قروض مسمومة

24 اغسطس 2016
6% سعر الفائدة على السندات الدولية التي تطرحها مصر(Getty)
+ الخط -

تطرق الحكومة المصرية أبواب الشرق والغرب للحصول على قروض سريعة تحقق من خلالها عدة أهداف، منها مواجهة قفزات سعر الدولار مقابل الجنيه، وكبح الاضطرابات العنيفة في سوق الصرف، والحيلولة دون انهيار احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، خاصة مع الضغط المستمر عليه لسداد مستحقات الدائنين الخارجيين وتلبية احتياجات السوق الدولارية، وأخيراَ علاج عجز الموازنة العامة للدولة وخفض الدين العام الحكومي وسداد رواتب الموظفين في مواعيدها بدون تأخر.

وبالتالي، فإن حديث الحكومة عن توجيه حصيلة القروض الخارجية لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي وتخفيف العبء عن الطبقات الفقيرة والكادحة وخفض الأسعار وتنفيذ مشروعات استثمارية لصالح المواطن، هو نوع من الوهم والدعاية الفجة التي لم يعد يصدقها رجل الشارع خاصة مع الضغوط المعيشية التي يعاني منها.

والملفت هنا أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن خطة لخفض الإنفاق العام وعجز الموازنة العامة تخصص 100 مليون جنيه من موازنة الدولة لتمويل صندوق علاج القضاة، كما تفرض رسوما على المصريين للمساهمة في تمويل صندوق يستطيع المستفيدون منه تمويله بسهولة لحصولهم على رواتب ومكافآت وحوافز مستمرة وعالية.

هذا لا يعنينا الآن، لكن ما يعنينا هو ذلك الإسهال في الاقتراض الخارجي والتكلفة العالية التي تتحملها البلاد اليوم ومستقبلا مقابل هذه القروض.

آخر ما اتفقت عليه الحكومة من قروض خارجية هو قرض بقيمة مليار دولار ستحصل عليه من الإمارات، وخلال أيام يصل قرض بقيمة 2 مليار دولار من السعودية، وبعدها سيصل 3 إلى 4 مليارات دولار هي حصيلة سندات دولية من المقرر أن تطرحها الحكومة نهاية الشهر الجاري أو بداية أكتوبر/ تشرين الأول القادم على مستثمرين دوليين وبنوك ومؤسسات مالية وصناديق استثمار للاكتتاب بها.

الحكومة تسابق الزمن لاقتراض 6 مليارات دولار بشكل عاجل، باعتبارها أحد شروط صندوق النقد الدولي للإفراج عن الدفعة الأولى من قرضه البالغ 12 مليار دولار.

توسع الحكومة في الاقتراض الخارجي بات مسألة معروفة للقاصي والداني، لكن يبقى السؤال عن تكلفة هذه القروض.

لا نتحدث هنا عن تكلفة سياسية أو عن التزامات الحكومة للجهات الدائنة بتنفيذ شروط صعبة، منها خفض قيمة العملة وزيادة الضرائب وتطبيق قانوني ضريبة القيمة المضافة والخدمة المدنية وخفض الدعم المقدم للخدمات الجماهيرية، مثل الكهرباء والمياه والبنزين والسولار ومترو الأنفاق وغيرها.

نحن هنا نتحدث عن التكلفة المباشرة والمتعلقة بسعر الفائدة المستحق على القروض، ومدى قدرة الخزانة العامة على سداد هذه القروض والأعباء المترتبة عليها مستقبلاً.

وحسب تصريحات أخيرة لنائب وزير المالية المصري للسياسات المالية، أحمد كوجك، فإن مصر تتوقع أن يبلغ سعر الفائدة ما بين 5.5% و6% على السندات الدولية التي ستطرحها خلال أيام كما قلت، وهو سعر مرتفع مقارنة بالأسعار السائدة على القروض التي تحصل عليها دول بالمنطقة.

فإمارة أبوظبي اقترضت خمسة مليارات دولار في أبريل/نيسان الماضي عبر طرح سندات دولية بسعر فائدة 2.218% لسندات السنوات الخمس، و 3.154% لسندات الـ10 سنوات، وهناك دول أخرى اقترضت بأقل من هذا السعر.

لا أتحدث هنا عن دول غربية تنتمي لمجموعة الثمانية الصناعية الكبرى أو لمجموعة العشرين، بل أتحدث عن دول قد لا تمتلك نفس الإمكانيات الاقتصادية التي تمتلكها مصر.

إذن الحكومة تقترض بأسعار فائدة تزيد كثيراَ عن الأسعار السائدة في العالم، والسبب معروف وهو زيادة المخاطر المالية والاقتصادية والسياسية، ووقوع الحكومة تحت ضغوط داخلية تتعلق بتفاقم مشكلة الدين الداخلي وعجز الموازنة، وضغوط خارجية آخرها شروط صندوق النقد الدولي المتعلقة بضرورة تدبير مصر 6 مليارات دولار قبل الإفراج عن الشريحة الأولى من قرضه، ولذا فإن المقرضين الدوليين يعتبرون إقراض مصر في هذا التوقيت "لُقطة" وفرصة ذهبية.

المساهمون