يتعرض النظام السوري لضغوط عدة من أجل الإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين لديه، إضافة إلى عدد غير معلوم من المغيبين في مئات المعتقلات الموزعة في مختلف مناطق سيطرة النظام، وسط مخاوف من استغلاله تفشي فيروس "كورونا" الجديد في العالم للتخلص منهم. في السياق، حثّ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، رئيس النظام السوري بشار الأسد على الإفراج عن جميع السوريين المعتقلين تعسفاً، إلى جانب المواطنين الأميركيين المحتجزين لديه. وقال بومبيو للصحافيين أول من أمس الأربعاء، بعد مكالمة جماعية مع وزراء سبع دول: "لقد طلبنا من السوريين الإفراج عن جميع المعتقلين، لا فقط الأميركيين، بل الجميع. وطلبنا الأمر نفسه من الإيرانيين، بسبب المخاطر الصحية الهائلة على المحتجزين".
وتزامنت تصريحات بومبيو مع صدور بيان للخارجية الأميركية، طالبت فيه النظام السوري بـ"اتخاذ خطوات ملموسة لحماية مصير آلاف المدنيين، بمن فيهم المواطنون الأميركيون، الذين يُحتجزون تعسفاً في ظروف غير إنسانية بمراكز احتجاز النظام". واعتبرت الخارجية أن ظروف المعتقلين تعتبر أساسية لانتشار كورونا، ما قد يؤدي إلى آثار مدمرة على المعتقلين الذين يعانون من سوء الحالة الصحية بعد أشهر أو حتى سنوات من التعذيب وسوء التغذية وانعدام إمكانية الحصول على الرعاية الطبية. وطالبت النظام بالإفراج الفوري عن جميع المدنيين المحتجزين تعسفاً، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى السماح للمنظمات الطبية والصحية المستقلة بالوصول إلى مرافق الاحتجاز. ومع العلم أن النظام السوري يعتقل عدداً غير محدد من السوريين على خلفية موقفهم من الثورة السورية، ولكن جهات حقوقية تؤكد أن العدد قد يصل إلى عشرات الآلاف، اعتقلوا على مدى سنوات الثورة قبل أكثر من 9 سنوات، وقضى كثير منهم تحت التعذيب الممنهج.
في السياق، وجّه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أنس العبدة، أمس الخميس، رسالة إلى رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورير، بخصوص المعتقلين في سجون الأسد، وحذّره من خطر تفشي فيروس كورونا بينهم، خصوصاً في ظل الحالة اللاإنسانية الموجودة في تلك السجون. ولفت العبدة إلى معاناة عشرات الآلاف من المعتقلين عند أجهزة الأمن التابعة للنظام، محذراً من وصول فيروس كورونا إلى المعتقلات المكتظة، وقال: "سنواجه كارثة قد يستغلها النظام للتخلص من المعتقلين، التي سيكون لها أيضاً عواقب عالمية".
وأضاف أن النظام "يواصل التستر على حالات الإصابة بكورونا في سورية، وقد اعترف حتى الآن بحالة واحدة فقط"، لافتاً إلى أنه "استناداً إلى الأرقام في المنطقة، وفتح النظام للحدود على نطاق واسع للمليشيات، من الصعب التصديق أن هناك حالة واحدة فقط في سورية". ودعا في رسالته اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة لها للوصول الفوري والكامل إلى مراكز الاعتقال والتأكد من أوضاع المعتقلين. وطالب بممارسة الضغط من أجل إنقاذ حياة عشرات الآلاف من المعتقلين وضمان الإفراج عنهم فوراً، فضلاً عن الضغط على النظام من خلال الأمم المتحدة والحكومات للوصول الكامل إلى مراكز الاعتقال لمراقبة انتشار الجائحة من كثب وتوفير الرعاية الطبية اللازمة.
وكانت "هيئة القانونيين السوريين" قد حذّرت منذ أيام في مذكرة أُرسلت إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العمومية، من استغلال نظام بشار الأسد لتفشي فيروس كورونا في سورية لإبادة المعتقلين جماعياً. وذكّرت الهيئة بالقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، اللذين نصّا على توفير أماكن تتوافر فيها الشروط الصحية وضمانات السلامة للمعتقلين وتكفل الحماية الفعالة من قسوة المناخ وآثار الحرب، وإجراء فحوصات طبية للمعتقلين، مرة واحدة شهرياً على الأقلّ.
وتنتشر في مناطق سيطرة النظام مئات أماكن الاعتقال والاحتجاز تحت إدارة أجهزة النظام الأمنية المتعددة، كذلك بات للمليشيات المحلية والطائفية الإيرانية سجون تعتقل فيها مدنيين سوريين لأسباب شتى، أبرزها معارضة النظام. ولعل معتقل صيدنايا في ريف دمشق الشمالي الشرقي أبرز السجون التي يعتقل فيها النظام معارضيه من مدنيين وعسكريين. وكانت قد وصفت منظمات دولية متخصصة بحقوق الانسان هذا السجن بـ"المسلخ البشري"، إذ قضى فيه عدد كبير من معارضي النظام ومؤيدي الثورة نتيجة التعذيب الممنهج أو الإهمال الطبي.
في هذا الصدد، يشير رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أنور البني، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك عدة حملات ضغط على النظام من أجل إطلاق سراح المعتقلين لديه، معرباً عن اعتقاده بأن النظام السوري لن يستجيب لها.
وسبق أن أطلق عدد من النشطاء الحقوقيين السوريين حملة عبر موقع "آفاز" لحملات المجتمع، من أجل اطلاق سراح المعتقلين لدى النظام، مطالبين "الأمم المتحدة بجميع هيئاتها، ولا سيما مجلس الأمن، باتخاذ ما ينبغي من خطوات تُلزم النظام السوري بالإفراج الفوري عن المعتقلات والمعتقلين القابعين في مسالخه البشرية التي تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة، وذلك قبل فوات الأوان وحلول كارثة إنسانية ستكون وصمة عار وصفحة سوداء بتاريخ الأمم والشعوب، تُفقد الأمم المتحدة هيبتها وصدقيتها". وأشاروا إلى أن "ما يزيد مخاوفنا، إشراف العنصر الإيراني والمليشيات العراقية وحزب الله اللبناني على هذه السجون والمعتقلات، وهي فئات استشرى فيها هذا الوباء وأصبحت من أخطر مصادر نقله".