الوضع الأمني غير المستقر في العراق دفع تجّار كثر إلى وضع كاميرات للمراقبة في محالهم بهدف الحد من جرائم السطو المسلح التي تنتشر في البلاد. واللافت لجوء البعض إلى العمل في تجارة هذه الأجهزة، وسط إقبال شديد على شرائها.
قبل أشهر قليلة، عادَ ياسر العبيدي (40 عاماً) إلى العراق لافتتاح محلّ الذهب الذي يملكه في بغداد، علماً أنه كان قد غادر البلاد بسبب عمليات السطو المسلح التي طالت محال الذهب في العاصمة العراقية وضواحيها خلال العامين الماضيين. فور عودته، وضع كاميرات مراقبة داخل المحل وخارجه، كما فعل زملاؤه في المهنة. بعد وضعها، بدا أكثر اطمئناناً.
يقول لـ "لعربي الجديد" إن هذه الكاميرات "تتيح لي مراقبة الداخلين والخارجين إلى محلي، وتخيف عصابات السطو المسلح، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية ستكون قادرة على تعقبهم في حال وقوع جريمة". يضيف: "قبل نحو عامين، غادرت العراق بسبب كثرة جرائم السطو المسلح التي استهدفت محال الذهب في مختلف المحافظات. وعدتُ قبل أشهر على الرغم من عدم استقرار الأوضاع الأمنية حتى الآن. لكن نصحني بعض الأصدقاء بنصب كاميرات مراقبة للتقليل من احتمال استهدافي من قبل العصابات".
ملاحقة الجناة
تحولت كاميرات المراقبة إلى حاجة أساسية في العراق. لجأ إليها جميع أصحاب محال الذهب والصيرفة والمولات التجارية والمصارف، حتى أن آخرين عمدوا إلى وضعها في منازلهم. في هذا الإطار، يتحدث الخبير في الرقابة القانونية حسام بشير لـ"العربي الجديد" عن أهمية كاميرات المراقبة، مشيراً إلى أن "الهدف الأساسي منها هو الحد من الجريمة وكشف مرتكبيها في حال وقوعها، وملاحقة الجناة بأقل وقت ممكن. كما أنها تشعر المواطن بالطمأنينة، وتخيف أفراد العصابات". يوضح أن "وزارة الداخلية دعت أصحاب شركات الصيرفة ومحال الذهب والمولات التجارية إلى ضرورة وضع كاميرات مراقبة لتسهيل مهمة الأجهزة الأمنية في ملاحقة الجناة".
تنتشرُ كاميرات المراقبة في كثير من المحافظات العراقية، لكنها تتركز في محافظات ديالى وبغداد والبصرة وكربلاء وبابل والنجف وميسان بشكل أكبر، كونها شهدت عمليات سطو مسلح وتفجيرات وسرقات منظمة. وعادة ما يلجأ المواطنون القاطنون في هذه المناطق إلى وضع كاميرات أكثر من القاطنين في مناطق أكثر أمناً.
يقول المتخصص في كاميرات المراقبة مهدي السامرائي (35 عاماً) إن "أسعار الكاميرات تتراوح ما بين عشرة إلى ألفي دولار. لكن الكاميرات التي يتم نصبها في محال الصيرفة والذهب لا يتجاوز سعرها الـ 500 دولار. وهي أنواع، منها سلكية ولاسلكية وحرارية ليلية وثابتة ومتحركة. ويمكن لبعضها أن يكون عالي الدقة. وقد بدأ العمل بنظام الكاميرات في العراق منذ عام 2005، لكنه كان محدوداً في ذلك الوقت".
يتابع السامرائي: "هناك طرق عدة لاستخدام الكاميرات، منها ربطها بالإنترنت عبر أجهزة وبرامج خاصة لمتابعتها عن بعد عبر الكومبيوتر أو الهاتف الشخصي. أبرز الشركات التي نتعامل معها في هذا الشأن هي تلك الأميركية والألمانية والصينية، وقد ارتفعت نسبة الإقبال على شرائها في الوقت الحالي بنحو 30 في المائة تقريباً بالمقارنة مع الأعوام السابقة". وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت نصب أكثر من 450 كاميرا في محافظة كربلاء، و300 في النجف، فيما أعلن مجلس محافظة بغداد عزمه على وضع 13 ألف كاميرا في بغداد في إطار مشروع ضخم لم يتم الانتهاء من العمل به حتى اليوم.
تجارة مربحة
تجدر الإشارة إلى أن تجارة كاميرات المراقبة ازدهرت بشكل كبير بعد حوادث السطو المسلح. وقام العديد من أصحاب المحال التجارية بتحويل محالهم إلى مراكز معتمدة لبيع الكاميرات والأجهزة الخاصة بالمراقبة. وصار التجار يستوردون هذه الأجهزة من الصين والولايات المتحدة وألمانيا نتيجة الإقبال الكبير على شرائها من مختلف شرائح المجتمع، بدءاً من مؤسسات الدولة وغيرها، بالإضافة إلى منازل المواطنين.
حيدر الخفاجي هو أحد هؤلاء. صار يملك محلاً في الباب الشرقي في بغداد مخصصاً لبيع كاميرات المراقبة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "الأجهزة الأمنية تتعاون معنا بهذا الصدد بهدف خفض معدلات الجريمة. لدينا مهندسون متخصصون في تجهيز ونصب الكاميرات، وبموافقة الجهات الأمنية". يتابع: "وجدت في تجارة كاميرات المراقبة عملاً مربحاً بعد الإقبال الكبير عليها نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في البلد، وانتشار جرائم السطو المسلح على الشركات والمصارف ومحال الذهب في الفترات الماضية".
لكن خبراء أمنيين يرون أن الرقابة الأمنية عبر الكاميرات لم تحدّ كثيراً من نسبة الجرائم، ويرون أنه يجب اتخاذ إجراءات حكومية، بالإضافة إلى الرقابة الالكترونية لتعزيز الأمن.
في السياق، يقول الخبير الأمني عبد اللطيف البيجاوي (60 عاماً) لـ "العربي الجديد" إن "الرقابة الالكترونية تحد من الجريمة بنسبة 50 في المائة، علماً أن النسبة مرتبطة بدرجة تردي الأوضاع الأمنية وانتشار المليشيات في مختلف المحافظات"، لافتاً إلى أن هناك جرائم كثيرة لم يتم العثور على مرتكبيها حتى اليوم، على الرغم من وجود تسجيلات لكاميرات المراقبة.
يضيف أنه "للرقابة الالكترونية فوائد أخرى، إذ أنها تسمح لمديريات المرور بمراقبة مناطق الازدحام وتنظيم إشارات المرور، وتسهيل التحقيقات في جرائم السرقة والسطو المسلح، وطمأنة المواطنين".
ويرى المواطن صالح الدليمي (50 عاماً) أن "كاميرات المراقبة لم تساهم في تحقيق الأمن. فالتفجيرات عادة ما تحدث في شوارع مليئة بكاميرات المراقبة. ولا ننسى أن مناطق الموصل وصلاح الدين وأجزاء كبيرة من ديالى وحزام بغداد وكركوك، بالإضافة إلى أكثر من 80 في المائة من الأنبار هي خارج سيطرة الحكومة المركزية بالكامل، على الرغم من وجود كاميرات في الشوارع الرئيسية ومراكز الشرطة ومؤسسات الدولة".
من جهته، يلفت الخبير القانوني عبد الجبار القاضي إلى أهمية المراقبة بالكاميرات، لافتاً إلى أن "تسجيلات الفيديو عبر كاميرات المراقبة هي بمثابة أدلة هامة في تقفي أثر المجرمين، بالإضافة إلى إحالتهم إلى المحاكم المتخصصة". ويوصي خبراء المراقبة الالكترونية بنصب كاميرات في أماكن واضحة عند مداخل الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية والتقاطعات في أماكن مرتفعة واضحة للعيان، لتسهم في ردع اللصوص والمجرمين من جهة، وطمأنة المواطنين من جهة أخرى.