قطر.. تحايل المقاولين كابوس يطارد المقبلين على تشييد منازلهم

16 مايو 2016
قطريون يشتكون من تحايل شركات مقاولات وتلاعبها في المواصفات(Getty)
+ الخط -
يشعر رجل الأعمال القطري، عبدالعزيز العمادي، بالضيق من وقوعه في فخ شركات المقاولات غير الجادة والمتحايلة على الراغبين في تشييد منازلهم، وهو ما دعاه إلى تقديم نصائح لكل من يعرفهم بضرورة التحري عن شركة المقاولات التي تنفذ لهم مشروعاتهم، خاصة أن قضيته ما زالت تنظر في المحاكم، التي يعلم جيداً أنها لن تنهيها عاجلاً، كما يقول لـ"العربي الجديد".

حالة العمادي ليس فريدة من نوعها، إذ تكررت مع القطري جابر عبدالله، والذي تحول حلمه بإنشاء بيت عصري بمواصفات فريدة من نوعها، إلى كابوس من المعاناة المستمرة في أروقة المحاكم منذ خمسة أعوام، بعد أن أقام دعوى ضد المقاول المسؤول عن إنشاء المنزل، متهماً إياه بالغش في المواصفات وغياب معايير الجودة، ما حرمه من الانتقال إلى منزله الجديد، ليظل في بيت والديه، في انتظار إكمال بيته الذي توقف العمل فيه.

ووفقاً لما توصل إليه معد التحقيق عبر بحث دقيق، فإنه لا توجد إحصائية بعدد الدعاوى القضائية المقامة بحق المقاولين، لاتهامهم بالتحايل والغش، وهو ما يفسره رئيس جمعية المهندسين القطرية، أحمد الجولو، بأن الأمر يرجع إلى تشعب أعمال المقاولة، إذ إن بعض الراغبين في تشييد منازلهم يتعاقدون مع شركات وبعضهم الآخر يعمل مباشرة مع أفراد من المقاولين أو يتعاقد مع شركة يعمل لديها مقاول من الباطن على تنفيذ مشروعاتها، وهو ما وافقه فيه عبدالعزيز العمادي، لافتاً إلى صعوبة إحصاء الشركات المتحايلة على الراغبين في تشييد منازلهم، أو تحديد نسبتها من إجمالي عدد الشركات، إذ إن بعضها ليس له مقر، أو أن مقره وإمكاناته البشرية والمادية لا تناسب حجم الأعمال التي يتعاقد عليها.


أعوام في المحاكم

بعد إصرار أبنائه، تقدم سالم المهندي، بطلب للحصول على قطعة أرض وقرض ميسر لبناء المنزل، على الرغم من أنه كان يعيش بمسكن جيد، كما يصفه. وعبر أحد الأقارب تعاقد المهندي مع مقاول، كان يحول إليه دفعات مالية على حسابه البنكي، لكنه لاحظ تأخر المقاول في التنفيذ، وتذرعه بعشرات الأسباب، للحصول على مبالغ إضافية.

"لم تتوقف مشكلتي عند هذا الحد"، يضيف المواطن القطري قائلاً: "بعد الانتقال إلى المنزل الجديد، وجدت أن الكثير من الأدوات المستخدمة في عملية التشطيب ليست جيدة، بل إن بعضها تكسر مع الأسابيع الأولى لاستخدامها، الأمر الذي دفعني للتفكير في مقاضاة المقاول، لولا أنني أعرف أكثر من حالة يشكون من بطء إجراءات التقاضي في مثل هذه الحالات".

ويؤكد المهندي على محاولته التواصل والتفاهم مع المقاول، لكنه فوجئ بعرض غريب من نوعه من قبل المقاول، إذ أخبره أنه يمكن أن يمنحه نسبة على كل شخص يتمكن بإقناعه من تنفيذ المقاول لمنزله، ما يوفر له تعويضاً مالياً، ويقول المهندي: "يطالبني بإحضار معارفي لنفس الفخ الذي سقطت فيه".

ولا تقل مشكلة سعيد البريدي مع المقاولين عن سابقيه، فالشاب الذي حاول الانتقال إلى منزل أرحب يضمه وزوجته وأبناءه، تعاقد مع مقاول، رشحه مقربون، ولكن الأخير تجاهل العقد المبرم، وتجاوز أغلب بنوده، حسب تأكيد البريدي.

يقول البريدي لـ"العربي الجديد": "حصلت على قطعة أرض من الدولة، وقرض بقيمة مليون ريال (274 ألف دولار أميركي)، ضمن القروض الميسرة للشباب القطري، وتعاقدت مع أحد المقاولين لتنفيذ المشروع، وكنت أصرف حصة له من المبلغ بصورة شهرية.

يتابع الشاب القطري: "فوجئت أن الأشهر تمر، والدفعات تُصرف للمقاول، ولكن التنفيذ "محلك سر"، ولم ينجز من المنزل الكثير، تواصلت مع المقاول، لكنه برر التأخير بمشكلات مع المهندسين العاملين لديه، وطالبني بمبلغ إضافي، دفعته على مضض، وبعد فترة فوجئت بتوقف كامل في العمل".

ويسرد البريدي تجربة لجوئه للقضاء: "لم يكن من بد من اللجوء إلى القضاء، قدمت شكواي في عام 2012، لأفاجأ بأن المقاول وضع بنداً في نهاية العقد من شأنه أن يطيل التقاضي، إذ كان لا بد من وجود مُحَكم متخصص يفصل في القضية، وتم تداول القضية لأشهر عديدة، حتى كلفت المحكمة محكماً مختصاً، طالب بــ 25 ألف ريال قطري من كل طرف، ولكن المقاول لم يدفع، واضطررت للدفع عنه، وقضى المحكم بأن ما أنجز في المبنى لا يجاوز 700 ألف، وأن باقي المبلغ لا بد من أن يعاد لصاحبه، ورفع تقريره للمحكمة.

ويستطرد: "قضيت أربعة أعوام في ساحات المحاكم، وما زلت على نفس الحال، تيقنت خلال هذه الفترة من أن المقاول على علم جيد بدروب القانون، وأنه كان يعلم جيداً أن القضية تدوم سنوات".

أسباب تحايل شركات المقاولات

يرجع حمد علي العذبة المري، صاحب شركة مقاولات، زيادة عدد من يسميهم بالمتطفلين على القطاع العقاري، إلى انتعاش نشاطات السوق العقارية القطرية، وهو ما أدى إلى استغلال عدد من الشركات الضعيفة، غير القادرة على تقديم خدمة جيدة، لحالة زيادة الطلب على خدمات المقاولين في السوق عبر طرح أسعار متدنية للفوز بالمقاولة، وهو الأمر الذي كثيراً ما ينتهي في قاعات المحاكم.

بينما يُرجع محمد السليطي، مراقب مجلس الشورى القطري، مشكلة تحايل المقاولين على المواطنين إلى استغلال بطء التقاضي في بعض هذه القضايا، قائلاً لـ"العربي الجديد"، "هؤلاء المقاولون بعضهم يعلم بالثغرات التي يمكن استغلالها بما يضعف من موقف المواطن الراغب في تشييد منزله أمام القضاء كما أن بعض الملاك من القطريين لا يلجأون للمحاكم، نظراً لعلمهم المسبق بتأخر هذه القضايا في المحاكم.

ولفت السليطي إلى أن بعض الشركات تتعاقد على عدة مشاريع في نفس الوقت، على الرغم من كونها غير قادرة على العمل عليها جميعاً، كما يظهر في الشكاوى المتكررة من الكثير من المواطنين، بل إن بعض المقاولين يعملون من الباطن لشركات أخرى، الأمر الذي ضاعف من المشكلة، إذ يعد مقاول الباطن، حلقة إضافية تضاف للقضية في حال وصول الأمر للمحاكم، ناهيك عن ضعف كفاءة العمالة التي يستعينون بها.

وأشار إلى أن المكاتب الاستشارية، يقع عليها نصيب كبير من المشكلة، إذ إن بعضها لا يوكل المشروعات المفترض تنفيذها لشركات كبيرة، وحتى يقوم بعضهم بترسية بعض المشروعات على شركات غير مؤهلة، ويمكن وصفها بـ"المحتالة"، إذ إن منها من يستلم الأقساط الأولى ولا يكمل العمل، وتستغل عدم خبرة الشباب بعملية التشييد، وفي النهاية، المالك ينهي الأمر بصورة سريعة ويقبل بأي تسوية.

بدوره أكد رئيس جمعية المهندسين القطرية أن تزايد الشكوى من تحايل بعض المقاولين يرجع إلى زيادة أعمال المقاولة في الدولة، ودخول عدد كبير من الشركات بعضها غير قادر على التنفيذ بصورة جيدة، وتابع قائلاً "السوق مفتوحة أمام المستثمرين، والطلب على العقار السكني تصاعد، ويتوقع أن يتضاعف خلال الفترة المقبلة، وفق الإقبال على قروض الإسكان في بنك التنمية، الأمر الذي يفرض وضع تصنيف للمقاولين، حتى يتم فلترة غير الجادين منهم.

وأكد الجولو أن اختيار استشاري متميز، يقلل من احتمالية وقوع مشكلات بصورة كبيرة، مشيراً إلى أن الاستشاري قادر على متابعة العمل، نيابة عن صاحب العقار، بما يؤدي إلى اكتمال عملية التشييد بشكل جيد.


مسؤولية المالك وصاحب العقار

من جانبه يرى الخبير والمحكم في القضايا العقارية، خليفة المسلماني، أن الخلاف الناشئ بين المالك والشركة المنفذة يرجع إلى عدة أسباب، أبرزها عدم اختيار المالك للمقاول الصحيح الجاد في التنفيذ، إضافة إلى غياب العقود الملزمة في بعض الأحيان، والتي تحتوي على كافة الاشتراطات، ليحفظ لكل طرف حقه.

ولفت إلى أن استهداف المالك للمقاول الذي يقدم عروضاً بأسعار متدنية، يعد من الأخطاء التي يقع فيها بعضهم، إذ إن المقاول في هذه الحالة يضع مواصفات متدنية أيضاً تظهر آثارها على البناء فيما بعد.

وأشار إلى أن بعض المقاولين يعمل لديهم 10 عمال فقط، وهو ما يعني أن شركته غير قادرة على تنفيذ أي مشروع، في حين أنه يوقع الكثير من العقود في نفس الوقت، وهو أمر يجب أن يقف عليه المالك في مرحلة التحري عن المقاول، إذ إن المقاول الجيد، يكون لديه على الأقل 100 عامل أو يزيد.

ولفت إلى أن بعض المقاولين يعرف جيداً ببطء التقاضي في مثل هذه المشكلات، الأمر الذي يدفعه للمماطلة لحين وصول القضية لأروقة المحاكم.

وبحسب المحامي، يوسف أحمد الزمان، نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، فإن أعداد القضايا المتعلقة بأعمال المقاولات زادت، خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب غياب الكفاءة لدى بعض المقاولين والقدرة على إنجاز الأعمال الموكلة لهم.

ويشرح الزمان أن المشرع القطري اهتم بتنظيم عقد المقاولة في القانون المدني رقم 24 لسنة 2004، والذي تضمن جملة من الالتزامات المفروضة على المقاول وعلى صاحب العقار، ومن أهم هذه الالتزامات، بموجب عقد المقاولة المبرم بين الطرفين، أنه "على المقاول أن يحترم شروط العقد وينجز الأعمال في الوقت المحدد، ويضمن سلامة البناء لمدة تزيد على خمس سنوات وتصل أحياناً إلى عشر سنوات بعد تسليم العقار"، وهي البنود محل الشكوى لمن التقاهم معد التحقيق.

ويحذر نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، من أن بعض المقاولين يستلم الدفعات الأولى من عقد المقاولة وعقب ذلك يخلون بالتزاماتهم، ما يُدخل صاحب العقار في دوامة قضائية في محاولة لحث المقاول على إنجاز مشروعه، الأمر الذي يظل لسنوات داخل ساحات المحاكم، قائلاً "التقاضي على وضعه الحالي، يفوت الفرصة على صاحب المشروع بأن يستغل المبنى أو أن يسكنه، في حال اكتمال بنائه".

ونصح الزمان كل من يريد التعاقد مع مقاول، بالبحث عن الشركات ذات السمعة الطيبة، والابتعاد عن الشركات ذات الأسعار المتواضعة، والتي تتحايل من أجل طلب مبالغ طائلة من العميل عن طريق إقناعه بأن العمل تطلب نفقات إضافية، أو أن تقوم بتنفيذ المشروع بأدوات رديئة تتطلب من العميل المزيد من المصروفات بعد تسلم العقار.

وطالب الزمان بضرورة تحري الجهات المختصة بمنح التراخيص، لمدى قدرة شركات المقاولات على إنجاز المشاريع، حتى لا يتضرر المواطنون من هذه الشركات، لافتاً إلى فترة الثمانينيات والتسعينيات والتي شهدت وجود هيئة تتولى الإشراف على عمليات البناء نيابةً عن المواطن نفسه، وكان هذا الخيار أفضل للقطريين، على حد قوله.


مطالب بقوائم سوداء للمتحايلين


ويتفق عبدالعزيز العمادي، نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر سابقاً مع المحامي، يوسف الزمان، في ضرورة تحري المواطن عن شركة المقاولات التي ستنفذ له المشروع، مشيراً إلى أن السوق بها شركات جادة في تنفيذ المشروعات، وأخرى لا تدخر جهداً في إسقاط القطري في فخاخها لتنصب عليه، داعياً إلى ضرورة وضع ضمانات واضحة في عقد المقاولة، ليحصل كل طرف على حقه، على أن يقدم المقاول سابقة أعماله لكل عميل، ليتعرف إلى ما قام به من أعمال ومدى جديته.

ونوه العمادي إلى أن الكثير من الشركات غير الجادة والمؤثرة بالسلب على مجريات السوق القطري ما زالت تزاول أعمالها، موضحاً أن مثل هذه الشركات تتعاقد مع محامين يجيدون تأجيل القضايا وإضاعة حقوق أصحاب المنازل. وطالب، بإلغاء السجل التجاري لأي شركة مقاولات تتكرر الشكوى من أعمالها المتأخرة أو تحايلها على من تعاقدوا معها قائلاً "المشكلة تفشت على نطاق واسع أخيراً، وتحتاج إلى وقفة".

أما مراقب مجلس الشورى، محمد السليطي، فيؤكد ضرورة وضع قوائم سوداء للشركات غير الجادة في تنفيذ المشروعات، بل إن حصر الحالات التي تعرضت للتحايل من شركات المقاولات ما زال غائباً، على حد قوله، مطالباً بإشراف البلدية على عملية البناء، على الأقل في مراحله الأولى.