باكراً، أنهى أبو علاء وأم علاء حمارنة تزيين شجرة عيد الميلاد. هذه المرّة الأولى التي ينجزان خلالها المهمّة لوحدهما، فالأبناء منشغلون. هما من مدينة مادبا، جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان، ويجاريان منذ سنوات الحداثة التي طاولت طقوس العيد. لكنّهما يحنّان إلى أعياد عاشوها خلال طفولتهما وشبابهما، رغم الفقر الذي كان يفرض هيمنته عليهما، ويتمنيان عودتها بكلّ ما كانت تحمله من محبّة وإخاء صادقَين.
لا يتذكّران بالتحديد تاريخ استخدامهما الشجرة الصناعية للمرّة الأولى، ربّما قبل خمسة عشر عاماً. وتقول أم علاء (75 عاماً)، إنّ أحداً لم يكن يلجأ إلى هذا النوع من الأشجار قبل ذلك. وتعود إلى "زمن كانت شجرة عيد الميلاد طبيعية. كنّا نقصد البستان أو الحرج ونقطع بعض فروع من شجر السرو أو نأخذ المكسور منها، قبل أن نركّزها في البيت". تضيف أنّه في ذلك الزمن، كانت كلّ الأشجار تشبه بعضها بعضاً.
ويشير أبو علاء (84 عاماً)، إلى أنّه "منذ راجت الشجرة الصناعية، صرنا نرى أنواعاً كثيرة وصار الناس يتبارون مَن شجرته أجمل ومن شجرته أغلى ثمناً، ويتباهون بها". وتؤكد أم علاء أنّ "الشجرة أصبحت اليوم تعبيراً عن طبقيّة. الأغنياء يجدّدون أشجارهم الغالية التي تتغيّر موديلاتها في كلّ عام، بينما يحتفظ الفقراء لسنوات بأشجارهم القديمة". والعدول عن استخدام الأشجار الطبيعة لا يرتبط فقط بتوفّر تلك الصناعية، بحسب ما يشرح أبو علاء، إذ إنّ "القوانين المستجدّة تمنع قطع الأشجار وتفرض غرامات على من يفعل".
إلى ذلك، تخبر أم علاء أنّ الزينة كانت مختلفة عندما كانت أشجار العيد تأتي من البساتين والأحراج وليس من المجمّعات التجارية والمتاجر المتخصصة. "كنّا نعدّ الزينة في البيوت. نستخدم الشرائط الملوّنة لصنع الورد الذي نعلقه على الشجرة، كذلك كنّا نلوّن أكواز السرو أو نغلّفها بالأوراق الملونة. وكنّا إمّا نرشّ الشجرة بالثلج الصناعي أو نضع عليها كرات من القطن". لا ينفي الزوجان أنّ الحداثة خفّفت من الجهد والوقت اللذَين كان يتطلبهما إعداد الشجرة وتزيينها، "إلا أنّها نزعت في الوقت نفسه كثيراً من البهجة التي كانت ترافق المناسبة".
لم تتغيّر العادات الخاصة بالشجرة وزينتها فحسب، بل إنّ طقوس العيد تغيّرت كلّها واستُحدثت أخرى لم تكن موجودة بسبب الفقر الذي كانت ترزح تحته العائلات. ويتذكّر الزوجان يوم كانا طفلَين وكانا كما الأطفال الآخرين، يحملان الأكياس ويدوران على بيوت القرية للحصول على العيدية. "بيض حمام وحلوى الكعكبان (التشعشبان) والبسكويت والراحة". وتلفت أم علاء إلى أنّ "العيد كان مناسبة لحصول الصغار على الحلويات التي لم تكن تتوفّر لنا في الأيام العادية". ويضيف زوجها: "لم نكن نعفي أحداً من العيدية. ندور على كل البيوت. وإذا لم نتمكن من الانتهاء ليلة العيد، نكمل جولتنا في يوم العيد".
في يوم العيد، كانت العائلة تجتمع لتناول الغداء إذا لم تجتمع للعشاء في ليلة العيد. لم تكن أصناف المائدة منوّعة، "كانت وجبة العيد إمّا المنسف الذي يُعدّ الطبق الشعبيّ والمؤلّف من اللحم واللبن والأرزّ، أو الفطير الذي يتألّف من الخبز واللبن ويضاف إليهما البصل والبندورة والسمن البلدي". وتفسّر أم علاء أنّ "الناس كانوا فقراءً"، فيما يعلّق زوجها: "كانوا فقراءً لكنّهم كانوا مبسوطين وبالهم مرتاح. وكانت محبّة بينهم، بخلاف اليوم". ذلك الفقر لم ينل من بهجة العيد، "فالهدايا التي كانت توزّع علينا ونحن أطفال، لم تكن سوى مستلزمات ضرورية. طفل تمزّقت ملابسه الداخلية، تكون هديته ملابس داخلية جديدة. آخر ثُقب حذاؤه، يحصل على حذاء جديد"، بحسب أم علاء، التي تشدّد على أنّ "الهدية لم تكن للترف أو المتعة. وفي مرّات قليلة، كنا نحصل على ألعاب بسيطة. رغم ذلك، أعتقد كانت للعيد بهجته الخاصة، أكثر من أيامنا هذه التي يحصل فيها الأطفال على هدايا كثيرة وملابس فاخرة".
يحنّ الزوجان إلى المحبّة التي كانت تحكم علاقات الناس. يقول أبو علاء: "زمان، كان الناس كلهم يعايدون بعضهم بعضاً. اليوم، فقط العائلة والأصدقاء. زمان، كان التكافل أكبر ولم يكن من فرق بين غنيّ وفقير". أمّا سرّ سعادتهما بالعيد في الزمن الماضي، فتعيده الزوجة إلى أنّ "كلّ ما كنّا نشتهيه، كنّا نحصل عليه في يوم العيد. الفستان الجديد، والطبق المميّز، والحلويات... لكنّ كل شيء أصبح اليوم متوفراً للناس. يتناولون اللحوم أسبوعياً إذا لم يكن ذلك يومياً وكذلك الحلويات، ويشترون الألبسة الجديدة في كلّ يوم. لذا، فإنّهم لا يشعرون بأيّ اختلاف عندما يحلّ العيد".