قليبيّة: عروس السياحة التونسية الواعدة

24 اغسطس 2015
هدوء المدينة يجذب السياح التونسيين والأجانب (العربي الجديد)
+ الخط -
برزت مدينة "قليبيّة" في الشمال الشرقيّ التونسيّ، خلال السنوات الأخيرة، كواحدة من أهمّ الوجهات السياحيّة التي تستقطب التونسيّين خاصة، لتتحوّل في غضون أعوام إلى الوجهة الأولى للمصطافين التونسيّين وحتّى الأجانب، وتطرح نفسها كمنافس جديّ للعواصم السياحية الكبرى في تونس.

كانت "مدينة قليبيّة شاهدة دائماً على مختلف الحضارات التي تعاقبت على تونس، وبوّابة مغرية للقادمين من الشمال ومن الشرق"، بهذه الكلمات استهلّ الأستاذ في التاريخ وعلم الاجتماع منجي الوذّان مداخلته مع "العربي الجديد"، ليستطرد قائلاً إنّ برجها الشهير الرابض في قمّة هضبة صخرية كان شاهداً على حضارات مختلفة تعاقبت على المدينة التي كانت تسمّى "كلوبيا" منذ الفينيقيين.

ويضيف الوذّان أنّ هذه المدينة التي تمّ إسقاطها من مخطّطات التنمية والاستثمار لعقود، لا تقتصر أهمّيتها على إرثها التاريخيّ بل إنها تتميز بموقعها الجغرافيّ الاستثنائيّ، حيث تشرف هذه المدينة الصغيرة التي لا تبعد عن العاصمة سوى 120 كيلومتراً تقريباً، على المضيق الفاصل بين تونس وإيطاليا لتكون واحدة من أقرب النقاط قرباً إلى السواحل الأوروبيّة بمسافة لا تتجاوز 200 كيلومتر.

اقرأ أيضا: عمر أنيس الزرماطي: سياحة اليخوت في تونس واعدة

منذ نهاية التسعينات، بدأت هذه المدينة الصغيرة والهادئة تعرف تغييرات كبيرة وحركة غير مسبوقة، إذ بدأ الآلاف من السيّاح التونسيّين بالتوافد كلّ صيف إلى شواطئها العذراء، التي تمّ تصنيفها في نهاية سنة 2014 ضمن أجمل 35 شاطئاً على المستوى الدوليّ وفق مجلّة "دايلي نيوز" الأميركية.

يعلّق الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي قائلاً أنّ انتعاش الموسم السياحيّ خلال بداية الألفية الثانية وارتفاع تكاليف الإقامة والاصطياف في النزل في المدن السياحيّة الكبرى كسوسة وجربة والحمامات، دفع المواطنين التونسيّين إلى البحث عن شواطئ بديلة ما تزال بعيدة عن الأنظار وأطماع المستثمرين. وقد تطوّر عدد المصطافين في هذه المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة ليناهز 100 ألف مصطاف خلال موسم الذروة، حسب إحصائيات الديوان الوطني للسياحة لسنة 2014.

الإقبال على "قليبيّة" لم يعد يقتصر على التونسيّين فحسب، يضيف السوسي، بل صارت المدينة وجهة للسياح الجزائريّين والأوروبيين بعد انتشار صيتها خلال السنوات الأخيرة.

اقرأ أيضا: الصناعات التقليدية تزيد سحر تونس

أما عن تطوّر البنى التحتيّة للمدينة وارتدادات انتعاش السياحة، فيجيب السوسي أنّ السلطات بدأت تعي قيمة هذه المنطقة وإمكانياتها التي قد تجعل منها في السنوات المقبلة وجهة سياحيّة دوليّة. فشرعت وزارة السياحة في تمويل الحملات الإعلانية وتشجيع الاستثمارات الخاصّة في المدينة في مجال الفندقة والمطاعم بالخصوص. وقد توجت هذه الجهود بإنشاء مجمع سياحي تبلغ قدرة استيعابه 3 آلاف سرير، على مساحة 50 هكتاراً. كما تتكون من ثلاث محطات سياحية مندمجة، تتمثل في ثلاث وحدات فندقية تشمل مجمعاً سكنياً يتكون من قرابة 300 شقة و140 فيلا فاخرة وثلاثة مراكز تنشيط سياحي. بالإضافة إلى ميناء يخوت بمحاذاة ميناء الصيد القديم. هذا بالإضافة لتسهيلات كبيرة للمستثمرين الشبّان من أبناء المدينة خصوصاً للراغبين في الاستثمار في مجالي المطاعم والمقاهي السياحيّة.

حول حقيقية الدعم الحكوميّ لجهود التنمية والاستثمار في مدينة "قليبيّة"، يعلّق الخبير في مجال الفندقة عبد الهادي الهوّاري، بأنّ استفاقة الدولة جاءت متأخّرة ونتيجة لصدمة تراجع السيّاح الأجانب، حيث شرعت في استقطاب وتشجيع السياحة الداخليّة لإنقاذ الموسم السياحيّ وتجنيب العاملين في القطاع كارثة بأتمّ معنى الكلمة. ويضيف أنّ العامل الأساسيّ في تطوير القطاع السياحي في مدينة "قليبيّة" يكمن في الجهود الذاتيّة لأهالي المنطقة ولقدامى السياح التونسيّين الذّين عشقوا هذه الشواطئ وساهموا في ترويج صورة مثاليّة عنها وتشجيع المزيد من التونسيّين على اختيار هذه المدينة لتمضية عطلة الصيف.

اقرأ أيضا: تونس تستعد لموسمها السياحي

يستطرد الهواري قائلاً إن مهرجان سينما الهواة في "قليبيّة" والذّي انطلق منذ ستينات القرن الماضي أسهم في إضفاء طابع خاص على النشاط السياحيّ في المدينة، حيث كانت طيلة عقود ملاذاً للمثقّفين والفنانين الباحثين عن ركن هادئ وجو أليف ودافئ. هذا النمط السياحيّ الجديد وتوافد المئات من السينمائيّين إلى المدينة كلّ سنة، الذّين سجّلوا عبر عدساتهم كلّ ركن في المدينة وجمال شواطئها، ساهم في إغراء المزيد من المصطافين على التوافد على "قليبيّة". كما عمل عشرات الشباب على الترويج للمدينة على صفحات التواصل الاجتماعي ونشر صورهم ومقاطع فيديو تتضمّن مشاهد أخاذة لمختلف الفضاءات والمشاهد الطبيعيّة للمنطقة والتي اجتذبت عدداً كبيراً من مرتادي تلك الصفحات.

أحد السكّان الذّين التقتهم "العربي الجديد" في المدينة، كان مستاء بعض الشيء من هذه الحركة "المزعجة" حسب رأيه، إذ أدّى نمو القطاع السياحيّ في المدينة وتوافد عشرات الآلاف من المصطافين اليها سنوياً إلى تعكير جوّها الهادئ وانتشار العديد من المظاهر السلبيّة على غرار ظاهر التجارة الفوضوية والتجارة الموازيّة التي انتشرت في المنطقة بعد أن أسال ارتفاع عدد المصطافين لعاب أرباب هذه الأنشطة.

كما يضيف أنّ المدينة تتحوّل صيفاً إلى مكان مزدحم ومزعج نظراً لعدم قدرتها على استيعاب هذا العدد الكبير من الوافدين، ليختم قائلاً إنّ الأهالي والتجار أصابهم الطمع فارتفعت أسعار الخدمات والمقاهي والفنادق والإيجار بشكل جنوني.
المساهمون