وفي وقائع القضية، قام الجنود الدنماركيون في عملية سميت "الصحراء الخضراء" باعتقال العراقيين وتسليمهم إلى ما يسمى "الشرطة العسكرية العراقية" التي عرضتهم لتعذيب شديد، ومن ثم أطلقت سراحهم بدون أي اتهامات بحقهم أو عرضهم أمام قضاة.
ومنذ عام 2011، فتحت قضية مشاركة جنود الدنمارك في تعذيب العراقيين أثناء فترة الاحتلال الأميركي للعراق، وحاول هؤلاء المدنيون رفع قضيتهم أمام محاكم دنماركية عبر محامين مختصين.
وتتذرع وزارة الدفاع الدنماركية بعدم السماح بوصول القضايا إلى المحاكم الوطنية بأنها "قضايا تقادم عليها الزمن". لكن لجنة مختصة من الأمم المتحدة طالبت الدنمارك بأن تقلع عن الحديث عن تقادم الواقعة، وتبدأ بفتح القضية وأخذ كل الإجراءات القانونية التي تضمن الحقوق المدنية، بسبب التعذيب الذي تعرض له هؤلاء الأشخاص، بغض النظر عن التاريخ الذي لا يمنع التعويض والمقاضاة وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب.
وطالبت اللجنة الأممية المختصة بضحايا التعذيب، الحكومة الدنماركية مطالبة صريحة بالالتزام ببنود معاهدة منع التعذيب، وما يتطلبه ذلك من ملاحقة قضائية للمتسببين فيه.
ورفض وزير الدفاع في حكومة يمين الوسط، بيتر كريستنسن، الإجابة على سؤال مقرر الشؤون الخارجية للحزب اليساري "اللائحة الموحدة"، نيكولاي فيلومسن، عن ما طالبت به اللجنة الأممية، خصوصا بالنسبة لمسألة تقادم الزمن.
وعلق توماس موللر، من المؤسسة الدنماركية ضد التعذيب، ديغنيتي، على تصرف حكومة كوبنهاغن، بالقول: "إنه لمن الغريب أن دولة القانون الدنماركية لا تستجيب لتوصيات اللجنة الأممية".
ويذهب المنتقدون للموقف الحكومي الدنماركي، سواء الحالي أو السابق في عهد حكومة يسار الوسط، إلى اعتباره خرقا فاضحا للمادة 14 من معاهدة الأمم المتحدة بشأن منع التعذيب وحق الضحايا في الوصول إلى تعويضات، ورفع قضاياهم أمام المحاكم.
فبحسب موقف رئيس غرفة الدفاع، المحامي الذي يدافع عن موقف حكومة الدنمارك، بيتر بييرنغ، فإنه لا يعير اهتماما لتوصيات اللجنة الأممية بشأن هؤلاء العراقيين ويستخف بها، قائلا في رد على أسئلة أعضاء برلمان: "إن رب عملي ليس الأمم المتحدة، ولكن الحكومة. وحكومتي أخبرتني أنه طالما أن تقادم الزمن يلعب دورا في رفض القضية أمام المحاكم الوطنية، فهذا يعني أننا سنستمر بذات الخط الرافض لتلك القضايا".
وتصر ديغنتي، المؤسسة الدنماركية ضد التعذيب، على أن القضايا لا يمكن أن تتقادم، خصوصا فيما يتعلق بالتعذيب. وتصر المؤسسة على أن التعذيب وقبوله بهذا الشكل يعني ضربا لأسس دولة العدالة والقانون، وتعتبر أن استخدام التعذيب كوسيلة وتسليم أشخاص إلى أطراف تمارسه حتى في أوقات الحروب، يخالف القوانين، وهو ما جرى مخالفته بشأن هؤلاء العراقيين الذين جرى تعذيبهم بدون أية تهمة ولا عرض أمام قاض.
وبحسب ما تنقله صحيفة "العامل" اليسارية عن القضية المستمرة منذ سنوات، فإن وزارة الدفاع في السابق، طالبت هؤلاء المزارعين العراقيين الفقراء بوضع ضمانات 40 ألف كرونة (حوالي 7 آلاف دولار) عن كل شخص قبل أن يجري دراسة قضاياهم أمام المحاكم الدنماركية.
ورفضت المحكمة الدنماركية العليا في 2013، مطالب وزارة الدفاع في أن يتحمل رافعو القضية تكاليف بدء قضيتهم. وفي سبتمبر/أيلول الماضي منح المشتكون العراقيون من قبل الادعاء حق التقاضي، مع مساعدة قانونية مجانية بعيدا عن مطالب الوزارة التعجيزية.
وبعد الانتقادات الجديدة من لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، والتي وجهت رسميا لوزير الدفاع كريستنسن، وجدت المحكمة العليا أنه يمكن البدء بالقضية في يونيو/حزيران القادم، وأرسل طاقم الدفاع عن الضحايا العراقيين رسالة رسمية إلى الوزير يطالبه خلالها بإسقاط مطلبه المستند في رفض التقاضي على تقادم القضية.
وفي ذات الوقت، كشفت لجنة مناهضة التعذيب قيام حكومة الدنمارك بإغلاق "لجنة العراق" التي كانت تحقق في الدور الذي لعبته حكومة أندرس فوغ راسموسن في اجتياح العراق منذ 2003 وحتى الانسحاب من ذلك البلد. وشكل تعليق عمل اللجنة بعد الاستماع لشهادات وزراء عدة فضيحة كبيرة في الدولة الدنماركية، حيث يعتبر كثيرون أنها "تغطية على مخالفات صريحة وكبيرة تصل حد المشاركة في جرائم".
اقرأ أيضا:الدنمارك تلحق بالسويد وتغلق حدودها مع ألمانيا