قصفٌ وحصارٌ بريف دمشق: النظام يواصل ضغوطه لتهجير السكان

10 نوفمبر 2016
يواصل النظام والروس قصفهما للغوطتين (Getty)
+ الخط -

على وقع القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، وفي ظل حصار خانق، يفاوض مندوبو النظام السوري مقاتلي المعارضة في مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين بالغوطة الغربية، للرحيل مع عائلاتهم إلى محافظة إدلب أو الجنوب السوري، لتنضم تلك المنطقة بالتالي إلى مناطق أخرى في محيط دمشق، عمل النظام على إخلائها من المقاتلين، وأحياناً الأهالي، خلال الأشهر الأخيرة.

في هذا السياق، يكشف الناشط الإعلامي أبو سالم، الموجود في مخيم خان الشيح، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام ضغطت بشدة غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة لإنجاز اتفاق الترحيل بحسب شروطها. وقصفت المخيم في يوم واحد بما يقارب 500 قذيفة وحوالي 60 صاروخ فيل، مترافقاً مع 50 غارة جوية، لترسل بعدها وفدين مختلفين للتفاوض مع المدنيين والعسكريين".

ويعتبر أن "هذه الخطوة تهدف لأن يضغط المدني على العسكري. وهو ما أدى إلى تقدم النظام في أماكن ومزارع تقطع الطريق وتحكم الحصار القائم أصلاً منذ ثلاث سنوات، علماً أنه في السابق كان يمكن تهريب الطعام من خلال طرق زراعية، أما اليوم فقد أغلقت قوات النظام هذه المزارع".

ويضيف أبو سالم أن "هذا التصعيد، وضع المفاوضين من طرف المعارضة في وضع أضعف، ودفعهم للقبول ببعض شروط النظام، في مقابل ترحيل المقاتلين صوب إدلب ودرعا، وكذلك المدنيين المطلوبين للنظام كالناشطين الإغاثيين والإعلاميين وحتى المؤيدين للثوار". ويلفت إلى أن "الاتفاق قد يشمل حوالي 250 عائلة من مخيم خان الشيح وحوالي 600 عائلة من عائلات المقاتلين".

وينفي الناشط ما ذكرته بعض وسائل الإعلام بشأن الاتفاق وتفاصيله، مؤكداً أن "الاتفاق لم يُبرم حتى الآن، ولو أنه قد يبرم خلال أيام قليلة". وحول الوضع الإنساني في المخيم، يشير أبو سالم إلى أن "إطباق الحصار على المخيم أدى لنفاد المواد التموينية بشكل كامل، لاعتياش الناس على بقايا أرز أو برغل. كما بدأ كثير منهم يأكل القمح المسلوق"، مضيفاً أن "هناك نقصاً كبيراً أيضاً بالنسبة لكثير من الأدوية الخاصة ببعض الأمراض، مثل السكري والقلب، في حين يوجد جرحى يحتاجون لتلقي العلاج خارج المخيم". ويذكر أن "أحد الأطفال تعرّض لإصابة بليغة ولا نستطيع إخراجه ولا علاج له في المخيم، الذي توقفت فيه كل المرافق الصحية ولا يوجد عندنا مستوصف حتى".

ويتابع أبو سالم قائلاً إنه "يعيش في المخيم اليوم 12 ألف نسمة من أبناء المخيم، وخمسة آلاف من المهجرين إليه. وجميعهم عاطلون من العمل بعد منع سلطات النظام الموظفين من مغادرة المخيم، علماً أن قانون العمل في سورية يفصل العامل بعد 15 يوماً من تغيّبه، ولا يبرر الغياب لأحد حتى ولو أن الذي يغلق عليك المنافذ هي الحكومة ذاتها". وبالنسبة لمفاوضات الترحيل، يوضح أنها "تقتصر على مخيم خان الشيح ولا تشمل بقية مناطق الغوطة الغربية، لكن قد تغادر بعض العائلات من القرى المجاورة ممّن لديهم أبناء في الجيش السوري الحر".



وحول الوضع في بلداتٍ في محيط خان الشيح تسيطر عليها المعارضة السورية، يشير أبو سالم إلى أن "قوات النظام سيطرت في الفترة الأخيرة على بلدة الدرخبية وقريتي الوادي ومرانة، كما تقدمت باتجاه المخيم وسيطرت على عدد من المزارع المحيطة به، لكن مقاتلي المعارضة ما زالوا يسيطرون، فضلاً عن مخيم خان الشيح ومزارعه، على بلدات زاكية والمقيليبة والطيبة والكسوة وسكيك ومساكن الضباط والديوانية".

لكن هذه المناطق، باستثناء خان الشيح، عقدت هدناً مع النظام، وتدخلها مواد غذائية، وهي غير مهددة تالياً بالترحيل، ويلفت أبو سالم في هذا السياق، إلى أن "هذا الوضع، جعل مقاتلي المعارضة في خان الشيح يعتقدون أن هذه البلدات خذلتهم".

وحول أسباب تعثر المفاوضات بين النظام والمعارضة في خان الشيح، يوضح ناشطون هناك أن "مقاتلي المعارضة يريدون الخروج باتجاه درعا، في الجنوب السوري، بينما يصر النظام على خروجهم إلى إدلب، في الشمال. كما أن هناك خلافات حول تسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة، إضافة إلى ملف الأسرى، على اعتبار أن المعارضة تأسر قوات النظام، الرافض لإدراج مقاتلي المعارضة في أية صفقة تبادل، ويريد فقط تبادل نساء يخصون مقاتلي المعارضة بالضباط من الطائفة العلوية".

وخلال العامين الماضي والحالي، جرت اتفاقات عدة بين فصائل المعارضة وقوات النظام، قضت بخروج مقاتلي المعارضة إلى مدينة إدلب، وبينها اتفاق الوعر الذي أبرم في 20 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وتعثر مرات عدة، إلى أن خرجت في سبتمبر الماضي دفعة أولى من مقاتلي المعارضة من الحي تنفيذاً للاتفاق. كما تم إبرام اتفاق داريا، بالغوطة الغربية لدمشق، في 26 أغسطس/ آب الماضي، خرج بموجبه مقاتلو المعارضة والأهالي، تلاه اتفاق معضمية الشام، بريف دمشق، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقبله اتفاق قدسيا والهامة في 13 أكتوبر.

مع العلم أن الغوطة الغربية تضمّ نحو 250 ألف شخص، أكثرهم في مدينة الكسوة، التي تضم نحو 150 ألف نسمة مع المهجرين إليها، فضلاً عن وجود 60 ألف نسمة في زاكية و10 آلاف في الطيبة ومثلهم في المقيليبة وأعداد أقل في بقية القرى. كما تشهد اشتباكات عنيفة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في محيط بلدة خان الشيح، أسفرت عن خسائر عدة للنظام على تلة الكابوسية، واندلاع حريق على التلة ومقتل عدد من عناصر قوات النظام ومليشياته.

في المقابل، يواصل النظام قصف المخيم بعنف، حتى أن ثلاث طائرات مروحية رمت أكثر من 15 برميلاً متفجراً، في ظلّ مواصلة الطيران الحربي الروسي غاراته الجوية. وقبل أيام، قُتل أحد أبناء المخيم قنصاً من قبل قناصة النظام، وأصيب آخرون معه، أثناء محاولتهم الخروج من المخيم سيراً على الأقدام لإحضار الخبز من مدينة زاكية.

ويقع مخيم خان الشيح على بعد 27 كيلومتراً غرب العاصمة دمشق، وقد وفدت الدفعات الأولى من اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك المنطقة بعد نكبة 1948. ويُعتبر المخيم من أواخر مناطق نفوذ المعارضة السورية المسلحة بغوطة دمشق الغربية، وهي معرّضة للسيناريو ذاته في الغوطة الشرقية، مع تركيز قوات النظام قصفها على مدينة دوما، معقل "جيش الإسلام".

بالإضافة إلى ذلك، كثفت المقاتلات الحربية التابعة للنظام قصفها بالصواريخ الحرارية منطقة المرج، ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 30 شخصاً. كما طاول القصف الجوي بلدة النشابية ومحيط بلدة الريحان، في حين قصفت مدفعية النظام الثقيلة مدينة دوما وسط تحليق مكثف للطيران الحربي في سماء المدينة. يأتي ذلك، وسط اشتباكات اندلعت بين المعارضة السورية وقوات النظام على جبهتي الميدعاني والمحمدية، في إطار محاولة للنظام السوري التقدم والسيطرة على مواقع المعارضة في المنطقة.

وكانت قد دارت اشتباكات بين الجانبين أيضاً، على الجبهة الشرقية لمدينة دوما، في سياق محاولة قوات النظام السيطرة على مواقع استراتيجية في محيط المدينة، بعد سيطرته على تل كردي، ما جعله على بعد كيلومترات قليلة عن دوما، وسط خلافات مستديمة بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، وهما الفصيلان الرئيسيان العاملان في الغوطة الشرقية.