وفاجأت قطر، التي تواجه حصارا من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، أسواق الطاقة، أمس الثلاثاء، عندما قالت إنها ستزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى 100 مليون طن سنوياً، أي ما يعادل ثلث الإمدادات العالمية الحالية خلال فترة تراوح بين خمس وسبع سنوات.
وستؤدي الخطوة القطرية إلى زيادة المعروض في سوق تعاني بالفعل من زيادة العرض على الطلب، في ما يعد تحدياً غير مستتر لمصدرين آخرين يعملون أيضاً على رفع إنتاجهم.
ويقول محللون إن قطر في وضع يسمح لها بالتفوق على غيرها لانخفاض كلفة الإنتاج لديها ووجود البنية التحتية اللازمة.
وسيسهم إغراق السوق بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال في الدفاع عن مكانتها كأكبر مصدر في العالم والتي تتحداها أستراليا.
التركيز على آسيا
الغاز الطبيعي المسال هو غاز يتم تبريده لدرجات فائقة وينقل بالناقلات إلى مختلف أنحاء العالم، وظل الغاز الطبيعي المسال منتجاً له سوقه الخاصة ثم أصبح منتجاً مهماً للصناعة، لأن الغاز الطبيعي أنظف من النفط والفحم، كما أن استخداماته واسعه تراوح بين توليد الكهرباء إلى التدفئة، وكذلك كوقود لوسائل المواصلات.
وقد استثمرت شركات أميركية وأوروبية كبرى، مثل رويال داتش شل وشيفرون، مبالغ طائلة خلال السنوات العشر الأخيرة، أكبر في الغالب مما أنفقته على النفط، في محاولة للهيمنة على سوق الغاز الطبيعي المسال خاصة من خلال مشروعات عملاقة في أستراليا، مثل مشروع جورجون لشركة شيفرون ومشروع بريليود لشركة شل.
وتقع ساحة المعركة الرئيسية للتنافس على سوق الغاز المسال في آسيا التي تستهلك 70 في المئة من الوقود الذي يعتبر مصدراً رئيسيا للطاقة لتلبية طلب مرتفع دون التلوث الواسع الذي ينتجه الفحم.
وأكبر مشتري الغاز الطبيعي في العالم هي شركات المرافق، خاصة في اليابان وكوريا الجنوبية، وقالت مصادر في تلك الشركات إنها فوجئت بالخطوة التي أخذتها قطر.
وقال كيم يونج كي، المتحدث باسم شركة كوجاس الكورية التي تعد من أكبر مشتري الغاز الطبيعي المسال في العالم: "سيتعين علينا أن نفهم لماذا تخطط قطر لزيادة إنتاجها. فليس لدينا خطط حتى الآن لاستيراد شحنات غاز طبيعي مسال جديدة من قطر".
زيادة الإنتاج
جاء إعلان قطر بعد يوم واحد فقط من توقيع إيران أول اتفاق مع شركة توتال الفرنسية وشركة سي.إن.بي.سي المملوكة للدولة في الصين لإنتاج الغاز من الحقل الذي تشترك فيه مع قطر.
وقال بيفريدج، المحلل بشركة سانفورد سي. برنستاين، إن الخطوة القطرية لزيادة الإنتاج قد تكون رداً على استئناف توتال أعمال التطوير في الجانب الإيراني من حقل الغاز.
وفي محاولة لتدعيم نصيبها في السوق، قالت شركة غازبروم الروسية، أكبر منتج في العالم للغاز الطبيعي، أمس الثلاثاء، إنها ستبدأ ضخ الغاز إلى الصين من خلال خط أنابيب جديد بحلول أواخر عام 2019، أي قبل الموعد الذي كان كثيرون يتوقعونه.
وتأتي الصين في صدارة الدول المستهلكة لمعظم السلع الأولية بما فيها النفط والفحم، وهي أيضا في طريقها كي تصبح أكبر مستهلك للغاز الطبيعي في إطار برنامج استثماري ضخم للتوسع في البنية التحتية للغاز المسال وخطوط الأنابيب.
وقد استثمرت أستراليا مئات المليارات من الدولارات في محاولة لتخطي قطر وتصدر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول عام 2019، وهو تحد بدأت قطر تتصدى له الآن.
ولقطر، التي شاركت مؤسستها المملوكة للدولة (قطر للبترول) شركة إكسون موبيل الأميركية العملاقة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، مصلحة كبيرة في الدفاع عن مكانتها.
فقد كان الغاز الطبيعي المسال، بجانب صادرات المكثفات ونوع من الخام الخفيف فائق الجودة يستخرج كمنتج ثانوي مع الغاز، سبباً في ثراء قطر رغم انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال بنسبة 70 في المئة وانخفاض أسعار النفط أكثر من 50 في المئة منذ عام 2014.
ومن شأن رفع صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى 100 مليون طن سنويا أن يزيد إيرادات قطر، بالأسعار الحالية، بنحو 30 مليار دولار بالإضافة إلى ستة مليارات دولار أخرى من المكثفات، ويعادل ذلك 120 ألف دولار للفرد الواحد من سكان قطر، وهو ما يسهم في جعلها أغنى دولة في العالم، وفقا لتقديرات البنك الدولي.
منافسة شرسة
المنتجون الرئيسيون الذين تمثل الخطوة القطرية تحديا لهم هم الذين ينتظرون قرارات استثمار نهائية، لا سيما في الولايات المتحدة، وحتى الآن شركة تشينير إل.إن.جي هي الوحيدة التي تصدر الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لكن ثمة مقترحات بطاقة إجمالية تبلغ 150 مليون طن سنويا.
وقال تشونج جي شين، من شركة وود ماكينزي لاستشارات الطاقة، إن توسعة إنتاج الغاز المسال بكلفة منخفضة في قطر "يدفع بكثير من المشروعات الجديدة للخروج من السوق".
ومن المتوقع أن يؤدي إغراق السوق بمزيد من الغاز المسال إلى تعزيز سوق تجارته الفورية في آسيا، رغم أنه يأتي في وقت يشهد زيادة العرض على الطلب ويتردد فيه المشترون في إبرام تعاقدات جديدة لآجال طويلة.
وتمثل السوق الفورية في آسيا الآن 15 في المئة من الإمدادات الإجمالية، إذ تباع المزيد من الكميات غير المتعاقد عليها وفقا للطلب في الأجل القصير، والفائزون في هذا الصراع الشديد على السوق هم المستهلكون.
وقال كيري آن شانكس، رئيس أبحاث الغاز والغاز المسال بآسيا في شركة وود ماكينزي: "زيادة طاقة إنتاج الغاز الطبيعي المسال تترجم إلى أسعار أقل في الآجال الأطول. وهذه أنباء طيبة لمشتري الغاز".
(رويترز)