قطفني مثل الصبير

27 اغسطس 2016
ربّما يقولها "ثرطان" أو "ثران" (جيفري تاريغان/ الأناضول)
+ الخط -

"وقطفني مثل الصبير صوت الغنّو بالعراق، لو نقدك كان مدينة وبالشام العرس لاركب عالفرس وجبلك مفتاح القدس، رايح اسرقلك غابة واسرقلك جان وعلّق عشجر البحر عقود المرجان"... في اليوم الذي قرأَت فيه كلمات الشاعر طلال حيدر على بطاقة زفاف، كان والدا طفل في الثالثة من عمره يتبلّغان خبر إصابته بمرض السرطان. وهي كلمة ما زال عاجزاً عن نطقها بشكل سليم. ربّما يقولها "ثرطان" أو "ثران". يا لهذه "الطاء" القاسية. ولاحقاً، لن يفهم لماذا سيكون مربوطاً بأنابيب سيرغب في الإفلات منها. كان طفلاً يأكل الصبار، والأطفال نادراً ما يتذوّقونه. لا يعرف كلمات حيدر التي غنّاها مارسيل خليفة. في المستشفى، سيخبره أهله أن "كل شيء سيكون على ما يُرام". والزوّار سيقولون لهم: "الله يصبركم". ثلاث سنوات يا الله. وهو صغير ليعرفك أو يطلب الشفاء منك. كيف يشفى إذاً؟

وسيسمع الأهل أن السرطان بات مثل الإنفلونزا. ويخبرهم كثيرون عن قصص أناس أصيبوا بهذا المرض، صغاراً وكباراً. نوايا هؤلاء سليمة. القصص التي تحمل مصائب متشابهة تقوّي أحياناً وتشعر المريض وأهله أنهم جزء من هذا الكون. لكنّ هذا ليس حقيقياً. الألم خاص. وإن تغيّرت ملامح جميع من حول المصاب، فلن يشعروا بالألم مثله.

والأهل لن يصبروا. هذا ألم. والألم مثل السرطان يقتل ببطء شديد. نقول إن أطرافنا مشلولة وقلوبنا تؤلمنا أو نشعر بوخز كالإبر أو نرتمي على أسرة لساعات أو أيام. ماذا فينا؟ ممّ نشكو؟ الألم، ذلك الذي نُنصح في تجاوزه بالتحلي بالصبر أو القوة أو الصلاة أو التسليم بالقدر. وتُقال عبارات مثل "تُفرج ولم يبق إلا القليل". بهذه البساطة إذاً؟ مجرّد كلمات قادرة على إزالة آلام قلوبنا وأجسادنا أو مصائبنا؟ على الأرجح، نحن لا نصبر بل نتأقلم.

ورد في كتاب إيجنغ أن "المطر يبقى المطر وليس الطقس السيئ. وكذلك هو الألم يبقى الألم حتى نفكّر في مقاومته، فما يلبث أن يتحوّل إلى عذاب". والعذاب ألم مستمرّ. وكلاهما يولّدان حزناً هو "قوّة جاذبة تشدّ لأسفل، تسحب الرأس والكتفين إلى تحت، كأن الجسم في حزنه يُمسي واهناً خفيفاً فتستقوي الجاذبية عليه وتستشرس"، كما تصفه رضوى عاشور.

يحبّ الصبار الذي يضرب فيه المثل لكونه ينمو في الصحراء، ويتحمّل العطش والجفاف الذي قد يمتدّ لسنوات طويلة. لا يأبه للشوك. اعتادت والدته أن تزيله له. وفي ألمهما الجديد، ستتأقلم وتزيل المزيد من الأشواك. والعرسُ ليس بعيداً. قُبلةٌ ورقص حتى الفجر. فحين ترقص الأجساد، تختفي الآلام قليلاً. وقبل أن يعود الجميع إلى البيوت، يتناولون الصبار من إحدى العربات المنتشرة في أحياء بيروت. ألا يقولون أيضاً "هذه حال الدنيا؟".


المساهمون