قصص نحيلة

19 فبراير 2015

كريس روجرز (Getty)

+ الخط -
آلات حادة
حين عاد إلى البيت، شكا له البواب أن المدام رمت فجأة من البلكونة، شنطة صغيرة مليئة بالسكاكين من مختلف الأنواع والأحجام، "الحاجات دي كان ممكن تعوّر حد يا باشمهندس"، صعد إلى البيت، وهو يُقلِّب في دماغه كل التفسيرات المحتملة، خلال تقليبه في الشنطة التي كشفت له عن سكاكين، لم يسبق أن رآها في بيته من قبل. وحين دخل إلى البيت، ورأى زوجته غارقة في البكاء، وهي تجلس أمام التلفزيون، نظر إلى الشاشة المليئة بالصور المفزعة المتلاحقة، فوجد التفسير.
------
أوضاع
كانت تبدو كأنها حققت انتصاراً فريداً من نوعه، قالت، وهي في قمة نشوتها "هل أعجبك هذا الوضع؟"، لم يكن من الحصافة مصارحتها بأنه كان وضعاً غريب الأطوار عديم المغزى ويدفع للقيء. قلت "وهل يحتاج هذا إلى سؤال لقد رأيت بنفسك كم أعجبني؟"، قالت "تعرف؟ أنا فخورة بابتكاري له، ولذلك قررت أن أسميه باسمي"، تملكتني رغبة عابثة في إحباطها. قلت "لكي أكون صادقاً معك هذا الوضع ليس جديداً أبداً"، قالت بذهول "معقولة؟ كيف ذلك؟"، قلت "في بلادي هذا وضع مألوف لدى عامة الناس"، سألتني "ماذا تسمونه؟"، نهضت من السرير متجهاً إلى الحمام، وأنا أقول مغمغماً "عندما يكون لدينا وضع مقلوب ومقرف"، ثم رفعت صوتي لتسمعني "نسميه الوضع الراهن"، قبل أن أصل إلى الحمام سمعتها تقول متحسرة "سألتزم بتسميتكم، سأسميه الوضع الراهن، لكن يوماً ما سيكون لي وضع مبتكر يحمل اسمي".
----
كأنك تعيش أبداً
كانت ترابيزة مطعم الأسماك المزدحم قد جمعتنا مصادفة. كان ممتناً للغاية، لأننا سمحنا له ولزوجته بمشاركتنا الترابيزة، حكى لي ولصديقي قصصاً لطيفة للغاية عن موطنه كولومبيا، وعن عشقه زوجته الإسبانية التي استمر زواجه بها ستين عاماً، وحين سألناه بمزيج من الإعجاب والغيرة: كيف قارب كلاهما على التسعين من دون أن يبدو عليهما أثر العمر العتيّ، أشار إلى الأطباق المتراصة أمامنا، وقال "كل يوم على العشاء نأكل ربع هذه الكمية".
----
لأول مرة
كانت قد أحبت غنائي لها كثيراً، فسألتني "هل غنيت لأحد من قبلي". لم أكن غبياً لأعترف لها أنني غنيت لكل من قبلها، وأن كل واحدة منهن سألتني السؤال نفسه، فأجبت الإجابة نفسها، وأنني سأغني لمن بعدها، وسأجيب الإجابة نفسها، إذا سُئلت السؤال نفسه، ليس لأني مخادع حقير، بل لأنني، في كل مرة، أحرص على تجويد أدائي، كأني أغني لأول مرة.
----
زمن المعجزات
كعادتي كل صباح، حرصت على عدم النهوض من السرير فجأة، تطبيقاً لنصيحة شاهدتها في برنامج طبي ما، حين وضعت قدميّ على الأرض، فوجئت بأن المياه تغمرهما. ضحكت مستغرباً من تحوّل حلم المشي على شاطئ البحر الذي فارقته للتو، إلى حلم "ثري دي"، لم يُغيِّر ضحكي من شعور قدميّ بالمياه، قررت تحريكهما، قبل أن أنظر إلى الأرض، لأتشبث بالحلم حتى آخر لحظة، قبل أن أفتح عينيّ على اتساعهما، وعيناي "فنجَلَتا"، حين سمعتُ صوت طرطشة، اكتشفت، بعدها، أن أرضية الغرفة غارقة في المياه، لا أدري أي تفكير عابث ذلك الذي جعلني أنظر إلى بنطلوني للاطمئنان، مع أن حجم المياه كان يحمل تقديراً مبالغاً فيه لقوة مسالكي البولية، تحوّل المشهد إلى لغز غامض، حين اكتشفت، بعد تفتيش متعجل، أنه لا مياه تأتي من الحمام الملاصق لغرفة النوم، ولا من المطبخ المواجه لها، ولا من أي مكان آخر ظاهر للعيان، قادني تفكير عابث جديد إلى أنني ربما أشهد، الآن، حدوث معجزة، ربما كانت من علامات الساعة، حيث تنفجر الينابيع في الشقق السكنية من خشية الله، وقبل أن أقول "سبحان الله"، وأنا أنظر خاشعاً إلى الباركيه المستقر في مكانه، من دون أن يحركه تفجر النبع، بدا لي أنني أسمع صوت تدفق هادئ لماء، لا يرقى إلى وصفه بالخرير، فهو إلى "الخرّ" أقرب، انحنيت أسفل السرير متتبعاً مصدر الصوت، فرأيت الماء ينساب من الحائط الملاصق لشقة الجيران، التي اتضح أنها غرقت بأكملها، وأغرقت الشقتين المجاورتين لها، حين أتذكّر، الآن، كيف تبدّل بحثي الهادئ بعد الاكتشاف مباشرة، إلى ذعر هستيري، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أفكر أن الإنسان منّا أصبح هذه الأيام يحتاج معجزة، لكي يتصرف بهدوء، حين تحل عليه المصائب.
دلالات
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.