انقضى يوم العمل الأخير من فترة رئاسة المستشار محمد مسعود لمجلس الدولة المصري، دون تحديد خليفة له، لأول مرة في تاريخ المجلس، إذ امتنع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، عن إصدار قراره المرتقب باختيار الرئيس الجديد للمجلس، على الرغم من ضرورة ذلك عملياً، ليبيت قضاة المجلس ليلتهم دون أن يعرفوا رئيسهم، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ أي هيئة قضائية مصرية.
وكان قضاة المجلس يتوقعون أن يصدر السيسي اليوم الثلاثاء قراره باختيار خليفة مسعود من بين أقدم 7 أعضاء بالمجلس، تطبيقاً لقانون تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية الذي أصدره في أبريل/نيسان الماضي، وأن يؤدي الرئيس المختار اليمين القانونية غداً الأربعاء ليبدأ ممارسة مهامه، إلاّ أن يوم العمل الأخير من ولاية مسعود، الذي أحيل للتقاعد، انتهى دون أن ينشر قرار السيسي في الجريدة الرسمية، ودون أن تعلن رئاسة الجمهورية الأمر أو تعلم به المجلس بشكل غير رسمي.
وفسرت مصادر قضائية عديدة حالة الصمت الرئاسي من جانب السيسي بأنها متعمدة استهزاءً وامتهاناً لكرامة قضاة المجلس، رداً على تحديهم للقانون الذي أصدره بعد تمريره في البرلمان والذي يسمح له لأول مرة باختيار رؤساء الهيئات القضائية، إذ كان المجلس هو الهيئة الوحيدة التي رفضت تطبيق القانون ورشحت أقدم الأعضاء المستشار يحيى دكروري منفرداً لرئاسة المجلس، ولم ترشح اثنين آخرين معه كما فعلت باقي الهيئات القضائية.
وأضافت المصادر أنه "باتت واضحة رغبة السيسي في التعبير لقضاة المجلس عن أنه يفوقهم سلطة ونفوذاً، وأنه قادر على كسر شوكتهم وإهانتهم لحد عدم تعيين رئيس جديد لهم، إلاّ في التوقيت الذي يختاره هو"، موضحة أن كل المؤشرات ترجح استبعاد دكروري من رئاسة المجلس، خاصة وأن تأخير إصدار القرار يؤدي إلى تضييق فرصة دكروري في الطعن عليه ويلغي عملياً إمكانية إصدار حكم مستعجل بوقف تنفيذ قرار تعيين أي قاض غيره رئيساً للمجلس، مما يعني استقرار الأوضاع لصالح السيسي ومن سيختاره بدلاً من دكروري.
وإذا استمر صمت السيسي وتقاعسه عن تعيين رئيس لمجلس الدولة؛ فلن يكون هناك بد من مباشرة دكروري اختصاصاته كقائم بأعمال رئيس المجلس باعتباره أقدم الأعضاء، وذلك لحين تعيين رئيس للمجلس، ولكن دون أن يتولى دكروري رسمياً رئاسة المجلس، وذلك التزاماً بنص المادة 70 من قانون مجلس الدولة.
ومن شأن استمرار حالة الفراغ الحالية في رئاسة المجلس وقف انعقاد جلسات الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، التي يترأسها قانوناً رئيس المجلس، وكذلك دائرة منازعات الأحزاب السياسية.
واستبقت إدارة مجلس الدولة قرار السيسي، والمتوقع أن يحدث، في حالة اختيار أي بديل لدكروري، غضباً كبيراً في صفوف القضاة، بأن أصدر رئيس المجلس المنتهية ولايته محمد مسعود، صباح اليوم، قراراً بحظر إنشاء وإدارة أي صفحة تبث أخباراً عن الشؤون الداخلية لمجلس الدولة وأعضائه على مواقع التواصل الاجتماعي، وإلزام القضاة المنشئين والمديرين للصفحات النشطة في المجالات المذكورة بغلقها، مهدداً إياهم بالإحالة للتفتيش في حالة المخالفة، خاصة بعدما تعددت هذه الصفحات ونشر بعضها تدوينات تهاجم السيسي.
وأكدت المصادر القضائية لـ"العربي الجديد" أن هذا القرار صدر بإيعاز من جهة أمنية تحسباً لاختيار السيسي الرئيس الجديد للمجلس، خشية نشر بيانات تهاجم الرئاسة أو السلطة التنفيذية وتتخذها وسائل الإعلام فرصة لتجديد الحديث عن الصراع بين القضاة والدولة.