ما إن تسلّم المجلس العسكري الانتقالي الحكم في السودان بعد إطاحة عمر البشير في 11 إبريل/نيسان الحالي، حتى أثيرت تساؤلات كثيرة عن السياسة الخارجية التي سيتّبعها في الفترة المقبلة، ومواقف الخرطوم من العلاقات مع دول الجوار والعالم، ومن الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والدولية الموقّعة في عهد البشير. وعلى الرغم من أن عوض بن عوف، الذي تسلّم رئاسة المجلس العسكري عند الإعلان عنه، أكد أن السودان ملتزم بالاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي وقّعت الدولة عليها خلال حكم البشير، إلا أن استقالة بن عوف، وتعيين عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري، المقرّب من السعودية والإمارات، أثار مخاوف بعض الأطراف من انحيازه إلى هذا المحور ضد بعض الدول في المنطقة، ومنها تركيا التي تختلف مع السعودية والإمارات بما يتعلق بالنظرة إلى ثورات المنطقة.
تركيا التي كانت على علاقة جيدة مع البشير، ارتبطت باتفاقيات عديدة مع السودان في عهده، في مجالات عدة، أهمها اتفاقية جزيرة سواكن في عام 2017، التي منحت الخرطوم بموجبها أنقرة الحق بإعادة تأهيل الجزيرة وتموضع قواتها فيها، لتضع الأخيرة بذلك قدماً في البحر الأحمر. وهي اتفاقية أزعجت السعودية، فهذه الجزيرة تجعل تركيا أقرب إليها.
وتروّت تركيا في إصدار مواقف من التطورات السودانية، بانتظار جلاء الصورة، وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أنه يراقب الأوضاع، وقلق على مصير البشير، إلا أن التروي التركي أكد أن أنقرة تقف ضد ما تعتبره انقلاباً في السودان. وهو الموقف الذي لم تعبّر عنه تركيا بشكل واضح، إذ إنها لا تزال تترقب التطورات لمعرفة مآلات الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين لتحديد الموقف المستقبلي.
إلا أن التطورات المقبلة لا تبدو مريحة لتركيا، إذ علمت "العربي الجديد" أن "الإمارات طلبت من المجلس العسكري الانتقالي، إلغاء الاتفاقية مع تركيا حول جزيرة سواكن، وذلك بالتوازي مع إعلان أبوظبي والرياض تقديم مساعدات للخرطوم، بما يشير إلى سعي هذا المحور لتطويع سياسات السودان لصالحه دولياً، خصوصاً في مواجهة أنقرة التي تُعتبر أكبر منافس له في المنطقة". إلا أن تركيا تبدو حريصة في الوقت الراهن على عدم معاداة المجلس الانتقالي علناً، وهو ما يمكن أن يفسر نفي وزارة الخارجية التركية أمس الأنباء حول إمكانية إلغاء الاتفاقية حول جزيرة سواكن. وقال المتحدث باسم الوزارة حامي أقصوي، في تصريح صحافي، إن هذه الأنباء لا تعبّر عن الواقع، لافتاً إلى أن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، تعمل على ترميم الآثار العثمانية الموجودة في الجزيرة.
في موازاة ذلك، أوضحت مصادر تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنه "لم تجرِ أي اتصالات مباشرة بين المجلس العسكري الانتقالي والحكومة التركية حتى الآن في ما يتعلق بالمرحلة الجديدة في السودان"، لافتة إلى أن "السفارة التركية تعمل على إيجاد تواصل، في ظل معلومات حصلت عليها أنقرة تفيد بأن الجانب الإماراتي يضغط لإلغاء اتفاقية جزيرة سواكن، فيما تبذل السفارة التركية جهوداً كبيرة من أجل التواصل مع الجانب السوداني للحفاظ على الاتفاقية".
ولفتت المصادر إلى أن "تركيا تعلم أن الإمارات هي من تقف خلف طلب إلغاء الاتفاقية، وأنها ربطت إلغاءها بتقديم الدعم المالي للسودان، ما دفع أنقرة للشعور بأنها مستهدفة"، مشيرة إلى أن "التخوّف التركي ينبع من قرب المجلس العسكري من السعودية والإمارات وبالتالي إمكان توجّهه لإسقاط الاتفاقية. وهو ما يدفع أنقرة للتعامل مع التطورات السودانية على أنها انقلاب، على الرغم من تريثها في إعلان موقف كهذا حتى الآن". وتوقعت المصادر أن "تكون الأيام المقبلة أكثر سلبية تجاه تركيا، وربما الاندفاع لتصعيد أكثر ضد أنقرة"، مشيرة إلى أن "الاستراتيجية التركية تعتمد على تقليل الخسائر، من خلال إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة".
في السياق، شرحت مصادر تركية أخرى لـ"العربي الجديد"، أن "أنقرة تدعم الحراك الشعبي في المنطقة، وهي مع تطلعات الشعوب، ولكن السنوات الماضية كشفت أن الغرب يتعاطى مع ما يحصل في الدول العربية وفق مصالحه ومكاسبه، ولهذا فإنها تتريث حالياً في إصدار موقف حازم تجاه التطورات السودانية". وأوضحت أن "أنقرة كانت ترفض الانقلاب على البشير، ولكنها رفضت أيضاً بقاءه لمزيد من الوقت في السلطة، وكانت تأمل بانتقال سلمي للسلطة من دون تدخّل العسكر، الذين دوماً ما يكونون محسوبين على محاور ودول، وهو ما يحصل حالياً في السودان". وأضافت أن "تركيا تدعم خيار الشعوب وفق ما يحقق مصالح الأخيرة وأيضاً أهداف أنقرة، التي تنتظر التطورات في الأيام المقبلة لجلاء الموقف بشكل أكبر".