قصص عربيّة قديمة عن الطيور

19 أكتوبر 2016
يرى الماء عن بعد (براكاش ماثيما/ فرانس برس)
+ الخط -
عادة ما تكون رائحة الهدهد نتنة. فوق رأسه قزعة سوداء، وهو أسود البراثن، أصفر الأجفان، يقتات الحبوب والدود، ويرى الماء عن بُعد ويشعر به في باطن الأرض، فإذا رفرف فوق موضع عُلِم أن فيه ماء. ويقول الجاحظ: زعموا أنّه هو الذي كان يدل سليمان على مواضع الماء في قعور الأرضين، وقد ذكروا في سبب نتن رائحته أن ذلك عائد إلى أنه يبني بيته من الزِّبل أو إلى تلك الجيفة النتنة في رأسه. ويزعم العرب أن أم الهدهد لمّا ماتت جعل قبرها على رأسه، فجعل الله له تلك القزعة على رأسه ثواباً له على ما كان من بره لأمه. وقيل: بل هو منتن من نفسه من غير عرضٍ عرَضَ له، شأنه في ذلك شأن التيوس والحيّات وغيرها.

من الناحية العلمية، فإن للهدهد نظاماً دفاعياً في العش. فالغدّة الزيتيّة لدى الأنثى الحاضنة والمربية تتغيّر بسرعة لتنتج رائحة نتنة كرائحة اللحم المتعفن، كما تفعل الغدد الزيتية لدى الصغار في العش الشيء نفسه. لهذه الإفرازات من الغدة مفعول ضد البكتيريا وتأثير مضاد للطفيليات ومنفّر للأعداء الطبيعيين.

ويعتبر الطائر الذي نعرفه باسم "الغراب" من أكثر الطيور التي حظيت بالاهتمام في التراث الشعبي الإنساني عامة. وتجمع هذه الإشارات على أن الغراب طائر مشؤوم وأنه نذير بالموت والخراب ودليل على الفراق والتنائي. والعرب، كغيرهم من الأمم، يتشاءمون من الغراب، ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب، وتشيع في لغتهم عبارة "غراب البين". ويقول صاحب "المجالسة": سُمّي غراب البين لأنه بان عن نوح لما وجّهه لينظر إلى الماء، فذهب ولم يرجع، ولذلك تشاءموا منه. ومن الطريف أن بعض الأساطير القديمة تقول إن الغراب كان في وقت ما أبيض اللون، ثم تحوّل إلى اللون الأسود، وتفسير ذلك في التراث الشعبي المصري أن الغراب لمّا عاد إلى نوح، وأخبره بأنه لم يجد اليابسة، غضب نوح، ودعا عليه بأن يسوَدّ لونه.

إن رؤية العرب لبعض الكائنات كانت مختلفة عن رؤية الغربيّين لها. فلقد جاء في المعجم الوسيط أن "البومة طائر يكثر ظهوره باللّيل ويسكن الخراب، ويضرب به المثل في الشؤم وقبح الصورة والصوت". فلم ير العرب في البومة إلا رمزاً للخراب ونذيراً بالشؤم. فهذا كائن ليلي، وحشي الطبع، يصدر أصواتاً مخيفة، فإنه بالتالي رمز شرير. وفي كليلة ودمنة، نجد قصة لطيفة أيضاً عن نزاع دار بين البوم والغربان، وقد أظهرت القصة أن الغربان أكثر ذكاءً من البوم، في حين وصف البوم على لسان الغراب بأنه "أقبح الطير منظراً، وأسوأها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً وأبعدها من كل رحمة". أما في الثقافة الغربية، فإنّ هذا الطائر يعد رمزاً للحكمة، لأنه يميل من ناحية إلى الصمت ومن ناحية أخرى إلى التواجد في الأماكن المهجورة.

(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

اختصاصي في علم الطيور البريّة
دلالات
المساهمون