قوة الردع الإيرانية وجدل الديبلوماسية والعسكر

06 ديسمبر 2014
اصطدم ظريف مرات عدة مع المتشددين (حسن توسون/الأناضول)
+ الخط -
ما أن تهدأ الأجواء بين الحكومة الإيرانية المعتدلة ورئيس الجمهورية حسن روحاني ومنتقديها، حتى يشتعل الجدل السياسي بينهما من جديد. وللملف النووي في هذا الصدد، الحصة الكبرى من الخلاف بين تيار الاعتدال الذي يقف في صفه تيار الإصلاح أيضاً، وبين تيار التشدد في الجهة المحافظة.

ولطالما تصدّر وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف واجهة الخلافات، فكان لتصريحاته الأخيرة قبل أيام أمام مجموعة من طلاب جامعة علامة طباطبائي، صدى كبير ما زال يتردد ويتفاعل حتى الآن. فقد لفت ظريف في تصريحاته إلى أن "استراتيجية المحادثات النووية مع الغرب كانت ناجحة، كونها حفظت أمن البلاد وأبعدتها عن شبح الحرب".

أثارت تصريحات ظريف، حفيظة المؤسسة العسكرية، ولاسيما قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين رأوا أن "الردع يكون بالسلاح وبتطوير المنظومة العسكرية الإيرانية"، قبل أن ينهال سيل التحفظات والانتقادات على ظريف وخطابه وديبلوماسيته.

وخرج أول التصريحات على لسان قائد الحرس الثوري نفسه الجنرال محمد علي جعفري، الذي أشار حسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، إلى أن "قدرة المنظومة العسكرية الإيرانية، هي التي منعت أعداء إيران من مهاجمتها، وجعلتهم يغيرون رأيهم في اتباع سياسة إخضاعها، فلم يكن أمام الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، إلا الجلوس إلى طاولة الحوار مع إيران"، حسب رأيه.

ولفت نائبه العميد حسين سلامي، إلى أن "العسكر والتجهيزات العسكرية، هي التي وفرت للفريق النووي، الأرضية الصلبة لخوض غمار هذه المفاوضات مع السداسية الدولية بقوة". واعتبر أن "هذه حقيقة لا يجب تجاوزها بالمطلق".

من جهته، جزم نائب قائد القوات البرية في الحرس عبد الله عراقي، أن "البلاد ستُبقي على سياستها وستعمل على تطوير أسلحتها وصواريخها وراداراتها، بما يتناسب وتهديدات أعدائها المستمرة، على الرغم من فرض العقوبات الغربية على ايران".

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تعدّاه ليصل إلى البرلمان مرة أخرى، وهو الذي يسيطر المحافظون على غالبية مقاعده. فنقلت وكالة "أنباء فارس" عن نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، منصور حقيقت بور، قوله إن "إيران من أكثر البلدان أمناً واستقراراً في المنطقة". وشدد على أن "لا علاقة للملف النووي والمحادثات مع الغرب بالأمر".

وكشف حقيقت بور صراحة، أن "ظريف مخطئ في حساباته وتقديراته". وطالبه بـ"التنبه لما يصرح عنه علناً، لأن كلامه غير مقبول". ورأى أن "الأمن لا يعني فقط الحرب والعسكر، بل إن هناك أمناً ثقافياً وأمناَ اجتماعياً، وكل هذا لم تحققه محادثات فريق ظريف" على حدّ قوله. كما وصف النائب المحافظ مهدي موسوي نجاد، تصريحات ظريف بـ"غير العقلانية وغير المنطقية". وستجرّ هذه الموجة من الانتقادات ظريف إلى البرلمان مجدداً، ليقدم تقارير حول نشاطه في الخارج وحول ما يدور على طاولة الحوار مع دول 5+1 بالذات، وربما أكثر من هذا.

وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها ظريف لهذا الأمر، إذ يقضي العرف السياسي بأن تقدم الحكومة تقاريرها وتوضيحاتها للبرلمان، كونه يمثل السلطة التشريعية الحقيقية في البلاد حسب الدستور، ولكن زيارات ظريف واجتماعاته مع لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، تعدت منطق "الزيارات الاعتيادية".

ما يحدث حالياً، يذكر بتصاعد الانتقادات الموجهة لظريف بعد عودته من نيويورك، التي استقبلت جولة محادثات نووية مع الدول الست الكبرى، على هامش الاجتماع السابق للجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

خرج ظريف آنذاك، أمام اللجنة الأميركية للعلاقات الخارجية، ليقول إن "سياسة بلاده وخطابها المعتدل ناجحة للغاية". واعتبر أن "الانتخابات التشريعية المقبلة ستُثبت الأمر، كون الإيرانيين سيخرجون لصناديق الاقتراع، ويصوّتون لصالح خطاب الاعتدال وهو ما سيغير تركيبة البرلمان".

امتعض المحافظون بشكل كبير من كلام ظريف، وعلى الرغم من مسارعة المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، إلى القول بأنه "تمّ تحريف كلام ظريف وترجمة ما كان يقوله بالانجليزية إلى الفارسية بشكل خاطئ"، إلا أن ذلك لم يحمِ وزير الخارجية.

فقد اضطر ظريف إلى المجيء إلى البرلمان والإجابة عن أسئلة النواب المتشددين، الذين انتقدوا أيضاً عقد اجتماع بين الرئيس روحاني ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في نيويورك، حين خرج الأخير مباشرة بعد الجلسة ليتحدث عن دعم إيراني للإرهاب في المنطقة، وهو ما اعتبره متشددو الداخل إشارات على أنه لا يمكن الوثوق بالغرب، الذي يسعى دائماً إلى الوقوف بالمرصاد لظريف ولفريقه الديبلوماسي.

ويشي دخول قادة الحرس على ساحة الجدل بتصعيد ضد الحكومة، ولا سيما أنها مؤسسة لا يستهان بها في إيران، وهي التي تصدّت للعقوبات الاقتصادية واستطاعت بعلاقاتها الداخلية والخارجية، الالتفاف عليها في بعض الأحيان، وإيجاد بدائل وبيع النفط الإيراني المحظور أصلاً في السنوات الماضية.

ومن المُلاحظ أن التصعيد لا يدوم، فسرعان ما يعود الجميع إلى الهدوء، لا سيما أن المرشد الأعلى علي خامنئي، يحاول امساك العصا من الوسط في الداخل، فهو من وقف مع التفاوض، ودعم الفريق المفاوض، وطالب بدعمه داخلياً، على الرغم فرضه لشروط وصفها بـ"الخطوط الحمراء"، فيما يتعلق بالبرنامج النووي، فلا يستطيع هؤلاء المنتقدون الخروج عن القاعدة علناً.

ووسط الجدل الدائر عمّن أمّن القدرة لطهران في المفاوصات، الديبلوماسية أو العسكر، يقول مراقبون إن "البلاد في حاجة إلى أن تتنفس الصعداء بعد سنوات حظر طويلة كبدتها الكثير، وهو ما يعطي مجالاً أكبر للديبلوماسية، لكن بسبب ظروف المنطقة المتزاحمة وانشغال الكل بالحرب على الإرهاب، لا تجد القوى الكبرى أيضاً وقتاً للتصعيد مع طهران، وهنا تجد المؤسسة العسكرية الإيرانية فرصة لفرض معادلة توازن في الداخل كما في الخارج".