وركز الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، الدكتور معين حمزة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على هامش حفل تكريم 29 طالباً متفوقاً هذا العام في شهادة الثانوية العامة، على أن التعليم الرسمي في لبنان خرّج نسبة متفوقين بلغت 30 في المائة، معتبراً أن تلك النسبة مؤشر على "اعتناء المدرسة الرسمية بطلابها".
وتعرّف "العربي الجديد" إلى بعض المتفوقين، وإلى الخطوات التي اتبعوها ومكنتهم من احتلال المراكز الأولى في البكالوريا اللبنانية، إلى جانب طبيعة الاختصاص الذي ينوون متابعته في الجامعة، وذلك على هامش الحفل التكريمي، الذي حضره وزراء ومسؤولون سياسيون وأكاديميون.
الأمومة ليست حاجزاً أمام التفوق
وبدا لافتاً تفوق الطالبة ديانا محمد عيديبي (32 عاماً) وهي أم لثلاث فتيات، والتي عادت لمقاعد الدراسة بعد 16 عاماً من الانقطاع عنها. وتروي عيديبي لـ "العربي الجديد" قصتها، فهي تركت المدرسة في سن السادسة عشرة رغم تفوقها آنذاك، لأنها تزوجت في سن مبكرة. لكن فكرة العودة للدراسة لم تفارقها، رغم أن الظروف كانت تعوقها. لكنها تشير إلى أن انتقال أهلها للسكن بقربها غيّر ظروفها، إذ ساعدوها على الاعتناء ببناتها. عندها قررت ديانا التقدم إلى امتحانات الثانوية العامة فرع الإنسانيات بطلب حرّ، وحققت التفوق وحلت في المرتبة الخامسة، وذلك بعد شهر من الدراسة المكثفة.
وتتابع ديانا أنها قابلت النتيجة بذهول ولم تصدق في البداية. ورغم تفوقها إلا أن حسابات الأم لم تفارقها، لذلك اختارت التخصص بالترجمة، كونه اختصاصا يتناسب مع دورها كأم لثلاثة أطفال. وعلى مشارف دخولها الجامعة تعبر ديانا عن مشاعر مختلطة بين القلق والاستغراب والفرح لأن "الجامعة شيء جديد".
التفوق يذلل عقبات البطالة والواسطة
فرحة التفوق كانت مضاعفة في منزل الطالبين رشاد وأحمد أبو ضاهر، وتمكن التوأم من مرافقة بعضهما حتى في لحظات التفوق والتكريم. إذ حلّ رشاد في المرتبة الثانية بفرع العلوم العامة، وحصد أحمد المرتبة الرابعة في فرع الاقتصاد والاجتماع. ويفاخر أحمد في حديثه إلى "العربي الجديد" بذكاء أخيه رشاد وتفوقه ما جعله يتمثل به. ويخبرنا أن رشاد كان من بين العشرة الأوائل في الشهادة المتوسطة، ولدى اقترابه من استحقاق الشهادة الثانوية أقتنع أحمد بأن التفوق ليس مهمة صعبة. ورغم اختياره الاتجاه الأدبي عكس أخيه، يقول إنهما ساعدا بعضهما بعضاً معنوياً وعلمياً، وعملا معاً على تذليل العقبات التي كانت تواجههما.
ويعبر الشقيقان عن نيتهما البقاء في لبنان وعن قناعتهما بأن التفوق سيجنبهما معاناة البطالة. ويبدو أن رشاد اختار تخصص الطب رغم ميله للهندسة خوفاً من عدم توفر فرص العمل في هذا المجال لاحقاً. في حين يسير أحمد بثقة أكبر باتجاه دراسة الحقوق طامحاً بأن يصبح قاضياً. "نحن نعاني من نقص في العدالة وآمل أن أستطيع إحداث تغيير ما" يقول أحمد. ويكمل معبراً عن عدم خوفه من أن تقف الواسطة عائقاً أمام تحقيق حلمه، "فالمتفوقون لا يخشون البطالة، إذ لا يمكن أن تغلق بوجههم جميع السبل".
تفوق وطموح
شعور أحمد بنقص العدالة والواقع السيئ يشاركه إياه متفوقون آخرون عبروا عنه في حديثهم لـ "العربي الجديد". من بينهم ميرا الحلبي التي حلت في المرتبة الأولى فرع الآداب والإنسانيات، والتي لم تتوقع تفوقها كونها كانت تتحضر لامتحانات الثانوية العامة وفق المنهاجين، اللبناني والفرنسي. وهي على عكس رفاقها أصرت على تقديم البكالوريا وفق المنهاجين. ورغم أنها أعطت الأولوية للبكالوريا الفرنسية، إلا أن الشهادة اللبنانية منحتها المرتبة الأولى، بحسب تعبيرها.
وعن اختيارها دراسة الترجمة، تقول ميرا إن الكتب المترجمة التي قرأتها خلال العام الماضي بينت لها مستوى الترجمة الضعيف والمتدني. فاختارت دخول هذا المجال لتتمكن من نقل ما تنتجه البلاد الأخرى من كتب بشكل صحيح، لأن ذلك "سيساهم بتنمية الفكر في لبنان"، وفق تعبيرها. ولن تكتفي ميرا بدراسة تخصص واحد بل ستدرس الأدب العربي أيضاً.
التفوق... مثابرة وجهد شخصي
وتجمع الطالبتان غادة أمهز (المرتبة الثانية في العلوم العامة- ثانوية العين الرسمية) وديما داوود (المرتبة الرابعة في العلوم العامة- ثانوية حسن كامل الصباح الرسمية) على أن ما حققتاه أتى نتيجة مثابرتهما وجهودهما الشخصية. فالطالبتان سعتا للحصول على تمارين إضافية من خلال البحث عبر الإنترنت وعلى امتحانات المدارس الأخرى.
وترى الطالبتان أن التفوق الذي حققتاه أمر عادي لا يحتاج إلى ضجة. وتقول غادة إنها سعت للتفوق في الثانوية بعد إصرار أهلها كونها حلًت في المرتبة الثالثة في امتحانات الشهادة المتوسطة. ورغم حلولها ثانية إلا أن نجاحها أضفى على أهلها وأبناء منطقتها مشاعر الفخر والسعادة. ويبدو أنها ستكمل في ذلك إذ اختارت دراسة الطب إرضاءً لرغبة والديها.