كانت تقع قرية جريشة المهجّرة على بعد 12 كم من مدينة يافا الساحليّة، وبالتحديد على الضفّة الجنوبيّة لنهر العوجا التاريخي (والذي يسمى في العبريّة بنهر اليركون) شمالي شرق المدينة المركزيّة التي أحاطتها ما يقارب خمسٌ وعشرون قرية عربيّة ما قبل النكبة.
وكان موقعها يبعد ما يقارب مئتي متر من تل جريشة، الموقع الأثري الذي يعود تاريخه إلى أوائل العصر البرونزي الثاني (2800-2600 ق.م.) وفي العصر البرونزي الأوسط (2000-1500 ق.م) أصبح الموقع مدينة من مدن الـ"هكسوس" الحصينة. ومن ثم نشأت القرية الفلسطينيّة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
في عام 1596 وهو العام الذي ابتدأ تدوين المعطيات العامّة للقرى والمدن الفلسطينيّة، كانت قرية جريشة (التي يُرجح أن اسمها اشتق من فعل جرش وذلك بسبب موقعها القريب من الطواحين التي كانت في القرية) في ناحية بني صعب من لواء نابلس، وعدد سكّانها ما يقارب المئة وواحد وعشرين نسمة. وكانت القرية مثلها مثل باقي القرى الفلسطينيّة تؤدّي الضرائب على الجواميس والماعز وخلايا النحل.
تشير المصادر التاريخيّة إلى أنه كان للقرية بئر وطاحونة تتفرّع لسبعة أجزاء (أنظر بقايا الطاحونة في الصورة) وسكّانها من المسلمين الذين عملوا في الزراعة، إذ كانت مساحة أراضي القرية الزراعيّة 302 دونم مخصّصة للحمضيات والموز، ومساحة 89 دونمًا مرويًا أو مستخدمًا للبساتين، بالإضافة إلى تربية المواشي، بالإضافة إلى العمل في قطاع الخدمات في يافا. كما وكانت القرية قريبة إلى الغابات الطبيعيّة التي ملأت منطقة نهر العوجا، الأمر الذي جذب أهالي يافا للتنزّه وبشكل خاص في فترة الربيع وعيد الفصح المجيد والعطلة الصيفيّة.
احتلال القرية
سقطت القرية مثل باقي قرى يافا، قبل انسحاب الجيش البريطاني وإعلان اليهود عن دولتهم على حساب الفلسطينيين المهجّرين والمنكوبين والمقتولين، وبالتحديد في الأوّل من إبريل/ نيسان عام 1948، إذ يعتقد أن أهالي القرية نزحوا من قريتهم بسبب الحدث الذي حصل في القرية المجاورة المسماة أبو كشك، والذي أشار إلى اختطاف خمسة من زعماء القرية، وذلك من أجل ترهيب السكّان الآمنين وخلق الفوضى وترك المجال لهم بالنزوح شرقًا إلى مناطق لم تستولِ عليها القوّات اليهوديّة، وبالتحديد المناطق التي حماها الجيش الأردني في تلك الفترات مثل قرى المثلث الفلسطينيّة (جنين ونابلس وطولكرم). وبعد التهجير سيطرت القوّات الإسرائيليّة على القرية وضمّت إسرائيل مساحات شاسعة من مسطّحات القرية لمستعمرة رمات غان التي تأسّست عام 1921 جنوبي غرب القرية.
وفي حديث مع سيّد طوخي من سكّان يافا، والذي تنحدر أصول عائلته من قرية جريشة، قال لـ "العربي الجديد": "إن قرية جريشة تهجّرت ما قبل النكبة ببضعة أشهر، إذ الرواية العائليّة تقول أن جدّي والد والدتي لم يرض بترك فلسطين وصمّم البقاء في يافا رغم الفوضى والوضع الصعب الذي حصل جراء الأحداث التي كانت وقتها والتي تدهورت ووصلت إلى أوجها في شهر مايو/ أيّار من عام 1948، وإصرار جدّي كان معاكسًا لقرار أخيه الذي قرّر أن يترك البلاد وأن يبحث عن مكان آمن بسبب الأحداث التي تطوّرت إلى معارك ودمار شامل".
وأضاف طوخي أن العائلة نزحت في شهر نيسان إلى حيّ المنشيّة الذي لم يُدمّر بعد، ولكن سرعان ما تدهورت الأوضاع في الحي وتم الاعتداء عليه من قبل المليشيات الصهيونيّة في أواخر شهر نيسان، ولم يبق أهالي الحي فيه، إذ نزحت الأغلبيّة إلى مناطق أخرى كنابلس والسعوديّة وغيرها، ولكن مثلما ذكرت من قبل، بقي جدّي في يافا حتى بعد تدمير المنشيّة وسكن في أحد بيوت البلدة التي تهجّرت هي الأخرى بمعظمها.
أمّا أملاكه وأملاك عائلته في الجريشة فتعتبر أملاك الغائبين حتى يومنا هذا، والدولة لا تريد بطبيعة الحال أن تعترف بالشهادات الرسميّة التي نمتلكها، وفي الحالة الجيّدة تريدنا أن نتنازل عن هذه الأملاك مقابل مبلغ زهيد لا يساوي قيمتها الحقيقيّة".
هكذا يتعامل كيان الاحتلال الإسرائيلي مع أصحاب الحق، إذ إن تل أبيب واعية تمامًا أنها مغتصبة أرضًا ليست ملكها، ومحرّمة العودة من أصحابها إليها.