في مشهد غريب من غرف قسم الولادة في مجمع الشفاء الطبي في غزة، تجهز ممرضتان لولادة سيدة. يتزايد الطلق، ويبدأ الطبيب العملية. ينتهي منها، ولا يجد حاوية قمامة يرمي فيها الأوراق الممتلئة بالدماء. يعمد إلى رميها على الأرض في زاوية الغرفة. تحمل الممرضة المولود وتنظفه وتضعه في الحضانة. وترمي بدورها الأوراق المتسخة في الزاوية نفسها.
تنتشر النفايات الطبية في زوايا المستشفى. وبدلاً من هواء نظيف يتنشقه المولود، ربما يتنفس هواء مليئاً بالميكروبات.
من جانبها، تقول المسؤولة في قسم الولادة في المستشفى، بثينة الشيخ خليل، لـ "العربي الجديد" "العمل في قسم الولادة مستمر على مدار الساعة. وتكثر حالات الولادة التي يجب علينا تقديم الخدمة لها في وضع صحي نظيف وملائم. لكن منذ صباح الأربعاء وأكوام القمامة تتجمع في زوايا غرف التوليد، والدماء منتشرة على الأرض في كل مكان".
وتشير إلى أنها وباقي الأطباء والممرضات يعملون على تنظيف الغرفة بشكل بسيط، كي يتمكنوا من القيام بعملهم. لكن هذا لا يقلل من خطورة الوضع. وتتابع: "اضطررنا لنقل بعض الحالات لتوليدها في مستشفيات خاصة، لكن الكثير من العائلات لا تستطيع دفع مبلغ كبير لمستشفى خاص، لذلك لا نستطيع إقفال القسم الذي يستقبل يوميا ما يزيد على 50 حالة ولادة".
الوضع في مجمع الشفاء ينسحب على باقي المستشفيات الحكومية في القطاع. فعمال النظافة الذين يبلغ عددهم 700 عامل في مستشفيات القطاع، ويتقاضى الواحد منهم 700 شيكل (177 دولاراً أميركياً) شهرياً، توقفوا عن العمل منذ الأربعاء الماضي. علماً أنّ العمال يتبعون لتسع شركات تجارية خاصة متعاقدة مع المستشفيات الحكومية في القطاع. ومنذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية في يونيو/حزيران الماضي، لم تتقاض هذه الشركات مستحقاتها. وهو ما دفعها للإضراب وإيقاف كلّ عمالها عن العمل حتى قبض المستحقات. ويعتبر هذا الإضراب الأكبر والأخطر بعد إضرابات جزئية لم تأت بأيّ نتيجة.
من جهته، يقول مدير مجمع الشفاء الطبي، نصر التتر، لـ "العربي الجديد"، إنّ العمليات المجدولة توقفت بشكل كامل، ما زاد في طوابير المرضى الذين يملكون حجزاً لعمليات الأنف والأذن والحنجرة، أو الأورام، أو جراحة الصدر. ويلفت إلى أنّ قسم العمليات "اكتفى بإجراء العمليات الطارئة، وبمنتهى الصعوبة نظراً لعدم توفر بيئة صحية في غرف العمليات".
ويضيف التتر: "هنالك حجوزات لأكثر من سنة للعمليات المجدولة، والتي قد تصبح طارئة في أي لحظة، مع طول مدة توقفها". ويقول: "هناك خطر على المرضى أثناء إجراء العملية. فقد يتسبب الوضع الحالي في تلوث الجروح، أو انتقال العدوى للمرضى المنوّمين داخل أقسام العناية المركزة أو الولادة والحضانة".
ويتطرق التتر إلى مشكلة عمال النظافة. ويقول: "أثناء الحرب الإسرائيلية على القطاع، كان عمال النظافة يعملون من دون أي مشاكل، رغم أنهم لم يكونوا قد استلموا مستحقاتهم. فقد تصرفوا كما تصرفت الطواقم الطبية والإسعاف بدافع وطني". ويتابع: "لكنّ الشركات شبعت من الوعود والتأجيل من قبل حكومة الوفاق الوطني، التي لم تف بوعودها لهم".
وعن اقتراحات حلّ الأزمة، يقول التتر: "تواصلنا مع وزير الصحة جواد عواد، وطلبنا منه الإسراع في إيجاد الحلول لكن من دون أي نتيجة. فما قام به الوزير هو، فقط، دعوة عمال النظافة للعودة إلى عملهم حتى يتم دفع مستحقاتهم. وهذا ما رفضته الشركات". ويتابع: "ما يهمني كمدير لمجمع الشفاء، وما يهم الأطباء هنا هو إنقاذ المرضى من الأوبئة وانتقال العدوى التي بدأت تنتشر. ومن جانبنا، نتوسل الشركات للعودة لعملها. وندعو الحكومة لتحمل مسؤولياتها تجاه قطاع غزة".
أفضّل الموت في منزلي
في قسم غسل الكلى بمجمع الشفاء، يتمدد الحاج أبو محمود الجرجاوي على سريره. لم يعد العجوز الذي يعاني من فشل كلوي، ويضطر للغسل 3 مرات أسبوعياً، قادراً على تحمّل رائحة القاذورات والدماء ومخلفات المرضى والطواقم الطبية. يقول إنّه وغيره من المرضى يعيشون كارثة في المستشفى. لا يضع اللوم على العمال، لكنّه يقول: "أفضّل الموت في منزلي، بدل الموت في هذه المزبلة".