وتسيطر القضايا الاقتصادية على المباحثات الخليجية التي تتزامن مع إجراءات تاريخية تؤسس لتحولات في السياسات الخليجية، أبرزها قمة "أوبك" التي من المقرر أن تتفق على خفض الإنتاج النفطي لإعادة التوازن للسوق العالمية ورفع الأسعار، إضافة إلى اتجاه الدول الخليجية نحو تنويع الاقتصاد، وخفض الدعم، وفرض الضرائب والرسوم لتعويض الإيرادات النفطية التي شهدت انخفاضات حادة في الفترة الماضية.
ويتوقع محللون أن تخلص القمة بتوصياتها التي تعلن غداً، الأربعاء، إلى قرارات "تاريخية" مع توقعات بتسريع الخطوات نحو إعلان الاتحاد الجمركي الخليجي، والعملة الموحدة وغيرها من الإجراءات التكاملية.
تعاون بريطاني - خليجي
وقال الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، إن هذه الدورة تأتي في وقت بالغ الأهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة.
وأكد في تصريحات لوكالة الأنباء البحرينية أن القمة ستبحث العديد من القضايا في مجالات التعاون المشترك، سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.
من جهته، أعرب وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، في تصريحات عن ثقته في خروج القمة التي تستمر يومي الثلاثاء والأربعاء، بقرارات من شأنها الارتقاء بمسيرة التعاون المشترك بين دول المجلس.
وكذا، من المقرر عقد القمة الخليجية البريطانية الأولى في مملكة البحرين، على هامش اجتماع مجلس التعاون غداً، لمناقشة مكونات الشراكة الاستراتيجية بين بريطانيا ومجلس التعاون في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وكذلك القضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك.
واجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، مساء الإثنين، في المنامة، مع توبياس ألوود، وزير شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في وزارة خارجية بريطانيا، تحضيرا للقمة الخليجية- البريطانية.
تحقيق التكامل الخليجي
ومن المتوقع أن تخلص القمة الخليجية إلى إعلان إجراءات عملية لتحقيق التكامل الاقتصادي. وتأتي هذه التوقعات مدعّمة بتوصيات اجتماع المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عقد في 18 سبتمبر/ أيلول 2016 في مقر الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
ودرس المجلس حينها، وفق ما ورد في الموقع الإلكتروني للمجلس، سير العمل في تنفيذ رؤية الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك، والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وأوصى المجلس برفع تقرير متابعة هذا الإجراء للمجلس الأعلى في دورته، التي تنعقد اليوم.
وعملت معظم دول الخليج على استكمال المشاريع التكاملية تمهيداً للتوجه إلى الاتحاد الخليجي. وسبق للملك السعودي أن أعلن في كلمة ألقاها في مستهل أعمال الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية في دول مجلس التعاون، الشهر الماضي، أنه "أمام دول مجلس التعاون الخليجي فرصة كتكتل لتصبح سادس اقتصاد في العالم إذا عملت بالشكل الصحيح خلال الأعوام المقبلة."
وأوضح حينها: "من الضروري محاولة استغلال هذه الفرص، خصوصاً أننا في عصر تشوبه الكثير من التقلبات الاقتصادية في العالم. نحتاج إلى أن نتكتل في عصر التكتلات".
وقال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبد اللطيف الزياني، عقب الاجتماع ذاته، إن هدف هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية "معالجة معوقات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي كافة، وكل ما يعترض مسيرة مجلس التعاون في المجال الاقتصادي والوصول إلى التعاون الاقتصادي وإلى الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس في المستقبل. وهي إحدى التوصيات التي سوف ترفع إلى المجلس الأعلى لاعتمادها".
وأعرب أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن متروبوليتان في المملكة المتحدة، الدكتور سعيد شحاتة، في حديث مع وكالة الأنباء البحرينية، عن أمله في أن تركز قمة البحرين أكثر على الملفات الاقتصادية، خاصة وأن الجانب الاقتصادي هو الأكثر قرباً لتحقيق التكامل الخليجي، على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي.
وذكر شحاتة أنه يمكن أن يساهم الاتحاد الخليجي الاقتصادي في مواجهة التبعات النفطية مع التركيز على تنويع القاعدة الإنتاجية، بعيدا عن النفط والاستفادة من المزايا النسبية لبعض الدول حتى يزيد حجم التجارة البينية ورفع الجدوى الاقتصادية لمشاريع السكة الحديدية والمواصلات الموحدة.
العملة الخليجية الموحدة
وأبدى خبراء، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء البحرين اليوم، تفاؤلهم من إمكانية ان تحوّل قمة البحرين، مشروع العملة الخليجية الموحدة من حلم إلى حقيقة، وأن تكون الانطلاقة الحقيقية لـ "الدينار" أو "الريال" الخليجي، بفضل التوافقات العديدة بين دول مجلس التعاون على مستوى السياسات النقدية والتشريعات.
وأكد الخبراء أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على تحقيق المزيد من المكتسبات الاقتصادية، رغم التراجع المستمر لأسعار النفط والإجراءات المالية التقشفية وخفض الإنفاق.
وشدد الخبراء على أن تعامل دول مجلس التعاون الخليجي بمرونة مع أزمة أسعار النفط، يعتبر خير دليل على مدى قدرتها على التحول إلى سادس أكبر قوة اقتصادية في العالم في المستقبل المنظور بحكم القواسم المشتركة الكثيرة، التي قل نظيرها على مستوى المنطقة والعالم.
وأكد رجل الأعمال محمد عثمان طاهر أن قمة البحرين من شأنها أن تكون أرضاً خصبة لمشروع العملة الخليجية الموحدة وتوحيد السوق الخليجية المشتركة، وتمكين البضائع والسلع بكافة أنواعها من التنقل بسهولة وأكثر انسيابية من أي وقت مضى، بما يخدم تحسين معيشة المواطنين الخليجيين والارتقاء بمستوى رفاهية شعوب المنطقة.
بدوره، قال مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج وأمين عام مهرجان الخليجي للإذاعة والتلفزيون، الدكتور عبدالله أبوراس: "نحن في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى توحد خليجي من خلال تعزيز السوق المشتركة والاتحاد الجمركي والربط الكهربائي والمائي واللوجستي، مع التأكيد على وحدة النقد".
وأبدى أبوراس تفاؤله من إصدار "الدينار" أو "الريال" الخليجي في وقت قريب، "بحكم السياسات النقدية الموحدة والتشريعات المرنة للمصارف المركزية".
ضريبة القيمة المضافة
يتوقع أن تشهد جلسات قمة مجلس التعاون الاتفاق على إجراءات تطبيق ضريبة القيمة المضافة الموحدة لدول الخليج التي أقرتها دول المجلس أخيراً، والمزمع دخولها حيز التنفيذ مطلع 2018، وذلك بعد معالجة بعض الأمور الفنية من قبل الإمارات.
وسبق لاتحاد غرف دول مجلس التعاون لدول الخليج، أن دعا حكومات بلاده إلى التدرج في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وإطلاع القطاع الخاص والمواطنين على تفاصيل وآليات تطبيقها والقطاعات التي سوف تطبق فيها ومدى تأثيرها.
وذكر الاتحاد أن فرض ضريبة القيمة المضافة يجب ألا يتم في نقطة دخول البضائع المستوردة إلى الدول الخليجية، لأنها سوف تعد حينئذ كرسوم جمركية إضافية، وإنما يتم فرضها متى ما تمت عملية بيعها الفعلية.
وسبق أن قال وزير المالية السعودي السابق إبراهيم العساف إثر اجتماع اللجنة المشتركة لوزراء المالية ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول مجلس التعاون الخليجي: "وافقنا أيضاً على ضرائب على السلع. يمكن القول إننا بدأنا باتخاذ خطوات مهمة في هذا الاتجاه". ومن المحتمل طرح هذا الملف خلال القمة الخليجية الحالية.
أسعار النفط
وستتطرق القمة الخليجية إلى الحدث الأبرز حالياً، وهو انعقاد اجتماع في فيينا، السبت، بين أبرز الدول المنتجة للنفط من الأعضاء في منظمة "أوبك" وخارجها والساعية إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يخفض الإنتاج بهدف تحسين الأسعار.
ويأتي هذا الملف في إطار توحيد وجهات النظر والخطوات المستقبلية لضمان استقرار السوق النفطية.
وقررت دول "أوبك" التوصل إلى اتفاق حول خفض حصصها الإنتاجية بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2017 مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وتعول الدول الخليجية على هذا الاجتماع لتحقيق توازن في الإنتاج النفطي العالمي يدفع الأسعار نحو الارتفاع، وذلك في ظل التراجع الكبير الذي طال إيرادات هذه الدول من الصادرات النفطية خلال الفترة الماضية.
التنمية الشاملة والإسكان
وبمناسبة انعقاد القمة الخليجية، أصدرت وكالة الأنباء البحرينية تقريراً عن أبرز القضايا والتطلعات الخليجية المطروحة.
ولفت التقرير إلى أن الغاية المحورية لاستراتيجية التنمية الشاملة المطورة بعيدة المدى لدول مجلس التعاون خلال الفترة (2010 – 2020)، تتمثل في تحقيق مسيرة تنموية مستدامة ومتكاملة لدول المجلس في كل المجالات، تحت متابعة اللجنة الوزارية للتخطيط والتنمية في دول مجلس التعاون. كما تم إدراج موضوع الاقتصاد القائم على المعرفة ضمن أولويات عمل اللجنة الوزارية في المرحلة المقبلة.
وفي مجال السياسات السكانية في دول مجلس التعاون فإن الأمانة العامة تعمل على إعداد تقرير تحليلي موجز وموحّد للدول الأعضاء، عما تم تنفيذه بشأن محاور الإطار العام للاستراتيجية السكانية.
التعاون المالي والتجاري
واستكمالاً للمنظومة التشريعية الاقتصادية، وافقت لجنة التعاون التجاري، وفق وكالة الأنباء البحرينية، على مشروع القانون (النظام) الموحّد لمكافحة الغش التجاري لدول مجلس التعاون، وأوصّت برفعه إلى المجلس الأعلى في دورته الحالية لاعتماده كقانون إلزامي موحد.
كما تمت مراجعة دراسة الجدوى التي أعدت سابقاً لتأسيس شركة لنقل البريد السريع وشحن الطرود، تساهم فيها جميع دول مجلس التعاون، لتقديم المقترحات التنفيذية خلال جلسة اليوم.
وفي نفس المجال، تمت دعوة المختصين في مجال تكنولوجيا البريد لعقد اجتماع لهم لدراسة طرح احتياجات دول المجلس من أجهزة ولوازم تقنية لإدارات البريد بشكل موحد لجميع دول المجلس.
ومن أبرز ما تم، في مجال التعاون المالي والاقتصادي، الموافقة على مشروع النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية، الذي اعتمده المجلس الأعلى في لقائه التشاوري، استعداداً لاستكمال باقي الإجراءات وفق ما ورد في مواد النظام الأساسي للهيئة.
كما تم تكليف الأمانة العامة برفع مشروع قرار للمجلس الأعلى يتضمن الموافقة على تأسيس وبناء نظام ربط المدفوعات بدول المجلس، وتفويض مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول المجلس بتملك وإدارة المشروع، من خلال تأسيس شركة مستقلة تملكها وتمولها مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول المجلس.
وتقرر سابقاً تكليف لجنة سكة حديد دول المجلس بإعداد برنامج زمني يتضمن تفاصيل تنفيذ مشروع سكة حديد دول المجلس، وتكثيف الأعمال لاستكمال الملاحق الفنية قبل نهاية العام 2016، على أن يتم إقرار المشروع نهائياً في العام 2017.