تتفاخر سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي في مصر، دوماً بتوسّع حكومتها في الاقتراض من الخارج، لأنه على حد قولها "يساهم في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ويمهد البنية الأساسية الجاذبة للاستثمارات"، بل وتتفاخر الوزيرة أكثر، في شهادتها أمام اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، أول من أمس الأحد، حينما تعتبر أن الاقتراض الحكومي الخارجي "استثمار للمستقبل، وليس تكلفة تتحملها الأجيال القادمة".
لا أعرف بالضبط ما علاقة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين من رغيف خبز وغذاء وأنبوبة غاز ووقود وكهرباء وكوب مياه ودواء وتعليم، بالحصول على قروض خارجية، اللهم إلا إذا تعاملنا مع الاقتصاد المصري على أنه بات عالة على دول خليجية بعينها، يعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة من خلال المنح والمساعدات النقدية والنفطية المقدمة بشكل مستمر له، كما بات هذا الاقتصاد، الذي كان يصنف على أنه الثالث في المنطقة، عالة على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
ولا أعرف كذلك هل تفهم الوزيرة قواعد ألف باء الاقتصاد التي تقول إن القروض الخارجية توجه لتمويل مشروعات استثمارية محددة في حاجة لنقد أجنبي لشراء مواد خام وسلع مستوردة، لا أن يتم توجيه هذه القروض لسد العجز في الموازنة العامة للدولة كما تفعل حكومتها.
ولا أعرف ثالثا من أين سيتم سداد هذه القروض الخارجية إذا لم يتم تحميلها على الأجيال القادمة التي بات مستقبلها بالغ القتامة في ظل إصرار الحكومات المتعاقبة على تحميلها بالديون والأمراض والجهل والبطالة والفقر.
ألا تعرف الوزيرة، سحر نصر، أن الدَّين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، وقديماً قالت العرب، إياكم والدَّين فإن أوله همّ وآخره حرب، أم أن الوزيرة لا تعرف هذه الأمثلة العربية؟
الملفت أن فخر الوزيرة اللامحدود بالاقتراض الخارجي جاء بعد ثلاثة أيام فقط من الأرقام الخطيرة التي كشف عنها البنك المركزي المصري، وأكد فيها حدوث قفزة في إجمالي الدين الخارجي لمصر، حيث تجاوز هذا الدين 53.4 مليار دولار في الربع الثالث من العام المالي الجاري (2015-2016)، الذي انتهى في 31 مارس الماضي، مقابل 39.9 مليار دولار في الربع المقابل من العام المالي الماضي بزيادة 34.1% مرة واحدة، بينما زاد الدين العام المحلي بنسبة 23.8% في نفس الفترة ليصل إلى 2.496 ترليون جنيه، مقابل 2.016 ترليون جنيه قبل عام.
الأرقام تقول ببساطة إن دين مصر الخارجي زاد 13.5 مليار دولار في 3 أشهر فقط، وارتفع الدين المحلي بقيمة 480 مليار جنيه خلال الفترة أيضاً، علماً أن القفزة الأخيرة في أرقام الدين الخارجي لم تأخذ في الاعتبار القروض الأخيرة التي حصلت عليها مصر، مثل القرضين السعودي والروسي، أو القروض الجاري التفاوض بشأنها مثل مبلغ الملياري دولار مع الإمارات.
أفهم أن تتفاخر وزيرة التعاون الدولي بعدم وجود ديون خارجية مستحقة على بلادها، مثلما هو الحال مع بعض الدول القريبة منا، أو تتفاخر بتراجع الديون الخارجية للبلاد، خاصة قصيرة الأجل، أو بزيادة احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي عبر موارد ذاتية وليس عبر الاقتراض الخارجي، أو تتفاخر بمنافسة مصر بعض الدول القريبة منها في جذب العدد الأكبر من السياح وإحداث قفزة في إيرادات السياحة.
وأكون في منتهى السعادة لو تفاخرت الوزيرة بزيادة حجم الصادرات الخارجية، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجال الاستثمار المباشر، ومنافسة قناة السويس لقناة بنما وغيرها من الممرات الدولية، لكن أن تتفاخر بالاقتراض الخارجي والتوسع فيه، فهذا لم نجد له تفسيراً في كتب الاقتصاد، ولا حتى في كتب الطبيخ وأبلة فضيلة.
لكن لا أستغرب مثل هذه النوعية من التصريحات المستفزة والتي تنم عن أن البلاد يحكمها هواة لا محترفون وتكنوقراط، فإذا كنا أمام حكومة تتلاعب بالأرقام وتحوّل انخفاض إيرادات قناة السويس إلى أرباح ومكاسب، فما العجب أن تخرج علينا وزيرة لتنطق بمثل هذه "الخزعبلات" التي من المفروض أن تتوارى بسببها وتستقيل من منصبها، لا أن تتفاخر بها وبملء فمها.