02 أكتوبر 2024
قط الحكومة الأردنية
هاني حوراني
باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.
بحسب صاحب مكتبة خزانة الجاحظ الشهيرة في العاصمة الأردنية، عمّان، فإن قطا شاردا تسبب، قبل أيام، بقلب موقد، ما أفضى إلى اندلاع حريق أتى على أكثر من عشرة آلاف نسخة كتاب، بينها كتب تاريخية وأخرى نادرة. وهو ما أثار موجة تعاطف مع مالك المكتبة التي بدأت في القدس، على يد خليل المعايطة قبل نحو مائة عام، قبل أن تنتقل إلى عمّان. وأفيد بأن الملك عبد الله الثاني أوعز فوراً بتقديم مساعدة مالية عاجلة لصاحب "خزانة الجاحظ"، للتغلب على محنته. ولكن من غير المعروف بعد ما إذا كان العاهل الأردني سوف يهب لنجدة أصحاب دور النشر والمكتبات الذين اعتصموا يوم 28 يناير/ كانون الثاني الماضي احتجاجا على "الحريق" الذي تسبب به قط حكومة هاني الملقي، أخيرا، بفرض ضريبة قدرها 10% على مبيعات الكتب ومواد القرطاسية، علماً أن هذه الضريبة كانت تعادل الصفر، منذ وضع قانون ضريبة المبيعات في تسعينيات القرن الماضي، ثم لم تقدم أي حكومة أردنية على فرض ضريبة مبيعات على الكتب، تشجيعاً منها لصناعة الكتب وتداولها.
والغريب أن الحكومة تعلم أن حالة الكتاب الأردني ليست على ما يرام، وأن صناعة النشر في الأردن مستنزفة، وتتراجع يوماً بعد يوم، وكما جاء في المؤتمر الصحافي لاتحاد الناشرين الأردنيين، بلغ عدد دور النشر المسجلة في الأردن 750 دار نشر، أغلق منها رسميا 371 دارا، أي حوالي النصف، ما أبقى على 379 دار نشر عاملة فقط. والأدهى أن عدد دور النشر المسجلة فعلياً في اتحاد الناشرين لا يتعدى 140 دارا، تراجع عددها مطلع العام الحالي إلى 72 دار نشر مسددة التزاماتها. ولا يختلف حال المكتبات إن لم يكن أسوأ من حال دور النشر، فقد بلغ عدد المكتبات المرخصة 900 مكتبة، إلا أن القائم فعليا لا يتعدى 218 مكتبة، أي دون الربع.
فرض ضريبة مبيعات على الكتب بنسبة 10% مرة واحدة دليل على افتقار الحكومة الأردنية الحد الأدنى من الحس السليم، شأن إقدامها على رفع نسبة الضريبة على أسعار الأدوية، وهو ما أثار ردة فعل غاضبة، ليس فقط من المواطنين، وإنما أيضاً من نقابة الصيادلة وبقية النقابات المهنية التي أعلنت رفضها قرار الرفع، وهدّدت بالإقدام على التوقف عن بيع الأدوية. وعلى الأثر، جاء تراجع الحكومة عن قرارها رفع أسعار الأدوية بطلب من الملك. فهل يكرّر الملك الطلب من الحكومة إلغاء ضريبة المبيعات على الكتب، "غذاء العقول" و"قلب الصناعات الثقافية" في الأردن، حسب تعبير رئيس اتحاد الناشرين، فتحي البس؟
لا شك أن الحكومة الأردنية تعاني من نقص الإيرادات اللازمة لسد عجز الموازنة العامة
للدولة، وهي تخضع لضغوط شديدة من البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذين يراقبان الأداء المالي للحكومة، ويفرضان شروطهما عليها، في ضوء الاتفاقية الموقعة معهما لدواعي التصحيح المالي. لكن البحث عن موارد محلية إضافية ما كان يجب أن يمس الدواء والكتاب (ناهيك عن الخبز الذي رفعت أسعاره أيضاً). غير أن الحكومة الحالية التي إن كانت تمتاز بشيء عن الحكومات السابقة، فهو تفوقها في إظهار اللامبالاة والتقدير السليم لحالة المواطنين، وكأنها تتعمد اختبار قدرتهم على تحمل مزيد من الضغط والعصر لدخولهم المحدودة.
والواقع أن فرض ضريبة مبيعات بنسبة 10% على الكتب يدخل الحكومة الأردنية في تناقض فاضح، مع التوجهات الرسمية للدولة الأردنية التي تدعو إلى تطوير المناهج الدراسية، وتشجيع الصناعات الثقافية والإبداعية كأحد روافع الاستثمار والتطوير البنيوي للاقتصاد الأردني. بل كيف تناقض الحكومة ذاتها بوضع ضريبة مبيعات على الكتب، وهي التي تنشئ "مكتبة الأسرة" التي تنشر سنوياً عشرات الكتب الجديدة، وتوفرها للأردنيين بأسعار رمزية.
لم تبادر الحكومة الأردنية، قبل فرض الضريبة المذكورة على الكتب، إلى مناقشة مسبقة مع الهيئات الممثلة للناشرين والمكتبات، للتعرف على آثار قرارٍ كهذا على قطاع مستنزف اقتصادياً، ويكابد كي يحافظ على وجوده. والأرجح أن الحكومة لم تقم بدراسة مسبقة لقرارها ولمردوده المالي، فلو قامت بدراسةٍ كهذه لأدركت أن الآثار السلبية لقرارها أكبر وأفدح بكثير من مردوده المالي على الخزينة، وكل من تردد على معرض عمان الدولي للكتاب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يدرك مدى التراجع في شراء الكتب، جرّاء هبوط دخول الأردنيين، واضطرارهم لشد الأحزمة على البطون.
بدلاً من فرض ضريبة عشوائية على مبيعات الكتب، كان الأوْلى أن تشرع الحكومة الأردنية بحوار بناء مع أركان الصناعات الثقافية، وفي مقدمتهم ممثلو صناعة النشر، لتوفير مزيد من الحوافز لها كي تصبح هذه، وغيرها من الصناعات الثقافية والإبداعية، صناعات تصديرية، وصناعات رائدة، متجاوبة مع اقتصاديات العصر القائمة على المعرفة.
والغريب أن الحكومة تعلم أن حالة الكتاب الأردني ليست على ما يرام، وأن صناعة النشر في الأردن مستنزفة، وتتراجع يوماً بعد يوم، وكما جاء في المؤتمر الصحافي لاتحاد الناشرين الأردنيين، بلغ عدد دور النشر المسجلة في الأردن 750 دار نشر، أغلق منها رسميا 371 دارا، أي حوالي النصف، ما أبقى على 379 دار نشر عاملة فقط. والأدهى أن عدد دور النشر المسجلة فعلياً في اتحاد الناشرين لا يتعدى 140 دارا، تراجع عددها مطلع العام الحالي إلى 72 دار نشر مسددة التزاماتها. ولا يختلف حال المكتبات إن لم يكن أسوأ من حال دور النشر، فقد بلغ عدد المكتبات المرخصة 900 مكتبة، إلا أن القائم فعليا لا يتعدى 218 مكتبة، أي دون الربع.
فرض ضريبة مبيعات على الكتب بنسبة 10% مرة واحدة دليل على افتقار الحكومة الأردنية الحد الأدنى من الحس السليم، شأن إقدامها على رفع نسبة الضريبة على أسعار الأدوية، وهو ما أثار ردة فعل غاضبة، ليس فقط من المواطنين، وإنما أيضاً من نقابة الصيادلة وبقية النقابات المهنية التي أعلنت رفضها قرار الرفع، وهدّدت بالإقدام على التوقف عن بيع الأدوية. وعلى الأثر، جاء تراجع الحكومة عن قرارها رفع أسعار الأدوية بطلب من الملك. فهل يكرّر الملك الطلب من الحكومة إلغاء ضريبة المبيعات على الكتب، "غذاء العقول" و"قلب الصناعات الثقافية" في الأردن، حسب تعبير رئيس اتحاد الناشرين، فتحي البس؟
لا شك أن الحكومة الأردنية تعاني من نقص الإيرادات اللازمة لسد عجز الموازنة العامة
والواقع أن فرض ضريبة مبيعات بنسبة 10% على الكتب يدخل الحكومة الأردنية في تناقض فاضح، مع التوجهات الرسمية للدولة الأردنية التي تدعو إلى تطوير المناهج الدراسية، وتشجيع الصناعات الثقافية والإبداعية كأحد روافع الاستثمار والتطوير البنيوي للاقتصاد الأردني. بل كيف تناقض الحكومة ذاتها بوضع ضريبة مبيعات على الكتب، وهي التي تنشئ "مكتبة الأسرة" التي تنشر سنوياً عشرات الكتب الجديدة، وتوفرها للأردنيين بأسعار رمزية.
لم تبادر الحكومة الأردنية، قبل فرض الضريبة المذكورة على الكتب، إلى مناقشة مسبقة مع الهيئات الممثلة للناشرين والمكتبات، للتعرف على آثار قرارٍ كهذا على قطاع مستنزف اقتصادياً، ويكابد كي يحافظ على وجوده. والأرجح أن الحكومة لم تقم بدراسة مسبقة لقرارها ولمردوده المالي، فلو قامت بدراسةٍ كهذه لأدركت أن الآثار السلبية لقرارها أكبر وأفدح بكثير من مردوده المالي على الخزينة، وكل من تردد على معرض عمان الدولي للكتاب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يدرك مدى التراجع في شراء الكتب، جرّاء هبوط دخول الأردنيين، واضطرارهم لشد الأحزمة على البطون.
بدلاً من فرض ضريبة عشوائية على مبيعات الكتب، كان الأوْلى أن تشرع الحكومة الأردنية بحوار بناء مع أركان الصناعات الثقافية، وفي مقدمتهم ممثلو صناعة النشر، لتوفير مزيد من الحوافز لها كي تصبح هذه، وغيرها من الصناعات الثقافية والإبداعية، صناعات تصديرية، وصناعات رائدة، متجاوبة مع اقتصاديات العصر القائمة على المعرفة.
هاني حوراني
باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.
هاني حوراني
مقالات أخرى
11 سبتمبر 2024
10 مايو 2024
28 فبراير 2021