كارثة حقيقية.. الأميّة تهدّد المجتمع العراقي

22 أكتوبر 2015
تدرسان في أحد مراكز محو الأميّة (علي يوسف/فرانس برس)
+ الخط -

اليوم، تعدّ الأمية إحدى أخطر المشاكل التي تهدّد المجتمع العراقي، وقد ارتفع عدد المتسرّبين من المدارس نتيجة الفقر والنزوح والتهجير وغيرها، بالإضافة إلى تعرّض مئات المباني للتدمير الكلي أو الجزئي بسبب العمليات العسكرية، عدا انتشار مدارس الطين.
مرّ النظام التعليمي في البلاد منذ عام 1921 بمراحل عدة، إلى أن صار مجانياً عام 1970 بقرارٍ من الحكومة. يقول خبراء في هذا المجال إن الفترة الذهبية للتعليم في العراق كانت بين عامي 1970 و1990، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة. هؤلاء كانوا قد حذروا أيضاً من فشل برامج محو الأمية في البلاد، التي كادت أن تقضي على الأمية في فترة السبعينيات والثمانينيات، علماً أنها توقفت بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، لتعود مجدداً عام 2010 بقرار برلماني.
في السياق، يقول الخبير في البرامج التعليمية مضر الراوي إن الحكومات العراقية السابقة أطلقت في سبعينيات القرن الماضي برنامجاً شاملاً وصارماً لمحو الأمية، وتمكنت خلاله من القضاء على الأمية بنسبة 90 في المائة.
يضيف الراوي لـ "العربي الجديد" أن التعليم ازدهر في البلاد بين عامي 1970 و1990، لتبدأ مرحلة أخرى بعد حرب الخليج عام 1991 والحصار الاقتصادي. زادت نسبة الأمية مجدداً في ظل ارتفاع نسبة الفقر. وزاد الأمر سوءاً بعد عام 2003، وتدمير غالبية مؤسسات الدولة التعليمية والتربوية من خلال القصف الجوي والعمليات العسكرية وأعمال النهب والتخريب. جميع هذه العوامل أدت إلى ارتفاع نسبة الأمية إلى نحو 60 في المائة.
بعد توقّف برامج محو الأمية في العراق، أصدر البرلمان العراقي قانوناً لمحو الأمية عام 2010، نتيجة ارتفاع نسبتها بشكل واضح، في محاولة لمكافحة الأمية لدى أكثر من ستة ملايين عراقي من مختلف الأعمار.

لقمة العيش

من جهته، يشير المشرف التربوي السابق عبد العزيز الطائي إلى أنه في ظل تزايد عدد الأميين في العراق، أصدر البرلمان قانوناً خاصاً لمكافحة الأمية، هدف إلى إدخال المواطنين إلى مدارس خاصة، وقد تمكّن نحو 400 ألف أميّ من اجتياز المرحلة الأساسية. يتابع أن القانون شمل افتتاح 500 مركز لمحو الأمية في عموم البلاد، في محاولة لاحتواء أكبر عدد من الأميين. إلا أن قلة الدعم المالي لهذه المراكز، وعدم حصول المدرسين على مستحقاتهم المالية، أدى إلى الفشل.
 إلى ذلك، يلفت أساتذة إلى تسرّب تلاميذ المرحلة الابتدائية من المدارس بشكل لافت، نتيجة الفقر والتشرد والنزوح، عدا عن وجود ما يزيد عن خمسة ملايين يتيم في عموم البلاد، اضطر غالبيتهم إلى ترك مقاعد الدراسة والعمل لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم على الرغم من صغر سنهم.

اقرأ أيضاً: العراق يحتاج إلى 10 آلاف مدرسة جديدة

ويوضح المدرّس محمد عبد الودود أن "تسرّب التلاميذ من المدارس أصبح ظاهرة مألوفة بالنسبة لنا. وحين نسأل أولياء الأمور عن الأمر، نجد أن السبب هو الفقر، وخصوصاً لدى الأطفال الذين فقدوا آباءهم، ولا قدرة لأمهاتهم على تحمل مصاريف الدراسة أو توفير لقمة العيش لهم، ليصبح ترك الدراسة خياراً لا مفر منه". يضيف عبد الودود لـ "العربي الجديد" أن مئات الآلاف من هؤلاء التلاميذ سيكبرون من دون أن يعرفوا القراءة والكتابة، لافتاً إلى أنها "كارثة حقيقية". يضيف أن "الأمية تهدد المجتمع العراقي خلال العقدين المقبلين".
ويرى الناشط والمتطوع في برنامج محو الأمية مخلص البياتي أن "القانون يحتاج إلى إعادة تفعيل ومتابعة لاستيعاب العدد الكبير من الأميين وتعليمهم القراءة والكتابة". يضيف أنه كانت هناك عراقيل عدة، منها الميزانية وضعف المتابعة، فضلاً عن التدهور الأمني.

احتلال

أما الباحث الاجتماعي مظفر الحديدي، فيقول لـ "العربي الجديد" إن "هناك علاقة وثيقة بين الفقر والأمية". وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإنَّ نسبة الفقر في البلاد وصلت إلى أكثر من 36 في المائة من عدد السكان، ما أدى إلى وجود ستة ملايين أمي في مختلف الأعمار. يضيف أن الاحتلال وما تبعه من صراعات وحروب ما زالت مستمرة، جميعها أدت إلى وجود خمسة ملايين يتيم في البلاد، غالبيتهم غير قادرين على متابعة دراستهم بسبب الفقر، ما يعني أن نسبة الأمية إلى تصاعد.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من المراقبين يرون أن عدم نجاح برنامج محو الأمية كان بسبب عدم صرف مستحقات المحاضرين في المراكز التي خصصت لهذا الغرض، ما دفع كثيرين منهم إلى التوقف عن العمل، وعدم متابعة البرنامج وتفعيله بشكل دوري.

وبحسب إحصائيات وزارة التخطيط، يعد المجتمع العراقي فتياً، إذ أن نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً تبلغ نحو 42 في المائة من نسبة السكان. وقالت الوزارة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي إن نسبة الأميّة في العراق وصلت إلى 18 في المائة، علماً أن الغالبية هي من الإناث. وأشارت في بيان إلى أن مسحاً ميدانياً للجهاز المركزي للإحصاء مطلع عام 2014، كشف أن نسبة الأمية في البلاد بلغت 18 في المائة، لكنها ارتفعت بين الإناث لتصل إلى 20 في المائة.

وكانت الهيئة العليا لمحو الأمية قد أعلنت في عام 2012 أن عدد مراكز محو الأمية في البلاد بلغ 3324 مركزاً. وقد أشار تقرير لمنظمة "اليونيسكو" صدر خلال العام نفسه، إلى أن نسبة الأمية وصلت إلى 20 في المائة في المدن و50 في المائة في القرى والأرياف. أمر دفع الرئيس فؤاد معصوم إلى إصدار بيان مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، دعا فيه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (يونيسكو) إلى دعم العراق في مجال مكافحة الأمية.
وكان لموجة النزوح التي عصفت بالبلاد مطلع عام 2014 أثر كبير في رفع نسبة الأمية في البلاد. وأصدرت وزارة التخطيط مطلع العام نفسه تقريراً كشف أنّ نسبة الأميّة بين النازحين عام 2014 بلغت 14.3 في المائة، وقد اضطر 22.4 في المائة من الشباب إلى ترك مقاعد الدراسة بسبب النزوح.

اقرأ أيضاً: مدارس طينية خطرة في العراق