قناديل تغزو بحر لبنان قبل أوانها

30 يونيو 2017
تدفع التيارات المائية القناديل إلى الشواطىء (المركز اللبناني للغوص)
+ الخط -

تفسد القناديل البحرية فرحة اللبنانيين بدءاً من شهر يونيو/ حزيران حتى أغسطس/ آب من كل عام، بعدما كانوا ينتظرون حلول فصل الصيف بفارغ الصبر لممارسة الهواية الأقرب إلى قلوبهم، وهي السباحة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وهذا العام، بدأت القناديل البحرية الغازية تظهر في بداية شهر فبراير/ شباط الماضي على الشاطئ اللبناني الذي يبلغ طوله 225 كيلومتراً من الناقورة جنوباً إلى العريضة شمالاً. وقد رصد "المركز اللبناني للغوص" مجموعات من قناديل البحر الغازية من البحر الأحمر من نوع "الربلم الجوال"، أو "جذري الغمد الجوال"، واسمه العلمي "روبيليما نوماديكا" (Rhopilema Nomadica) في فبراير/شباط عندما كانت حرارة المياه لا تتعدى 16 درجة مئوية. يبدو أنّ القناديل كانت أقوى من البرد.

يقول مؤسّس "المركز اللبناني للغوص"، يوسف جندي، لـ"العربي الجديد": "رصدنا في بداية عام 2017 عدداً من قناديل نوماديكا الآتية من البحر الأحمر عبر قناة السويس، نظراً إلى ارتفاع درجة الحرارة في البحر الأبيض المتوسط خلال الأعوام العشرة الماضية". ويضيف: "صحيح أنّ القنديل كائن بحري صيفي، لكنّنا نشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في درجات حرارة المتوسط. لم نكن يوماً نتوقّع وصول درجة حرارة في المياه اللبنانية إلى 30 أو 31 درجة مئوية".

وانتشار القناديل الذي يتكرر سنوياً، يعزوه جندي إلى "الاضطراب البيئي الذي تحدثه الأنشطة البشرية، بدءاً من النقل البحري وصولاً إلى اصطياد السلاحف البحرية التي تلعب دوراً هاماً في التخفيف من أعداد القناديل عبر التهامها"، لافتاً إلى "نوعَين من السلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض، وهما السلحفاة ذات الرأس الضخم والسلحفاة الخضراء. والنوعان يعيشان في موائل خاصة على الشواطئ اللبنانية، ويضعان بيوضهما على الشواطئ الرملية بدءاً من شهر مايو/ أيار وحتى أكتوبر/ تشرين الأول. لكنّ التعديات على هذه الكائنات يؤدّي إلى تغيير النظام الايكولوجي وإحداث خلل كبير فيه، وبالتالي يؤدّي إلى ازدياد عدد القناديل".

تجدر الإشارة إلى أنّ جسم القنديل "نوماديكا" يتكوّن من 95 في المائة من الماء وخمسة في المائة من الأنسجة الرقيقة، ويمكن وصفه بأنّه كيس شفاف يشبه المظلة أو الجرس من دون رأس. وثمّة أعضاء في أطراف المظلة التي يصل قطرها إلى 60 سنتمتراً تجعله يحافظ على توازنه. أمّا وزنه فيمكن أن يصل إلى نحو 40 كيلوغراماً، فيما يتمتّع بحركة سريعة. وفي العادة، لا تتوجه القناديل إلى الشواطئ من تلقاء نفسها، بل تدفعها إليها التيارات المائية.

في مواجهة قنديل عملاق (المركز اللبناني للغوص)


لهذا النوع من القناديل البحرية تأثير خطير على صحة الإنسان في حال تعرضّه للسعه. فقد يشعر بحكة دائمة وبحريق في موضع اللسعة، بالإضافة إلى ألم في العضلات والشعور بالتعب، بحسب دراسة أعدّها خبير العلوم البحرية ستيليوس كاتسانيفاكيس وآخرون في عام 2014.

وكانت قناديل "نوماديكا" قد ظهرت عند سواحل لبنان في عام 1991 قبالة شواطئ جونيه (شماليّ بيروت) بأعداد كبيرة، وبعدها في العام نفسه قبالة شواطئ اللاذقية (شماليّ غرب سورية). وفي عام 1995 ظهرت قبالة شواطئ جنوب شرق تركيا وقبالة شواطئ إزمير في عام 1998 لتصل إلى خليج لاكونيكوس اليوناني في عام 2006.

وقنديل اﻟﺑﺣر "نوماديكا" اللسبسي (نسبة إلى الهجرة اللسبسية) واحد من مئات أنواع القناديل الغازية التي دخلت من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط مع فتح قناة السويس في عام 1869 كأوّل ممرّ مائي ما بين البحرَين المذكورين. وقد عُرفت هجرة الحيوانات والنباتات البحرية الغازية من البحر الأحمر إلى المتوسط بالهجرة اللسبسية.

في البداية، عرقلت البحيرة المرّة الكبرى في مصر، وهي بحيرة طبيعية ذات نسبة ملوحة عالية، هجرة أنواع عدّة من كائنات البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط على مدى عقود، لكنّ تعادل ملوحة البحيرات تدريجياً مع مياه البحر الأحمر ساهم في تدمير الحاجز الطبيعي وبدأت نباتات وحيوانات البحر الأحمر في استعمار الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الغني بالمغذيات.

ويُعدّ هذا النوع من القناديل واحداً من "أسوأ 100 نوع من الحيوانات الغازية"، وقد تبيّن في عام 1992 أنّ ظهور هذه الأنواع من القناديل يعود إلى تبدّل درجة حرارة المياه في بحور العالم وارتفاع درجة حرارة المياه في البحر الأبيض المتوسط.

يُذكر أنّ قراءات لحرارة المياه الأسبوعية التي أعدّها باحثون في مختبر "فيلفرانش سور مير" الفرنسي لعلوم المحيطات قبل نحو أسبوع، أظهرت ارتفاعاً في درجات حرارة المياه السطحية في البحر الأبيض المتوسط بمقدار 0.7 درجة مئوية بين عامَي 2007 و2015.