في وقت دعت فيه وزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف المؤمنين إلى صلاة الاستسقاء لتحظى الأرض بغيث السماء، كان المشرّدون في الليالي يدعون بالعكس، حتى لا يكونوا ضحايا المطر. صابر (37 عاماً)، الذي كان يقف عند تمثال الأمير عبد القادر في قلب الجزائر العاصمة، هو أحد هؤلاء. يقول إنه جاء من مدينة عنابة (600 كيلومتر شرقاً) بحثاً عن عمل، فلم يحقّق حلمه أو يحتفظ بالمبلغ الذي كان في حوزته لدى وصوله إلى العاصمة، فبقي له ليلها. "ما أقسى ليل آلجي (الاسم الشعبي والفرنسي للجزائر العاصمة). قليل الرحمة وكثير المخاطر. تشعر بحاجة كبيرة إلى الدفء لأنه يمنحك الإحساس بأنك طفل يحتاج إلى من يرعاه".
يشير صابر إلى أنّه يقضي نهاره بحثاً عن عمل، وليله في زاوية من زوايا المدينة. "المطاعم هنا تغلق باكراً. وعليه، فإنّ فرصة أن يتصدق عليك أحدهم بلقمة ساخنة تواجه بها البرد نادرة جدّاً".
من ساحة الشهداء إلى أعالي شارع الشهيد ديدوش مراد، مروراً بشارع الشهيد العربي بن مهيدي، يمكنك أن ترى شيوخاً وكهولاً وشباباً ونساء مع أطفالهن في ركن ما، صانعين لأنفسهم ما يشبه الخيمة علّها تقيهم البرد. تشير سلمى، التي قدمت مع طفلها الصغير حسام من مدينة الشلف (300 كيلومتر غرباً)، إلى أنها "كلّما لجأت إلى شارع من شوارع العاصمة، وجدت أنّه يحمل اسم شهيد من شهداء ثورة التحرير، فأسأل نفسي: هل مات هؤلاء من أجل أن نتشرد نحن؟". تستدرك: "لست متعسّفة لأقول إن الشعب كله يعاني ما أعانيه. كثير من الجزائريّين تحسنت ظروفهم. إلا أنني أتألّم حين أرى هذا الكمّ من البيوت، ولا أجد واحداً منها لي ولطفلي".
تعترف سلمى بأنّها لا تستطيع أن تقصد الغرف المتوفرة حتى وإن جمعت المال من المحسنين، لأنها لا تملك وثيقة تثبت أمومتها لطفلها حسام. "والده تخلى عنا قبل إثبات النسب في البلدية، وهو ما أدّى بي إلى هذا الحال. أعياني المبيت في عراء آلجي، وسيعييني شتاؤها أكثر".
اقــرأ أيضاً
على مقربة منها كانت الخالة ظريفة. تقول إنها سعيدة لأنه ليس لديها أطفال يشاركونها محنة الليل. "رؤية صغير يرتعد من البرد يزيد من الإحساس بالغبن". سألناها عن السبب الذي منعها من اللجوء إلى أحد بيوت الرحمة التي أقامتها الحكومة، لتستفيد من المأوى والطعام وحتّى الحج، فقالت إنها لا تعرف كيف تصل إليها. "قيل لي إن الشرطة يبحثون عن أمثالي لاصطحابهم إلى هذه البيوت، وأنا أنتظر".
المطر الغزير حوّل بعض جهات المدينة، خصوصاً الشرقيّة منها، إلى بحيرات صغيرة. وكان أشخاص من دون مأوى يتنقلون من زاوية إلى أخرى، ليس بحثاً عن الدفء فقط، بل عن الأمان أيضاً. في هذا السياق، تشكو إحداهن لأن السيول جرفت أمتعتها "وتركتني من دون حذاء حتى. لماذا لا يصلحون قنوات الصرف قبل موسم الأمطار؟". كانت تصرخ بأعلى صوتها، ليختلط صوتها بصوت الرعد والبرق.
في هذه الأثناء، نزل شابان من عمارة مجاورة وقدما لها طعاماً ولباساً. ويقول أحدهما، ويدعى أمين، لـ "العربي الجديد"، إنه يعمل في جمعية خيرية تهتم بتوفير الأغطية والطعام الساخن للأشخاص الذين لا يملكون مأوى، بالتنسيق مع البلديات. يضيف أن "هناك فرصاً كثيرة متاحة لهؤلاء، لكن جهلهم بها يجعلهم لا يستفيدون منها. لذلك، يتولى الشباب المتطوعون تسجيل هذه الحالات لتنبيه الجهات التابعة لوزارة التضامن إليها". يضيف: "هناك حالات تشرّد اختيارية، أي أنها تفرّ من مراكز التكفل بعد أيام، لكننا ملزمون أمامها أخلاقياً وإنسانياً".
كان يجلس في سلّم أحد المباني الحكومية، تارة يغني بصوت جهوري، وتارة يشتم. هو في العشرين من العمر. لا تكاد ملامحه تظهر بفعل الأوساخ التي تراكمت عليها. لا يترك كيسه الصغير الذي يحتوي على نوع مخدّر من الغراء. سألناه عن سبب إطلاقه الشتائم، فيقول إنه لا يفهم سبب تخلّي الجميع عنه في برد قد يجمّد الإسمنت. "ماذا فعلتُ للمدرسة حتى تقرّر عدم عودتي إليها؟ وماذا فعلت لأبي حتى يطردني من البيت؟ وماذا فعلت للحكومة حتى لا توفر لي عملاً؟".
يشير صابر إلى أنّه يقضي نهاره بحثاً عن عمل، وليله في زاوية من زوايا المدينة. "المطاعم هنا تغلق باكراً. وعليه، فإنّ فرصة أن يتصدق عليك أحدهم بلقمة ساخنة تواجه بها البرد نادرة جدّاً".
من ساحة الشهداء إلى أعالي شارع الشهيد ديدوش مراد، مروراً بشارع الشهيد العربي بن مهيدي، يمكنك أن ترى شيوخاً وكهولاً وشباباً ونساء مع أطفالهن في ركن ما، صانعين لأنفسهم ما يشبه الخيمة علّها تقيهم البرد. تشير سلمى، التي قدمت مع طفلها الصغير حسام من مدينة الشلف (300 كيلومتر غرباً)، إلى أنها "كلّما لجأت إلى شارع من شوارع العاصمة، وجدت أنّه يحمل اسم شهيد من شهداء ثورة التحرير، فأسأل نفسي: هل مات هؤلاء من أجل أن نتشرد نحن؟". تستدرك: "لست متعسّفة لأقول إن الشعب كله يعاني ما أعانيه. كثير من الجزائريّين تحسنت ظروفهم. إلا أنني أتألّم حين أرى هذا الكمّ من البيوت، ولا أجد واحداً منها لي ولطفلي".
تعترف سلمى بأنّها لا تستطيع أن تقصد الغرف المتوفرة حتى وإن جمعت المال من المحسنين، لأنها لا تملك وثيقة تثبت أمومتها لطفلها حسام. "والده تخلى عنا قبل إثبات النسب في البلدية، وهو ما أدّى بي إلى هذا الحال. أعياني المبيت في عراء آلجي، وسيعييني شتاؤها أكثر".
على مقربة منها كانت الخالة ظريفة. تقول إنها سعيدة لأنه ليس لديها أطفال يشاركونها محنة الليل. "رؤية صغير يرتعد من البرد يزيد من الإحساس بالغبن". سألناها عن السبب الذي منعها من اللجوء إلى أحد بيوت الرحمة التي أقامتها الحكومة، لتستفيد من المأوى والطعام وحتّى الحج، فقالت إنها لا تعرف كيف تصل إليها. "قيل لي إن الشرطة يبحثون عن أمثالي لاصطحابهم إلى هذه البيوت، وأنا أنتظر".
المطر الغزير حوّل بعض جهات المدينة، خصوصاً الشرقيّة منها، إلى بحيرات صغيرة. وكان أشخاص من دون مأوى يتنقلون من زاوية إلى أخرى، ليس بحثاً عن الدفء فقط، بل عن الأمان أيضاً. في هذا السياق، تشكو إحداهن لأن السيول جرفت أمتعتها "وتركتني من دون حذاء حتى. لماذا لا يصلحون قنوات الصرف قبل موسم الأمطار؟". كانت تصرخ بأعلى صوتها، ليختلط صوتها بصوت الرعد والبرق.
في هذه الأثناء، نزل شابان من عمارة مجاورة وقدما لها طعاماً ولباساً. ويقول أحدهما، ويدعى أمين، لـ "العربي الجديد"، إنه يعمل في جمعية خيرية تهتم بتوفير الأغطية والطعام الساخن للأشخاص الذين لا يملكون مأوى، بالتنسيق مع البلديات. يضيف أن "هناك فرصاً كثيرة متاحة لهؤلاء، لكن جهلهم بها يجعلهم لا يستفيدون منها. لذلك، يتولى الشباب المتطوعون تسجيل هذه الحالات لتنبيه الجهات التابعة لوزارة التضامن إليها". يضيف: "هناك حالات تشرّد اختيارية، أي أنها تفرّ من مراكز التكفل بعد أيام، لكننا ملزمون أمامها أخلاقياً وإنسانياً".
كان يجلس في سلّم أحد المباني الحكومية، تارة يغني بصوت جهوري، وتارة يشتم. هو في العشرين من العمر. لا تكاد ملامحه تظهر بفعل الأوساخ التي تراكمت عليها. لا يترك كيسه الصغير الذي يحتوي على نوع مخدّر من الغراء. سألناه عن سبب إطلاقه الشتائم، فيقول إنه لا يفهم سبب تخلّي الجميع عنه في برد قد يجمّد الإسمنت. "ماذا فعلتُ للمدرسة حتى تقرّر عدم عودتي إليها؟ وماذا فعلت لأبي حتى يطردني من البيت؟ وماذا فعلت للحكومة حتى لا توفر لي عملاً؟".