قشة الغريق (1)

29 يونيو 2020
+ الخط -
لا يخفى على أحد الوضع الكارثي في مصر والذي يمهد لحدوث بركان من الغضب لا محالة في ذلك، وكما قال الفيلسوف والشاعر محمد إقبال لابد للمكبوت من فيضان، وها نحن نشهد فترة من الكبت لا مثيل لها فمتى سيحدث هذا الفيضان؟!

كاد أن ينطفئ بريق الأمل في أن يقوم الشعب المصري ثأراً على هذا النظام المستبد لولا احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2019، وها هو الشعب المصري من جديد يكتب صفحة جديدة في كتاب نضاله بدمه الحر غير مبالٍ بتلك القبضة الأمنية، وينهي ذلك الفصل من الرواية بنهاية غريبة الشكل حيث العودة إلى الديار تاركاً الساحات والميادين أملاً في التظاهر مرة أخرى، وربما كانت تلك الفرصة الذهبية للخلاص لكنها فرصة ضائعة بسبب صاحب دعوة التظاهر وعدم إدراكه عن ماذا بعد التظاهر.

تمضي الأيام والشهور وتزداد شراسة النظام المصري أكثر ويعود الحال لما كان عليه من قبل، وتظهر كارثة جديدة ليست في مصر فقط بل في العالم بأسره ألا وهي جائحة كورونا، ذلك الفيروس المستجد الذي شل حركة العالم، وهنا يظهر أمل جديد بعد أن أفرجت العديد من الدول عن المعتقلين لديها، فحلم الكثير من ذوي المعتقلين في مصر أن يفرج السيسي عن أهاليهم فالأمر إنساني بحت.


فالجميع يدرك خطورة هذا الفيروس، ويتجاهل نظام السيسي كل هذا بل ويزيد من اعتقال النشطاء في مصر، بل ويلاحق من خارجها، ولا غرابة في ذلك، فنحن أمام عصابة تريد أن تخلص على كل من يعارضها، فكيف لها أن تفرج عنهم. وهنا يظهر الضعف والوهن الحقيقي أن يصبح الأمل في فيروس يمكنه أن يجبر السلطة على أن تفرج عن المعتقلين، وأن يقوم بما فشل الكثير في فعله في تحرير هؤلاء الأبرياء.

بنظرة أوسع للمشهد في مصر ما الذي ينقصنا لكي نثور مرة أخرى؟
ربما الوعي.. لكن الغالبية العظمى أدركوا سفه هذا النظام وقبحه إلا المنتفعين من بقائه والمغيبين، ولا نعول على تلك الشريحة، فهم مع من يملك القوة دائماً؛ إذاً فهو افتقاد العامة للقائد الذي يلتفتون حوله، وأكبر دليل على ذلك عندما وجد الناس من يشبههم "محمد علي"، صاروا في ركبه وأطاعوه، وحينما أدركوا عدم إلمامه بالمشهد وفقدانه لأساسيات العمل السياسي زهدوا في أمر الثورة. لا أدون كل هذه الكلمات من أجل الذم في شخص محمد علي ولا من أجل البكاء على اللبن المسكوب، بل من أجل التمعن والتدبر فيما حدث ربما نتحاشى حدوثه مرة أخرى.

يوجد في مصر الكثير من المفكرين والساسة، ولكن لا تتوفر لهم الظروف كي يشعلوا فتيل الثورة، وإن توافرت لهم الظروف فهم لا يصلحون لتلك المهمة، فهم أصحاب ايدولوجيات لم يعد يقبل بها الشعب المصري، الأمر الذي يجب أن ندركه جميعاً قبل أن ننادي بالثورة وإسقاط النظام، يجب أن ندرك جيداً أهمية الشخص المفقود الذي سيقود الحراك ويبدأ بالترتيب والتخطيط لأمر الشعب بالمشاركة مع من حوله من الثوار حتى تنجح الثورة.

ليس هذا فحسب.. فهناك أشياء عديدة من أجل أن تتوافر البيئة الخصبة لقيام الثورة وأن ينقذ هذا الشعب نفسه قبل أن يهلك في الغرق. وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقاً.

يتبع..

مدونات أخرى