فيما تبدو محاولة لمغازلة الساسة وتجنب هجومهم، رفعت شركة أمازون عملاق التجارة الإلكترونية، ومؤخراً محال التجزئة، وثاني شركة أميركية تتجاوز قيمتها السوقية تريليون دولار، الحد الأدني لأجور العاملين فيها ليصبح 15 دولاراً للساعة بدلاً من 10 إلى 14 دولاراً المطبقة حالياً، كما أعلنت عزمها العمل في الفترة القادمة على إقناع أعضاء الكونغرس الأميركي برفع الحد الأدني الفيدرالي لأجور العاملين في الولايات المتحدة.
وفي بيان لجيف بيزوس، الرئيس التنفيذي للشركة ومؤسسها، أمس الثلاثاء قال: "استمعنا للنقد الموجه إلينا، وفكرنا بجدية في ما ينبغي عمله، وقررنا أن نأخذ زمام المبادرة".
وسيشمل الحد الأدنى الجديد للأجر، المزمع تطبيقه ابتداءً من الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، أكثر من 250 ألف عامل دائم، ونحو مئة ألف من العمالة الموسمية في الولايات المتحدة وحدها.
ورفعت الشركة، التي توظف 575 ألف عامل على مستوى العالم، الحد الأدنى للأجر للعاملين فيها في المملكة المتحدة ليصبح 9.5 جنيهات استرلينية (12.35 دولاراً) في الساعة، باستثناء لندن التي أصبح الحد الأدنى فيها 10.5 جنيهات استرلينية (13.65 دولاراً).
وأثار تجاوز القيمة السوقية لأمازون رقم تريليون دولار أوائل سبتمبر/ أيلول المنتهي، كثاني شركة في السوق الأميركية تصل إلى هذا الرقم بعد شركة آبل، حفيظة الكثيرين، بعدما جذب الأنظار إليها وأثار التساؤلات عن مدى تحمل الشركة لمسؤوليتها المجتمعية.
وتنوعت الانتقادات الموجهة للشركة، فمنها ما تناول المدى الذي تسمح به الشركة للعاملين فيها بجني ثمار نجاح الشركة وتحقيقها للأرباح، من خلال زيادة أجورهم مع زيادة ربحية وحجم الشركة، ومنها ما تعلق بمدى التزامها دفع الضرائب الحقيقية المستحقة عليها، خاصة مع إثارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتلك النقطة في أكثر من مناسبة.
ويوم الثلاثاء قال السيناتور برني ساندرز، مرشح الرئاسة السابق، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "ما فعله بيزوس ليس فقط شديد الأهمية لمئات الآلاف من العاملين بالشركة، وإنما سيسمع دويه حول العالم. وأنا أحث رؤساء الشركات في الولايات المتحدة على أن يحذوا حذوه".
ومن الواضح أن الضغوط السياسية لم تكن وحدها المتسببة في قرار الشركة، وإنما كان هناك أيضاً التنافس الشديد على العمالة الجيدة، خاصة مع انخفاض معدلات البطالة الأميركية مؤخراً لواحد من أقل مستوياتها في التاريخ.
يقول الدكتور محمد العريان الاقتصادي المصري - الأميركي الشهير، إنني "أشك في كون الضغوط السياسية وحدها وراء قرار الشركة، وإنما هي انعكاس لسوق عمل أكثر تشدداً، لواحدة من كبرى الشركات الموظفة للعمالة".
وفي تحدٍ لترامب، الذي اعتاد انتقاد شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة بسبب اعتمادها على وظائف خارج الولايات المتحدة، أعلنت أمازون مطلع العام الماضي، بعد انتخاب ترامب، اعتزامها خلق أكثر من مئة ألف وظيفة دائمة في الولايات المتحدة بحلول منتصف 2018.
وقبل شهرين تقريباً، نشرت الغارديان تقريراً موسعاً، ألقت فيه الضوء على المعاملة السيئة التي يتعرض لها العمال في شركة أمازون، وتحدث التقرير عن قصة إحدى العاملات هناك التي تعرضت لإصابة في مقر الشركة أفقدتها القدرة على العمل، ولم تدفع لها الشركة أجراً حتى أصبحت بلا مأوى، وهو ما حدث لأكثر من عامل غيرها.
ومن الواضح أن مثل تلك التقارير عن الشركة أجبرت رئيسها التنفيذي على اعتماد الزيادة في الحد الأدنى للأجر والتخلي عن سياساته التقشفية، بعدما كان في البدايات يستعيض بالأبواب الخشبية غير المستخدمة كبديل عن المكاتب لموظفي الشركة، فكان أمراً طبيعياً أن يرفع الأجور لديه ليتمكن من اجتذاب العمالة المطلوبة لتوسعات الشركة.
ومن ناحية أخرى، فقد مثل بدء بعض الشركات بالفعل في زيادة الحد الأدنى لأجر العمالة لديها مصدراً آخر للضغط على أمازون، بعدما قامت وولمارت، التي توظف أكثر من مليون ونصف عامل، والتي تعد إحدى أهم المنافسات لأمازون، سواء في سوق التجزئة أو في التوظيف، برفع الحد الأدنى لأجر العاملين فيها في يناير/ كانون الثاني الماضي ليصبح 11 دولاراً للساعة، وكانت سلسلة محال تارغت قد سبقتها ورفعت الحد الأدنى للأجور فيها في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي ليصبح 12 دولاراً للساعة، وأعلنت نيتها الوصول به إلى 15 دولاراً للساعة بحلول عام 2020.
ورفعت بن آند جيري المملوكة ليونيليفر الحد الأدنى لديها إلى 16.92 دولاراً للساعة في 2015، وأعلنت تشارتر كوميونيكيشنز لمعدات الاتصالات التزامها بخمسة عشر دولاراً للساعة، كما أعلنت شركة والت ديزني الشهيرة رفع الحد الأدني لأجر العاملين في مقرها بكاليفورنيا ليصبح 15 دولاراً للساعة بدءاً من العام القادم، على أن يشمل فرعها بفلوريدا بحلول عام 2021.
كما تدفع سلسلة محال كوسكو الشهيرة 14 دولاراً للساعة على الأقل، بينما يصل ما يحصل عليه العاملون فيها في المتوسط إلى أكثر من 22 دولاراً للساعة، ورغم عدم التزام شركة آبل بإعلان الحد الأدنى للأجر لديها، يحصل العاملون هناك على أجرٍ يفوق ذلك الرقم كحدٍ أدنى للأجر.