كانت صديقتي

27 اغسطس 2014
العسكرة طالت كل شيء حتى العقول (GETTY)
+ الخط -


كنا نجلس سوياً في حضرة الثورة، أحكي لها عن أيام الميدان. كانت حزينة لأنها لم تكن بيننا هناك. باتت تشاركني كل مسيراتنا ضد العسكر. ثم فجأة انقلبت.

تلكم القصة القصيرة. لكن التفاصيل كثيرة، أحكيها لكم.

عادت من خارج البلاد بعد أشهر من تنحي مبارك، جاءت على وقع الثورة وفورة النشاط الإعلامي الذي تلاها، تبحث عن فرصة في الإعلام المحلي، يبدو في عينيها بريق الوله تجاه الناشطين، واللوعة تجاه أيام ضيعتها بعيداً عن الميدان.

"ساعدني"، قالتها بدلال لا يمكن إزاءه الرفض.

كنت متردداً لأني قبل سنوات قررت مغادرة دكاكين الإعلام المحلي، فقد اعتدت العمل مع أشخاص يعترفون بالمصداقية، ولا يبيعون كلماتهم لقاء جنيهات، ولا يعتمدون النفاق سبيلاً إلى المناصب.

جمعتنا جلسات كثيرة نرتّب ونخطط لعمل يحقق نجاحاً، نستغل فيه فورة الثورة ونشاط الشباب، اعتماداً على أن الأوضاع تغيرت، وأن المستقبل مغاير.

بدأ عملنا معاً، ربما كنت مخدوعاً، أصدق ما تردده ليل نهار عن تضامنها مع الثورة، ودفاعها عنها ضد مؤامرات الثورة المضادة، ربما كانت أيضاً وقتها تصدق ما تردده، لا أدري.

بمرور الوقت بدأت تتغير، بات كل همها الترويج لنفسها، شهرتها وشكلها، الأخبار التي تنشر عنها، والجوائز التي تحصل عليها، لم يكن هذا يزعجني، على العكس تماماً، كنت سعيداً مثلها، أدعمها وأشجعها.

لكن الأمور باتت تتحول سريعاً، فبعد عشرات المسيرات والتظاهرات التي شاركتني فيها ضد حكم العسكر أيام المجلس العسكري، باتت تتقرب من العسكر في عهد مرسي، وبعد أن كانت تشاركني الرأي، أن أي حاكم مدني مهما بلغ به الفشل، أفضل من أي جنرال مهما ادعى النجاح، باتت تجادلني كثيراً في جدوى حكم مدني تراه فاشلاً.

لم أكن وقتها أدرك أسباب تحولها، أو ربما كنت لا أريد أن أدرك، خاصة في ظل المؤشرات الواضحة.

في أيامنا الأخيرة، باتت تتحدث عن علاقتها بالعسكر من دون مواربة، أصبحت لا أجادلها كثيراً، كانت واثقة أنها تخسرني، وأن الهوة بيننا تتسع، أسمع من رفيقاتها أنها تحدثهن عني بأسلوب لا تملك أن تواجهني به.

قررت مواجهتها، تلك طبيعتي التي تعرفها، حاولت كثيراً تفادي المواجهة، لكنها لم تستطع. كانت مواجهة عاصفة، انتهت ببكائها، اكتشَفَت أنني أعرف الكثير مما تظنه خافياً، وجدتني مدركاً ما تفعله منذ فترة.

كان ردها، تبريرها، أنها ترى ما تفعله صواباً.

تناقشنا طويلاً بما لا يدع لها فرصة لتصديق ما تدعيه، ناهيك عن إقناعي به.

كانت المحصلة أنها لن تعود عن الطريق الذي تسير فيه، وكان ردي القاطع، أنت وشأنك، لك طريق ولي طريق آخر.

المساهمون