كالشيو فيورنتينو...رياضة الكرة القتالية!

09 ابريل 2015
مشاهد من الرياضة العنيفة (العربي الجديد)
+ الخط -
تُعتبر رياضة "كالشيو فيورنتينو" من أقدم الرياضات في العالم، وهي أساس لرياضة كرة القدم في العصور القديمة، وهي تُعرف أيضاً باسم "كالشيو ستوريكو". لا يمكن الاقتناع بفكرة أن "كالشيو فيورنتينو" هي مزيج بين كرة القدم ورياضة القتال المختلط بالإضافة إلى الركبي أحياناً، لكن عند مشاهدة كيف تتم ممارسة هذه الرياضة على أرض الملعب، يصبح من النادر توقع وجود رياضة مثل هذا النوع من الرياضات، وخصوصاً في إيطاليا. 

بدأت "كالشيو فيورنتينو" بالظهور في القرن الـ 15، حيثُ كانت المباريات تُنظم على ضفاف نهر أرنو في عام 1490، في وقت شهدت مدينة فلورنسا التي نشأت فيها هذه الرياضة أعنف وأقوى المباريات تاريخياً، خصوصاً عامي 1530 و1574، في المقابل حضر المباراة التاريخية في عام 1574 ملك فرنسا هنري الثالث الذي وثق التاريخ تصريحه الشهير عن هذه اللعبة، عندما قال "إنها أقل من حرب وأكثر من مجرد رياضة".

أما اليوم فالمنافسات تُلعب بنظام ثلاث مباريات في ملعب "بيازا سانتا كروسي" داخل مدينة فلورنسا في الأسبوع الثالث من شهر يونيو/ حزيران، ويشترك فيها أربع أندية من مختلف أقطار المدينة، والأندية هي سانتا كروسي (الأزوري)، سانتا ماريا نوفيلا (الروسي أي الأحمر)، سانتا سبيريتو (بيانكي/ الأبيض)، سان جيوفاني (فيردي/الأخضر)، وبعد أن يلعب كل فريق مع الآخر، يتأهل إلى المباراة النهائية فريقان يتنافسان في 24 حزيران من كل سنة.

قوانين "كالشيو فيورنتينو"
تُلعب المباريات لمدة 50 دقيقة داخل ملعب أرضه رملية، ويقسم الملعب بخط أبيض في المنتصف عبر دائرة كبيرة مثل كرة القدم، بالإضافة إلى مرمى في كل جهة، وفي النسخة الحديثة من الرياضة يسمح للاعبين بالضرب باليد والكوع مثل رياضة القتال المختلط، ويُضاف إلى ذلك أن كل اللاعبين يبدأون بمواجهة بعضهم بعضاً على أرض الملعب في توقيت واحد، كما يمنع توجيه ضربات بالرأس نظراً لخطورتها.

يضمُ كل فريق 27 لاعباً على الملعب الرملي، لكن المثير هو التقسيم التكتيكي والفني لهؤلاء اللاعبين، إذ إن كل فريق لديه أربعة حراس مرمى وثلاثة لاعبين في مركز قلب دفاع، وخمسة لاعبين في مركز الظهير، و15 لاعباً في خط الهجوم، في وقت يقف قائد الفريق قرب المرمى داخل خيمة ولا يشارك مع الفريق، بل يعطي التعليمات التكتيكية ويوجه كل لاعب في الملعب. وعلى الصعيد التحكيمي، هناك حكم رئيسي وستة حكام راية، في حين يوجد مراقب للمباراة في المدرجات بغية تسيير اللقاء بأفضل الطرق الممكنة ومنع حدوث المشاكل والاضطرابات غير الرياضية.

وتبدأ المباراة بعد أن يلقي الحكم بالكرة في وسط الملعب، ليبدأ المهرجان الدموي، إذ يركض اللاعبون من أجل الحصول على الكرة، والاحتفاظ بها في الخلف مثل الركبي، وعندما يحصل فريق على الكرة، يقوم الخصم بالهجوم من أجل استعادة الكرة، لكن هذا الهجوم ليس مثل كرة القدم أو الركبي، بل هو هجوم عبر استعمال اللكمات والركلات والدخول في معركة على شاكلة القتال المختلط، وكأن اللاعبين يتقاتلون داخل حلبة كبيرة.

الأمر الذي يُشعل القتال على الأرض الرملية، هو أن الفريق الذي يملك الكرة، يجب عليه المحافظة على الكرة ومنع الخصم من الوصول إليها لسرقتها، بالإضافة إلى محاولة فتح طريق لحامل الكرة من أجل المرور إلى منطقة الخصم وتسجيل هدف، وهذا الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً بسبب القتال الذي يحتدم بين اللاعبين في وسط الملعب، فتارةً ترى لاعباً يوجه اللكمات للآخر، وآخر يركل ويهاجم منافسه بشراسة وعنف، حتى أن بعض اللاعبين يفقدون الوعي، ويخرجون على حمالة طبية من أجل المعالجة.

إنها رياضة غريبة نوعاً ما، رغم أنها تجمع رياضات جميلة وتنافسية، فمن كرة القدم مروراً بالركبي، وصولاً إلى القتال المختلط، قوانين لا يمكن خلطها، فكيف برياضة جمعت القوانين من ثلاث رياضات ووضعتها في رياضة واحدة! صناعة إيطالية، وسكان مدينة فلورنسا هم من عشاق هذه الرياضة برغم غرابتها الشديدة.

إلا أن الشعب الإيطالي منذ العصور القديمة يعشق مشاهدة القتال والدماء داخل حلبات رملية دائرية، مثلما كان يحدث أيام القيصر والمملكة الرومانية، فهناك عادات وتقاليد لا يمكن تغييرها أو سلخها عن حضارة شعب يفتخر بأصوله وتاريخه منذ الأزل، فهذه الرياضة تُعبر عن هذه العادات التي تربت عليها الأجيال الإيطالية.
دلالات
المساهمون