ويضيف عياشي، في حديث لـ"العربي الجديد": "جرت العادة أن نقيم مهرجانا ليلة النكبة على أرض الدامون، لكن تجربة المبيت كانت خطوة مميزة إلى حد كبير. أعادت إلى ذهني تجربة مشابهة حين نمت مع قريب لي عند عين الماء في القرية وأنا طفل في الخامسة من عمري. ليس هناك أجمل من أن أنام في قريتي المهجرة، متمسكا بأمل العودة. ليس هناك أجمل من مراقبة بزوغ الفجر من على هذه الأرض واستنشاق الهواء العليل".
ويرى عياش أن الأهم مواظبة الأجيال الجديدة من أبناء القرية على زيارة الدامون، وكذلك أبناء القرى المهجرة الأخرى.
أفراح وأتراح الدامون
في عقل وقلب الحاجة سميرة عثمان تعتمل الذكريات. "ذكريات موجعة"، كما تقول، وهي تعاين ركام القرية.
"كان عمري نحو 11 عاما حين تهجرنا من الدامون، وكلما زرت هذا المكان أعيش تلك اللحظات من جديد. أمور كثيرة لا يمكن أن أنساها".
واختارت أن تتحدث لـ"العربي الجديد" عن بعض العادات الاجتماعية التي سادت القرية: "كلنا كنا أهلاً في هذه البلدة، من مسلمين ومسيحيين. كانت أعراسنا واحدة وأتراحنا مشتركة. تعلمنا القراءة والكتابة وقتها بعد أن دعتنا الراهبات في الكنيسة إلى ذلك، لكن الأمر لم يدم، فبعد فترة قصيرة تهجرنا ولم نعد".
"الله يساعد الناس" أردفت، "أشتاق جدا إلى الدامون. يخطر ببالي دائما كيف كنا وكيف صرنا. لو عاد الزمن بالناس إلى الخلف لما خرج أحد من هذه القرية حتى لو داسونا بالدبابات".
ولم تنس الحاجة سميرة أن تدعو بأن يفك الله قيد الأسرى الفلسطينيين، الذين يخوضون في هذه الأيام إضرابا عن الطعام.
"ليتنا متنا في بيوتنا ولم نخرج"
الحاجة منى عياشي، قالت لـ"العربي الجديد" بغصّة، وهي تجلس على كرسي في خيمة نصبت على أرض الدامون: "كان عمري نحو 12 عاما عندما رحّلونا عن هذه البلدة"، قاطع حديثها عجوز آخر، سمع حديثها واكتوى بنار الذكريات، وبدأ يذكرها ببعض الأمور.
استأنفت الحاجة منى حديثها: "كنا نأمل بالعودة، لكن للأسف أشعر أن هذا الأمل ليس كبيرا، أو على الأقل ليس في الفترة القريبة. أما الاشتياق لهذا المكان فلا يفارقني وأزور القرية دائما مع أبنائي. أذكر الكثير من الأمور التي علقت في ذاكرتي. تركنا البيوت مفتوحة وأخذنا بعض الخبز لنأكل على الطريق. انتظرنا كل يوم حتى نعود، لكن الأمر طال وفي نهاية الأمر لم نعد. الكثيرون تابعوا طريقهم شمالا باتجاه لبنان، لكني اخترت البقاء في البلاد".
اختتمت حديثها لـ"العربي الجديد"، قائلة "ليتنا متنا في بيوتنا ولم نخرج".
ليلة العودة إلى الدامون
كاسترو عثمان، بقي حتى ساعات الليل المتأخرة على أرض الدامون، بعد مشاركته بمهرجان "ليلة العودة إلى الدامون الثالثة"، ومنذ ساعات الصباح المبكرة عاد إليها مجددا.
وشهدت القرية مهرجانا بحضور العشرات، في ساعات الليل، تحول إلى حدث سنوي مع ذكرى النكبة، تبعته مسيرة صباحية بمشاركة أهالي القرية وآخرين، اليوم الثلاثاء.
وشهد المهرجان حكايات أناس عاشوا في القرية، ذُرفت الكثير من الدموع خلالها، كما تخللت الأمسية فقرات فنية ملتزمة.
يقول كاسترو لـ"العربي الجديد"، إن "ليلة العودة إلی الدامون الثالثة شهدت حضورا كبيرا من ألوان طيف عائلات الدامون. شعرت أنني بعرس وطني كبير. لمسنا الدموع في عيون المسنين، حزنا على سرقة هذه البلد إبان النكبة، بعد أن كانت عامرة بأهلها. سرقوا الفرح من عيون الأهالي منذ ذلك الحين".
يضيف: "أنا علی تواصل دائم مع هذا المكان. قريتي التي هُجّر منها أهلي لا يمكن أن أنساها. اعتدت على اصطحاب أولادي إليها من فترة إلى أخرى لتعريفهم بها ولكي يواصلوا حمل الراية، ويتعرفوا على الظلم الكبير الذي لحق بنا. أشرح لهم عن كل زاوية لدي معلومات عنها. العودة إلی الدامون حلم أتمنى أن يتحقق ولن ننسى".