كامارون.. حنجرة الفلامنكو الغجرية

30 يناير 2017
(كامارون في غرافيتي لفيكتور ديلغادو، سان فرناندو قرب قادش)
+ الخط -

قبل نحو ربع قرن، في ضاحية اسمها بادلونا تقع في مقاطعة كتالونيا، استيقظ سكان الحيّ الملاصق للمشفى على عويل مئات الغجر الذين احتشدوا أمام بوابة المشفى، أحدهم كان يصرخ: "لقد أخذه الربّ إلى قُربه كي يستمع إلى غنائه، هناك في السماء"، ومن ورائه، كان هناك من يردّد بصوتٍ خفيض، ملتمساً عزاءً لنفسه. كان الغجري الثاوي في السرير هو كامارون دي لا إيسلا (1992-1950).

عُرفَ بأسطورة الفلامنكو في القرن الماضي. اسمه الحقيقيّ خوسيه مونْخِه كرُوث، ابنُ بلدة سان فيرناندو الواقعة في أقصى الجنوب الإسباني في مقاطعة أندلوسِيّا. بدأ بالغناء فتى صغيراً وسرعان ما أصبح يقدّم الحفلات على خشبة "بينتا دي بارغاس" للفلامنكو في البلدة.

بعد بضع سنوات انتقل إلى مدريد ليصير مغنيّاً دائماً في "تورّيس بيميخاس" حيث تعرّف على عازف الغيتار البارع باكو دي لوثيّا (1947 -2014)، ويسجّل معه ألبومه الأوّل "حين تراكِ تبكي الأزهارُ" (1969)، الذي سيتبعه بثماني أسطوانات أخرى رفقة دي لوثيّا، اعتُبرت أفضل أعماله مثل "عيناكِ نجمتان" (1971)، و"صانعةُ السِّلال" (1972).

تميّز كامارون بأسلوب أدائيّ فريد لم يسبقه إليه أحد، وربما لم يكن تقبُّله يسيراً من قِبل عازفي ومغنّي الفلامنكو المخضرمين آنذاك. لقد جاء الغجري الشابّ بصوته المجرَّح ليكسر قواعد مقدّسة بما عُرف بتحريفات رِتمية رغم أنها لم تنفصل قطّ عن الإيقاعات الجذرية في الفلامنكو. ما أتى به إلى الغناء كان نابعاً من طبيعة خالصة تمتّع بها الفنان الذي لم يدرس الموسيقى ولا حتى تلقّى التعليم في المدرسة.

كل التجديدات التي أتت مع كامارون كانت محضُ مصادفات إن جاز القول، وإنْ كان لها جذور في طبيعة شخصيته العاطفية والسخية، وتكوينه الفنيّ، ونشأته في بيئة فقيرة وعائلة من ثمانية أولاد كان السابع فيهم.

"كامارون ألَّهَ الفلامنكو"، قال عنه المغني الشهير أيضاً إنريكِه مورينتِه، وعلّق دي لوثيّا حزيناً حين بلغه نبأ موته: "صوت كامارون الممزّق يستحضر من تلقائه الوحشة والأسى لدى شعبٍ بأسره".

دُعِي أيضاً بـ "جِنِّي" الفلامنكو وكانت إسطوانته "أسطورة الزمن"، إثر صدورها عام 1979 تُسمع في كل مكان؛ فيها غنّى "أنا غجريّ"، التي تقول كلماتها: "أنا غجري وآتٍ اليوم إلى طلب يدكِ، آتٍ لأمزّق قميصي، قميصي الذي أملك. آتٍ لأمزّق قميصي الذي خضّبوه..".

كانت مقدرةُ كامارون على استخدام أي نمط إيقاعي في الغناء هائلةً، وسمحت له بالتعبير عن إحساسه المختلف بالصوت التقليدي نغماً وإيقاعاً، واستطاع بفضل حنجرته المرنة والقوية أن ينقل لجمهوره أغنية تخرج نقيّة من أحشائه وكأنها حياته التي يستهلكها يوماً بعد يوم.

دلالات
المساهمون