يشكو أصحاب المكتبات التي تتخصّص بالكتب الإسلامية في فرنسا، من سوء المبيعات لا سيّما مع الأحوال الاقتصادية الصعبة ومزاحمة البيع الإلكتروني والنشر الرديء. كذلك، يلعب الاحتقان في البلاد دوره في زيادة مخاوفهم.
في العاصمة الفرنسية باريس وحدها، نجد سبعين مكتبة إسلامية تقريباً، من دون تعداد المكتبات الموزّعة حيث الجاليات العربية والإسلامية في الضواحي. وهذه المكتبات مستقلة، يملكها أفراد أو عائلات. لذا قد نجد أفراد عائلة بأكملها يعملون معاً في العرض والاستقبال أو في المخازن والطباعة. هذه حال عائلة محمد منصور اللبناني التي تملك مكتبتَي "الشرق" و"البراق" على سبيل المثال. هي فطنت مبكراً إلى سرعة انتشار الكتب الدينية وإلى وجود جمهور عربي ومسلم، خصوصاً من السنغال ومالي، لهذا النوع من المؤلفات من مصاحف وتفاسير وكتب تصوف وأدعية وغيرها.
غالباً ما تكون هذه المكتبات قريبة من المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية أو حتى لصيقة بها. وتَحرص المكتبات بأكثرها على إظهار طابعها الإسلامي من خلال طغيان الكتاب الديني على سواه. لكن ذلك لا يعني أن الكتاب الديني كافٍ لاستمرارية هذه المكتبات. لذا انفتحت على مجالات كثيرة، من بينها كتب الأطفال التي تلقى رواجاً متزايداً وكذلك فنون الطبخ، لضمان جمهور نسائي مهم، بالإضافة إلى عرض أزياء نسائية ورجالية وعطور وحتى قناني مياه زمزم. على الرغم من هذا التنويع، إلا أن مدخول المبيعات غير كافٍ، خصوصاً وأن الجمهور الذي يرتاد هذه المكتبات يتألّف بأغلبيته من عمّال وأصحاب دخل محدود. لهذا السبب، أنشأت مكتبات عدّة دور نشر تابعة لها، وراحت تطبع المصاحف والكتب الإسلامية والتفاسير، التي لا تتطلب أي تعويض وحقوق نشر. كذلك، تترجم المؤلفات العربية إلى اللغة الفرنسية، في محاولة لجلب القارئ الذي لا يتقن اللغة العربية.
هل الأمر كافٍ لاستمرارية هذه المكتبات؟ بالطبع، لا. وقد أدرك منصور ضرورة البحث عن جمهور قارئ لهذا النوع من الكتب، أو الذي "قد يستبدّ به الفضول المعرفي في كل مكان"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". لذا كان سبّاقاً في عرض الكتب الدينية وترجمات معاني القرآن الكريم التي تصدر عن دار البراق البيروتية في عدد من السوبر ماركات الباريسية والفرنسية. وهي تجربة حققت نجاحاً كبيراً على الرغم من تعرّضها إلى نقد كبير من دوائر إسلامية، بسبب "تسليع الكتاب الديني" أو "جواز إدخاله إلى هذه المتاجر".
اقرأ أيضاً: جمعيات إسلاميّة.. هذه تداعيات العمليات الإرهابية في فرنسا
ثمّة تنويع وابتكار، إلا أن أصحاب هذه المكتبات ودور النشر لا يتوقفون عن الشكوى والتذمر، بسبب قلّة مبيعاتهم. يدركون أن الظروف الاقتصادية في فرنسا صعبة، وأن انعكاساتها كبيرة على جمهورهم. كذلك يدركون أن البيع الإلكتروني يزاحمهم، بالإضافة إلى انتشار مكتبات صغيرة تعيد طباعة كتب قديمة، أحياناً بطبعات رديئة. وتضمن بذلك مبيعات كبيرة بأثمان زهيدة، لا تُنافَس.
كثيرون هم أصحاب المكتبات الذين التقينا بهم والذين يتحدثون عن ماضٍ ذهبي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وقد ساهم الاحتقان الذي راحت تعرفه فرنسا، خصوصاً ابتداءً من العام المنصرم، في تقلب المبيعات. وفي حين تحدّث أصحاب مكتبات في باريس وضواحيها، عن ارتفاع شهدته مبيعات الكتب التي تتناول الإسلام بعد اعتداءات يناير/ كانون الثاني 2015 الإرهابية، إلا أنهم لاحظوا أن الأمر لم يكن كذلك بعد اعتداءات نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.
عن الأسباب التي تفسر هذا التراجع، يشدّد السيد عبد الرحيم هو المسؤول عن مكتبة "النور" الباريسية، على عدم وجود تفسير واحد وعلميّ للظاهرة. ويقول لـ "العربي الجديد": "ربما، كانت الاعتداءات الأخيرة في قسوتها غير المسبوقة سبباً في نفور كثيرين من قراءتنا للظاهرة الدينية. من ثم، ولأن الجمهور الذي يريد أن يعرف السبب هو فرنسي، راحت المكتبات الفرنسية تقدّم مادة دسمة متعلقة بالإسلام، أعدها متخصصون فرنسيون أو بعض رجال دين مسلمين من الذين تستقبلهم وسائل الإعلام الفرنسية في كل حين، والذين لا تتقبلهم كثيراً الجالية الإسلامية". يضيف عبد الرحيم أن "بعض الفرنسيين الذين يقصدون مكتباتنا، يسألون عن مؤلّفين من أصول عربية يتعاملون مع الظاهرة الدينية بروح نقدية كبيرة. لكن هذه الكتب متوفّرة في كل المكتبات الفرنسية". وقد شاركه مسؤول في "دار السلام" الرأي نفسه، مشيراً إلى أن جمهوره بغالبيته إفريقي، يبحث عن كتب تصوّف جديدة لأقطاب الزاوية التيجانية أو المريدية.
من جهة أخرى، تعرف المكتبات الفرنسية إقبالاً شديداً على الكتب التي تتناول الإسلام وظاهرة التطرّف الإسلامي. ولا يخفي المسؤول عن مكتبة ودار نشر "فولي دانكر"، سعادته لتحقيق مبيعات عالية من ترجمات معاني القرآن. ويشير لـ"العربي الجديد" إلى إقبال الشارين على كتب من قبيل "الخروج من اللعنة" لعبد الوهاب المؤدب، و"حرب الذاتيات في الإسلام" لفتحي بنسلامة، وبالطبع "الرعب في فرنسا: تكوين الجهاد الفرنسي" لجيل كيبل، و"مائة فكرة شائعة عن الإسلام" للإمام شلغومي. يضيف أن الكاتب الجزائري مالك شبل استفاد من هذا الظرف وألّف "الإسلام في 100 سؤال". كذلك أصدرت دنيا بوزار "الحياة بعد داعش"، هي التي عايشت عائلات رأت بعض أفرادها يسقطون من جرّاء التطرّف ويسافرون إلى العراق وسورية.
إلى ذلك، قد يعثر القارئ على مؤلفات علمية جديدة ورصينة، بعيداً عن الإثارة والتشفي، ومن بينها "العرب، مصيرهم ومصيرنا" للباحث بيار فيليو و"تطرف" للأكاديمي فرهاد خوسروخافور.
اقرأ أيضاً: الفرنسيّون المسلمون.. الالتحاق بالأجهزة الأمنيّة متعسّر