد.
كلمة فلورنتينو
حاول سانشيز إقناع بولودا بالتراجع عن قراره، وفي النهاية اقترح عليه الاتصال بفلورنتينو بيريز الذي لم يكن يشغل أي منصب رسمي حينها، ولكن كان الكل يعلم أنه هو من سيفوز بالرئاسة إذا ما تقدم للانتخابات. كان هناك ظن أيضا بأن فلورنتينو هو من دفع رئيس جماعة الضغط المدريدية لإطلاق هذه التصريحات.
أجرى بولودا المكالمة في وجود سانشيز وفتح الميكروفون وقص عليه الأمر، وسمع فلورنتينو يقول "دي بلاس لن ينطق بأي كلمة بخصوص هذا الموضوع مجددا". هكذا اتضحت الرؤية واتصل الرئيس المؤقت بمينديش وأخبره بأن ينسى كل ما قاله وأن الاتفاق ما زال ساريا.
بعدها بأيام قليلة أعلن فلورنتينو كما كان متوقعا أنه سيخوض الانتخابات، وامتلأت صفحات الجرائد بأسئلة حول ما إذا كان بيريز سيعمل على إتمام صفقة رونالدو التي بدأها كالديرون أم لا، ولكن الأمور كانت تمت بالفعل.
رحل رونالدو عن مانشستر يونايتد بعد ست سنوات والتتويج بتسع ألقاب وخوض 292 مباراة وتسجيل 118 هدفا، وقال فيرجسون في كتاب سيرته الذاتية "دفع ريال مدريد 80 مليون استرليني نقدا من أجله وهل تعرفون لماذا؟ إنها طريقة فلورنتينو بيريز رئيسهم ليقول للعالم: نحن ريال مدريد ونحن الأكبر. كانت هذه حركة ذكية من جانبهم وإعلانا واضحا عن نواياهم".
حتى الاسكتلندي الذي يمكن القول إنه أكثر من يعرف أن رامون كالديرون هو من بدأ كل شيء تعرض للتنويم المغناطيسي لفلورنتينو الذي يقول "علاقتي كانت جيدة للغاية مع السير أليكس فيرجسون. كان بإمكاننا التعاقد معه (كريستاينو) بمبلغ أقل، ولكن لم يكن هناك وقت لهذا. في هذا الأسبوع تعاقدنا مع كريستيانو وكاكا وبنزيمة".
جرى تقديم كريستيانو رونالدو في السادس من يوليو/ تموز 2009، حيث يقول عن هذا الأمر "أتذكر أنني كنت متعبا للغاية حينما وصلت، ولكن كل الأشياء كانت تتم بسرعة: الذهاب للفندق وتغيير الملابس والذهاب للحفل ثم المقابلات والصور.. يا له من يوم".
أثناء تواجد كريستيانو في الفندق، سأل كريستيانو بعض أصدقائه من الصحافيين عما يجب أن يفعله.. "هل أقبل شعار النادي؟ حسنا سأفعل هذا.. ماذا أيضا؟ يجب أن أجعل بعض الجمهور يشارك. سأقول: هلا مدريد!". كان الأمر خياليا في حفل تقديم رونالدو بالبرنابيو: 80 ألف مشجع. رقم قياسي لم يسبق له أي مثيل.