كان يا ما كان... طمأنينة وبساطة في فلسطين

24 ديسمبر 2016
تضيء شموعها في كنيسة المهد (ديفيد سيلفرمان/ Getty)
+ الخط -

تعود ذكريات عيد الميلاد في اللدّ إلى سمير هونديله، البالغ من العمر ثمانين عاماً. كان في الثانية عشرة من عمره عندما هُجّر وعائلته خلال نكبة 1948 من مدينته الواقعة جنوب شرقي يافا، لكنّ تلك الذكريات تلازمه. ومن منزله في رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة حيث استقرّ به المطاف، يسرد تلك الأيام.

"في اللد، كنّا نعيش ببساطة. في ليلة عيد الميلاد، كنّا نذهب مع أهالينا إلى الكنيسة للصلاة. وفي صباح يوم العيد، كانت والدتي تجهّز لنا وجبة فطور مميّزة وتقدّم لنا وللزائرين كعك العيد بعجوة. ما زلنا نعدّه حتى يومنا هذا، أو نشتريه جاهزاً في بعض الأحيان". وغداً في صباح العيد، سوف يجمع هونديله أبناءه كما العادة، ويزور أقاربه جميعاً. هو متمسّك بذلك الترابط الأسري.

ويتحدّث الرجل الثمانيني عن الطمأنينة التي كان يعيشها الناس قديماً، في حين يسيطر القلق عليهم هذه الأيام على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية، وسط ازدياد متطلبات الحياة، إلى جانب ما يتسبّب به الاحتلال الإسرائيلي. ويلفت إلى أنّ المسيحيين في بعض الأحيان، كانوا يحتفلون بالقليل، نظراً إلى الظروف التي كانت ترافق الانتفاضة وما تشهده المناطق الفلسطينية من اجتياحات ومواجهات وإضرابات.

سهيل متري شماع ليس في مثل سنّ هونديله - هو في الخمسينيات - لكنّه من جهته كذلك يرى تفاوتاً ما بين العيد في السابق واليوم. "عيد الميلاد في السنوات الماضية البعيدة كان أجمل، والترابط الأسري أقوى بين الناس. ما نشهده اليوم يعود ربما إلى مشاغل الناس. المعايدات والتواصل الاجتماعي في عيد الميلاد والأعياد الأخرى لم تعد كما كانت، حتى الفرحة اختلفت". ويقول: "ونحن صغار، كنّا نرى أنّ العيد أجمل، ربما لأنّنا كنّا صغاراً".




أبو جريس، أو سمير ريان، البالغ من العمر 68 عاماً، هو من أهل مدينة رام الله الأصليين. يتحدّث عن عيد الميلاد "البسيط" في أيّام زمان. "على الرغم من الفقر، إلا أنّ الفرحة بحلول العيد كانت تطغى على الأجواء. كان الناس يحبّون بعضهم أكثر". ويخبر بأنّ "كلّ عائلة كانت تنتدب نحو 20 شخصاً منها، فيطوفون على المنازل للتهنئة، أمّا ضيافتهم فالكعك المدوّر بعجوة والمعمول. ثمّة أسر كانت تقدّم نوعاً من الشوكولاته، الوحيد المتوفّر في ذلك الحين. لكنّ الأمر كان يبقى مرتبطاً بقدرة كلّ أسرة".

ويشير أبو جريس إلى السعادة التي كانوا يشعرون بها، إذ "كان الترابط بين الناس أكبر. الجار يتفقّد جاره في ظل أجواء من التسامح بين الناس. أمّا اليوم، فقد تغيّرت الأحوال، ولم يعد التواصل كما كان، بل راح يقتصر على أقرب المقرّبين من العائلة". ويعيد ذلك إلى "بعد الناس عن الدين".

في ذلك الزمن، كانت المعايدات بحسب ما يحكي أبو جريس، مبالغ رمزية، ديناراً واحداً أو دينارَين اثنَين، وأحياناً كانت على شكل مواد عينيّة. ويستذكر "الأيام الحلوة وسعادتي حينما كان أهلنا يشترون لنا ونحن صغار ملابس العيد. إلى ذلك، كان محظوظاً كلّ مَن يتمكّن من التوجّه إلى بيت لحم للصلاة. كانت الطرقات مفتوحة. أمّا اليوم فالحواجز قائمة، إلى جانب كثرة الحجيج والسياح هناك. بالتالي، نضطر إلى الصلاة هنا في رام الله والقيام بواجبات العيد". ويتحدّث أبو جريس عن "جوهر العيد وبهجة الناس به. كان كبير العائلة يجمع أقاربه في بيته حول مائدة غداء في يوم العيد، وكانت الفرحة من القلب".

إلى ذلك، كانت أشجار عيد الميلاد بسيطة، وكانت مصدر بهجة للصغار والكبار، على حدّ سواء. ويخبر هونديله أنّهم كانوا يقطعون أغصاناً من أشجار الصنوبر ويزيّنونها بالبالونات وببعض ألعاب الأطفال ويضعونها في إحدى زاويا البيت. لكنّ أشجار هذه الأيام تباع في المحال التجارية بمبالغ باهظة. ويشير: "حتى بهجة الشجرة تغيّرت، والناس اليوم يكتفون بالتباهي بشكلها. في ما مضى، كانت الأشجار تزيّن بها المنازل والكنائس. لكنّ مدنا عدّة راحت تعتمدها لتزيين شوارعها والتنافس على أجملها في الأماكن العامة". من جهته، يقول أبو جريس إنّ "شجرتنا كانت كما أشجار العائلات الأخرى، من أغصان الصنوبر. وعلى الرغم من أنّ المنزل كان يتّسخ منها، إلا أنّ رونقها كان خاصاً. أمّا اليوم، فيشتريها الناس جاهزة وبأسعار باهظة. في الماضي لم تكن تكلّف أيّ شيء". أمّا شماع، فيرى أنّ شجرة الميلاد كانت جميلة لما نخبره من تعب خلال وضعها. "كنّا نقطع الأغصان ونجهّزها. كانت حلاوتها بغلبتها".