كبار أوروبا.. البرتغال في ثوب البطل وهولندا تحتاج لثورة

27 مارس 2017
منتخب البرتغال يقدم أداء مميزاً في تصفيات المونديال (Getty)
+ الخط -


تحتاج هولندا إلى إحياء الثورة الكروية القديمة، في انتظار ميتشيلز آخر وكرويف جديد. بكل تأكيد هذا الأمر أقرب للمستحيل، لكن تجديد الفكر بمدرب جديد يبدو أنه أقرب خيار واقعي، فالمنتخب ينقصه اسم كبير داخل الملعب وخارجه، وتوافر المدير الفني القادر على وضع نظام جماعي متكامل سيجعلهم في صورة أقوى، ويضمن لهم وجوداً مؤكداً بين الكبار في البطولات المقبلة.

شبح هولندا
تدفع الكرة الهولندية ثمنا غاليا بعد كأس العالم 2014 في البرازيل، وقتها قرر لويس فان غال الرحيل ليعتمد اتحاد اللعبة على هيدينك ثم داني بليند بدون أي إضافة حقيقية، ليفشل ثالث المونديال في الوصول إلى بطولة أوروبا، ويقترب في التصفيات الحالية من السقوط بعيدا عن المنتخبات المتأهلة إلى روسيا 2018. إنها واحدة من أسوأ لحظات هذا المنتخب على مر تاريخه، ليس لأنه فقد القدرة على الفوز، ولكن لعجزه التام عن إيجاد الصيغة التي تجعله يقدم الكرة الجميلة المعروفة عن الطواحين منذ حقبة السبعينيات من القرن العشرين.

يلخص الراحل كرويف ما يحدث حاليا في هولندا قائلا منذ سنوات بعيدة، "لقد فقدنا الكرة الجميلة والأسلوب المميز، نلعب بثنائي محوري على خط واحد، الظهيران يبتعدان عن قلوب الدفاع، والبناء يتم عن طريق العمق بطريقة تقليدية، مع استخدام العنف غير المبرر أمام بعض المنافسين، لن نذهب أبدا بعيدا بهذه الاستراتيجية". المثير للاهتمام أن كلام يوهان جاء في الفترة ما بين 2008 و2010، وقت وصول الطواحين إلى نهائي المونديال، وتقديمهم مباريات لا تُنسى في أوروبا لكن كان الرجل كعادته يعلم أن هذه الانتصارات لن تدون وسيأتي وقت يحتاج فيه المنتخب إلى استعادة جذوره، مثل ما يحدث هذه الأيام مع المدرب داني بليند.

قلّت المواهب الهولندية مقارنة بالسابق، في يورو 2000 كمثال، لعب ريكارد بأوفر مارس ودافيدز وسيدورف وبيرجكامب وكلايفرت ودي بوير والبقية. في الفترة الحالية تتواجد مجموعة أقل كديباي وباس دوست وكلاسين، لكن الأزمة ليست في الأسماء بل في طريقة تفكير القائمين على اللعبة، ومعايير اختيارهم للمدرب الوطني، فداني بليند طمس هوية هولندا تماما، رغم سهولة الجزم بفشله بعد شراكته مع هيدينك في مرحلة ما بعد فان غال، لأن هذا الرجل يفتقد إلى الخبرة والتخيل في آن واحد، لا يملك أي تجارب ناجحة من قبل، مع ضعفه الشديد في الإتيان بأفكار جديدة، لذلك يبدو الفشل الحالي طبيعيا إلى أقصى درجة.

يعتمد بليند على خط وسط فوضوي، دون الحاجة إلى وضع لاعب ارتكاز صريح يربط بين الخطوط، وبالتالي يتشارك فينالدوم وستروتمان وكلاسين في هذه المنطقة مع نتائج صفرية، بسبب عدم وجود أي رابط أو قيمة للتمركز والتحرك، فدور الوسط مع بليند يركز فقط على رمي الكرات إلى الأطراف، ليحصل روبين على الكرة ويسدد أو يلعب العرضية تجاه باس دوست، طريقة قديمة ومتهالكة أثبتت فشلها مرارا وتكرارا خلال مشوار التصفيات.

بطل أوروبا
واجهت البرتغال المجر مرتين في الفترة الأخيرة، انتهت أول مباراة بالتعادل الإيجابي في مرحلة المجموعات باليورو، وكانت المجر هي الطرف الأميز في معظم مجريات اللعب، بينما خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم، فاز رفاق رونالدو بكل سهولة على المجريين، وبنتيجة ثلاثة أهداف دون رد على ملعب النور الخاص بنسور بنفيكا. لم يتغير الكثير بين المباراتين، لكن البرتغال اكتسحت الخصم في جولة التصفيات بسبب الثقة التي حصل عليها جميع اللاعبين بعد تحقيق لقب يورو 2016 على حساب فرنسا، إنها الشخصية الحاضرة بعد سنوات طويلة من الهزائم والانكسارات.

واجه المنتخب البرتغالي أزمة قوية بعد يورو 2004، الخسارة المريرة أمام اليونان في النهائي، واعتزال معظم النجوم الكبار مع ترك رونالدو وحيدا، ليدخل الفريق المعتركات القارية والدولية دون أي طابع أو ملمح، مجرد مجموعة من المهارات التي تسقط سريعا في أي معترك حاسم، حتى جاءت لحظة التغيير في فرنسا. نجح المدرب سانتوس في وضع بصمة دفاعية واضحة، قلل الفراغات والمساحات بين الخطوط، اعتمد على الكرات الثابتة والمرتدات مع جزء من الحظ والتوفيق، عن طريق القرعة السهلة وركلات الجزاء أمام بولندا، كل هذه العوامل صنعت منتخبا مغايرا للبرتغال في آخر عامين.

لعب برازيل أوروبا في اليورو بدون رأس حربة صريح، لكن جوهرة بورتو أندريه سيلفا وفرت طاقة هجومية جديدة للفريق ككل، من خلال تواجده كمهاجم متقدم داخل منطقة الجزاء، وتمركز رونالدو المثالي بين العمق والطرف، يبدأ المباراة كجناح في خطة 4-2-3-1، قبل أن يتحول إلى القلب كمهاجم آخر، وينتقل زميله جواو ماريو إلى الجناح الأيسر، لتصبح الخطة في حالة الهجوم أقرب إلى 4-4-2، بتمركز أندريا غوميز وويليام في منطقة المحور، مع فتح الطرف الآخر يمينا بواسطة المهاري الخبير كواريزما.

استفادت الكرة البرتغالية كثيرا من انتصار اليورو، لقد حصلت المجموعة الحالية على الثقة المطلوبة، وصار الفريق أفضل على مستوى التعامل مع المباريات الكبيرة، من خلال الرهان على الدفاع والاعتماد على أسلوب رد الفعل، مستفيدا من مهارات وإمكانات لاعبي الشق الهجومي، وقدرة نجوم الوسط على شغل أكثر من مركز، كغوميز وماريو، الثنائي القادر على ملأ الفراغات في الجناح والوسط دون إخلال بالمنظومة التكتيكية للمدرب، وبالتالي يمكن للبرتغال الذهاب بعيدا في القادم، ويستطيع كريستيانو الاستفادة من زملائه الشبان، وأخذ انطلاقة إضافية بواسطة اليورو بعد سنوات طويلة من الابتعاد عن المنافسة بالبطولات الدولية.

فريق النجوم
رشح الكثيرون منتخب فرنسا لتحقيق بطولة يورو 2016 خصوصا أنها أقيمت على أرضها، لكن خسر الديوك في النهائي بهدف إيدر، البجعة القبيحة التي صارت جميلة بفضل التسديدة القاتلة في الأوقات الإضافية. ورغم السقوط المرير في النسخة الأوروبية، إلا أن منتخب فرنسا يظل أحد أفضل الفرق على مستوى العالم، بسبب كمية المواهب الكبيرة من فترة لأخرى، آخرها مبابي جوهرة موناكو في الشامبيونزيغ.

ومع التأكيد على امتلاك فرنسا لأفضل مجموعة كروية ممكنة، إلا أنه من المبالغ فيه إذا رشحنا هذا المنتخب لنيل بطولة كبيرة، بسبب عدم قدرة المدرب ديديه ديشامب حتى هذه اللحظة على إيجاد أفضل خطة ممكنة، للاستفادة من عدد النجوم داخل الفريق. ويبقى السؤال كما هو، هل يلعب بالنجم بوغبا كلاعب رقم 10 في خطة 4-2-3-1 ويضع غريزمان على الجناح؟ أم يلعب بكانتي كلاعب ارتكاز دفاعي وبجواره نجم اليونايتد في الوسط، مع الحفاظ على التوليفة الهجومية بتواجد ثنائي على الطرف، وغريزمان مع مهاجم آخر في العمق؟

يشكل بنزيمة أيضا نقطة ضعف واضحة في المجموعة، فديشامب حتى الآن لم ينجح في إيجاد البديل، ولم يقدر جيرو على إضافة الشيء الجديد، فمهاجم ريال مدريد هو أنسب خيار ممكن لمشاركة نجم أتليتكو في الهجوم، وبالتالي سيظل المدير الفني تحت الضغط، لأنه يفشل باستمرار في وضع خطة أساسية ينطلق منها منتخب بلاده، والدليل عبر البطولة الأخيرة، فالديوك لعبوا بأكثر من رسم دون الوصول إلى نتيجة قوية في النهائي.

نجحت فرنسا في تاريخها الحديث مرتين، في مونديال 98 بفضل دعم الأرض وقدرات المدرب إيمي جاكيه، الرجل الذي عرف كيف يجمع كل اللاعبين في إطار واحد، بينما خطف زيدان الأضواء من الجميع في يورو 2000، نتيجة قوة شخصيته وظهوره الكبير في المباريات الحاسمة. ومع كامل الاحترام لكل طاقم المنتخب حاليا، فإن ديشامب لم يصل بعد لمرونة جاكيه وثباته أثناء المواجهات النهائية، بينما يبتعد كل النجوم عن طريقة حسم زيدان، بداية من غريزمان مرورا ببوغبا وباييه والبقية، لتظل فرنسا على بعد خطوة، ليست بالقصيرة، عن أول بطولة كبيرة لهذا الجيل الذهبي، من وجهة نظر الجمهور فقط حتى هذه اللحظة.

المساهمون