قصص نحيلة

25 يونيو 2015

أمنيتي أن أجد عزيزة جلال واقفة في قلب الصالة

+ الخط -
لقاء في الصالة 
وأنا ذاهب إلى الحمام منذ قليل، لأفك زنقة عاجلة، قابلني ملاك خارج من الحمام. ومع أنني لم أكن قد تشرفت برؤية ملاك من قبل، لكني لا أدري كيف، عرفت فور رؤيتي ذلك الخارج من الحمام أنه ملاك، لأنه كان، ببساطة، يشبه الملائكة، كما يظهرون دائما في أفلام الكرتون: جناحان أبيضان لا يرفرفان، وهالة نورانية ووجه شاحب وفانلّة ناصعة البياض، الشيء المختلف في مظهره أنه كان يمسك فوطتي "النبيتي" بيده، ويمسح بها منطقة عارية وحساسة في النصف الأسفل من جسده، بدا غريباً لي أن تلك المنطقة بدت متغيرة المعالم، بحيث تتشكل كل ثانية متخذة شكلاً مختلفاً تماماً، والملاك لاحظ أنني منشغل في إمعان النظر إلى منطقته الحساسة، أكثر من اندهاشي من وجوده، أو من قدرتي على رؤيته، فقال لي، ربما بهدف اللغوشة على المصادفة التي جعلتني أراه: شوف يا سيدي، نحن الآن في الهزيع الأخير من ليل الجمعة، وقد جئت إليك مكلفاً بأن ألبي لك أي أمنية تطلبها.
قلت له، وأنا أمسك "الميّة" بصعوبة: مع احترامي ملائكيتك، لن تستطيع تلبية أمنيتي أبدا. قال لي: هل أنت مجنون؟ يمكن لي الآن أن أريك بعضاً من قدراتي، وستندهش منها إلى درجة أنك ستعملها على روحك، لكني لا أريد أن أضيع وقتك في تنظيف الصالة، فتضيع بذلك فرصتك في تحقيق الأمنية. قلت له من دون طول تفكير: طيب، أمنيتي أن أخرج من الحمام بعد قليل، فأجد عزيزة جلال واقفة في قلب الصالة، وهي بملامحها المختلفة التي كانت عليها عام 1988 وما حوله، ليس لي طلبات معينة في ما ترتديه أو لا ترتديه، سوى أن تكون مرتدية نظارتها الشهيرة، وأريد، حين أعود، أن أجدها تغني "إيه ده يا حبيبي إيه ده يا حبيبي"، شريطة أن تغنيها بشكل ملغز ومفعم بالإيحاءات، بحيث لا يتبين لي من أول وهلة، هل ما تغنيه تساؤل حائر كما ورد في نص الأغنية الأصلي، أم أمر صريح لي بأن أهدأ وأستهدا بالله.
قلت له ذلك، ودخلت إلى الحمام مسرعا، وعندما خرجت، كان ثمة نار صغيرة في طريقها إلى الانطفاء في المكان نفسه الذي كان يقف فيه الملاك، فيما كان كائن قبيح أحمر الوجه بقرنين نابتين في رأسه، يجلس على الكنبة منجعصا، ممسكاً بريموت التلفزيون المطفأ، وينظر إلى النار الموقدة بسعادة بالغة، ليختفي فجأة، بعد أن قال لي ضاحكاً "برافو عليك حرقت دمه".
....
سوء تفاهم
سحرتني ضحكاتها له، وذهبت بي بعيداً، بعيداً جداً، وعندما استعدت ذاتي، قررت أن أذهب إلى حيث كانا يجلسان في ركن الكافيه، لأقول له بعد مساء الخير: لا أريد منكما شيئاً، وأتمنى لكما الخير، فقط هل يمكنني أن أجلس في مقعدك للحظة، وأطلب منها أن تضحك لي تلك الضحكة الفاتنة التي كانت تضحكها لك، لا أريد أن أضايقكما أبدا، أريد فقط أن أتذكر ضحكة من أحب، فضحكتها الفاتنة تشبهها، هذا كل ما في الأمر. وعندما اقتربت من ترابيزتهما، كنت أفكر أن المشكلة ليست فيها هي، المشكلة فيه هو، وفي تفهمه لمطلبي البسيط. بعد قليل، وعندما عدت لأستقر على ترابيزتي، بشعر منكوش وهالة سوداء حول عيني وكرامة مبعثرة في أرجاء المكان، كنت أضحك من كل قلبي، لأنني لم أستطع أن أنسى أنها عندما كانت تراقب فتاها وهو يضربني، كانت تضحك تلك الضحكة.
.....
خارطة طريق
بالتأكيد سينتصر الحق على الباطل يوماً ما. ليس عندي أدنى شك في ذلك. ذات يوم، سينتحر الباطل، بعد أن يصاب بنوبة اكتئاب حادة، لأنه لم يعد في الحياة جديد، ولأن لعبة انتصاره على الحق لم تعد مسلية ألبتة. عندها فقط سيجد الحق نفسه وقد انتصر، لأن خصمه انسحب، وأنصار الحق ستغمرهم الفرحة في البداية، ثم عندما يكتشفون الحقيقة، ستبوخ فرحتهم، وتتحول إلى حزن حقيقي، سيجعلهم يبصقون في وجه الحق، ويقولون له "إنت بتسمي ده إنتصار يا معفن"، والحق سيكتئب حينها اكتئاباً عنيفاً حاداً، يشبه اكتئاب الممثل إبراهيم يسري في الجزء الثاني من (المال والبنون)، وسيتمنى الموت مليون مرة، فلا يأتيه، وسيفكر الحق مليا في الانتحار. لكن، ما سيمنعه كل مرة مخافته أن يقول الناس عنه بعد موته "الله يلعنه عاش مهزوم ومات كافر".
دلالات
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.