تشير التقارير الرسمية الدنماركية الصادرة عن "الحركة الشعبية لمكافحة الوحدة"، ومركز "الإحصاء الدنماركي"، إلى أن انتشار ظاهرة الوحدة بين فئة الشباب من عمر 16 إلى 24 عاماً تنتج عنها مخاطر فردية ومجتمعية، وإنها بيّنت ارتفاعاً لدى الإناث بنسبة 10.3 بالمائة مقابل 8.5 في المائة عند الذكور.
ويوضح المركز الدنماركي للإحصاء أن السنوات العشرين الأخيرة حملت الناس على الحديث أكثر عن شعورهم بالوحدة، وإن الشعور بأن الشخص غير مرغوب به ازداد عمّا كان عليه في 2010، مع بدء دراسة هذه الظاهرة، إذ كانت النسبة العامة 5.6 في المائة، وأصبحت اليوم 6.3 في المائة.
ويسلط الضوء في شهر إبريل/نيسان عادة، مع بداية الربيع وعلى أبواب الصيف وإجازاته، على الظاهرة بتقارير تلفت الانتباه إلى "مخاطر شخصية ومجتمعية" لهذه الوحدة في مجتمع يتربع أحيانا على رأس قائمة أكثر المجتمعات سعادة.
وتركز التفاصيل على أن الكلفة الاقتصادية للشعور بالوحدة وعزلة بعض الرجال والنساء تتجاوز المليار يورو سنويا (اليورو يساوي 1.22 دولار أميركي). وتذهب منظمة "قضايا كبار السن" إلى تقدير كلفة "الشعور بالوحدة" بما يتجاوز 55 ألفا لمن تجاوزوا 65 عاماً. في حين يرى "المركز الوطني لأبحاث الرفاهية" ومؤسسة "أمان" أن الشعور بالوحدة والعزلة يطاول 18 في المائة من الدنماركيين، ويتسبب "بصعوبة المشاركة في جوانب كثيرة من الحياة اليومية"، وفقا لأرقام 2017، ويتزايد في حالات الطرد من العمل والانفصال بين الشريكين وسوء الحالة الصحية.
ويترجم قلق وزارة الصحة من ظاهرة انتشار الوحدة بين المراهقين والشباب، ببحث شامل أجرته "دائرة الصحة" على فئة الشباب من عمر 16 إلى 24 عاماً، ومشاركة 180 ألفا في الدراسة، وأفضى إلى أن 18.8 في المائة من الشباب الدنماركي مصاب بالوحدة.
وتشير أستاذة علم الاجتماع بجامعة ألبورغ ومديرة وحدة الأبحاث في دائرة الصحة، ييتا يول برون، جراء النتيجة، إلى ضرورة "التركيز على مكافحة هذا الشعور لدى تلك الفئة التي تتحرك نحو مستقبلها بمشاعر سلبية"، معتبرة أن تطور الشعور بالوحدة أمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور المجتمع وتوقعاته من أفراده. وتضيف "يبدو أن الشباب يشعرون بأنهم غير قادرين على تلبية توقعات المجتمع منهم، وفي الواقع يعيش هؤلاء حالة صراع داخلي للحصول على اعتراف مجتمعي".
وتعتبر وزيرة الصحة، إلين ترانا نوربي، أن "المقلق هو انتشار الظاهرة بين المراهقات، ما يعكس وجود البلطجة والتنمر في المدارس وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي إلى ذوبان العلاقات والعزلة والشعور بالوحدة والقلق الدائم". وتوجه الوزيرة نداءها للبالغين من "أولياء أمور وأساتذة وغيرهم من الفئات إلى أن ينتبهوا للحديث عن المشاكل النفسية وسرعة تشخيص الحالة مبكرا، وهو ما يعود بالفائدة على الجميع".
الانتباه الرسمي في الدنمارك لمشكلة الوحدة بدأ يثمر عبر مبادرات السياسات الصحية للحكومة منذ عام 2014. وبحسب البرفسور في علم الاجتماع الثقافي في جامعة أودنسه، فإن "القضية ترتبط بالصحة النفسية، فسابقا كانت الوحدة تعتبر مسألة شخصية، ويعود للفرد نفسه أن يقبل أو يرفض الخروج من وحدته، أما الآن فتبدو أنها مسؤولية جماعية يتدخل فيها الجميع على مستوى الرعاية المهنية".
مبادرات مجتمعية
يشار إلى أن دولاً أخرى ومنها هولندا عايشت بدورها ظاهرة الوحدة خلال السنوات الماضية، وأطلقت بنتيجتها مبادرة "أسبوع كامل للخروج من الوحدة"، وهو أمر يشابه المبادرة الأميركية التي أطلقتها أوبرا وينفري بعنوان "فقط قل مرحبا" Just Say Hello. وفي الدنمارك أطلقت حملات شبيهة، منها حملة مؤسسة "ماري" (اسم زوجة ولي العهد الدنماركي) لمكافحة الوحدة في البلد. وقبل أربعة أعوام تأسست أيضا منظمة مكافحة الوحدة، وهي اليوم تشمل 80 منظمة مساندة لعملها، وتشمل أنشطة متعددة بعروض استشارية وأنشطة "الصديق الزائر".
وأطلقت "حركة مكافحة الوحدة" الدنماركية، اليوم الاثنين، أسبوع "لنأكل سوية" في غرب البلاد، يتضمن أنشطة تشمل خروج الدنماركيين إلى أماكن محددة لتناول الطعام وإخراج من يشعرون بالوحدة من عزلتهم.