لعلّ القرار الجديد بخصوص ليبيا، الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي قبل أيام، ودعا فيه جميع الأطراف إلى الاتفاق على الوقف الفوري لإطلاق النار، ووضع حد لأعمال القتال، مطالباً من جميع الدول، ولا سيما الدول المجاورة، بأن تفتش جميع الشحنات المتجهة إلى ليبيا والآتية منها، قد قرأته الأطراف الليبية من زوايا نظر سياسية ومستقبلية مختلفة.
وقرر مجلس الأمن تشكيل لجنة دولية لتحديد "المتورطين في أعمال إرهابية تهدد استقرار ليبيا وتفضي إلى تقسيمها، سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم كيانات"، داعياً مجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور إلى الاضطلاع بمهامهم في إطار يتسع للجميع، مطالباً جميع القوى بالدخول في حوار سياسي مع كل الأطراف المعنية بقيادة ليبيا.
ورحب الناطق باسم "دروع المنطقة الغربية" التابعة لرئاسة الأركان العامة الليبية، أحمد هدية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بقرار مجلس الأمن، مشيراً إلى أن "أي لجنة دولية تتمتع بالحياد والنزاهة ستتهم بلا أدنى شك قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في بنغازي باعتبارها هي التي بدأت الحرب، وكذلك مجلس النواب الحالي وحكومة عبد الله الثني، بالضلوع في الانضمام لطرف سياسي على حساب طرف آخر".
وأوضح هدية أنه "في حالة كشفت لجنة التحقيق الدولية عن مجرمين في صفوف قواته، فإنهم لن يتستروا عليها وسيقومون بتقديمهم للعدالة الدولية"، مؤكدا أنه "لا يمثل فجر ليبيا، بل يتبع رئاسة الأركان العامة، رغم اشتراك قوات درع الغربية في الحرب بطرابلس التي شنتها فجر ليبيا على ميليشيات الصواعق والقعقاع والمدني".
من جانب آخر، رأى مراقبون أن إبراهيم الدباشي، ممثل ليبيا لدى الأمم المتحدة، خرج عن أصول العمل الدبلوماسي وانحاز بشكل ظاهر لطرف سياسي يمثله مجلس النواب المنعقد في طبرق، وحكومة الثني، وعملية الكرامة التي يقودها حفتر، إذ إنه هدد بطلب تدخل عربي إسلامي في ليبيا وذلك بعد فشل طلبات حكومتي علي زيدان والثني ومجلس النواب الحالي للمجتمع الدولي بضرورة التدخل العسكري على الأرض لحسم الصراع لصالح طرف سياسي بعينه.
وأضافوا أن "مجلس الأمن تفطّن لعدم حيادية إبراهيم الدباشي فمُنع من حضور جلسة القرار يوم الأربعاء"، وهو ما أثار حفيظة الدباشي في تصريحات صحافية، إذ استنكر صدور قرار أممي يتعلق بليبيا، ومنعه من حضور الجلسة. وفي السياق، اعتبر بعض أعضاء مجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق أن قرار مجلس الأمن جاء كخطوة مهمة للضغط على الأطراف المتصارعة لوقف القتال والعنف، والاستجابة لقرار مجلس النواب بوقف إطلاق النار في بنغازي وطرابلس.
كما قال عسكريون إن القرار الدولي قد يضغط كثيراً على قوات "فجر ليبيا" والتي بدأت في حصار قوات عسكرية من مدينة ورشفانة في الغرب الليبي، تتهمهم "فجر ليبيا" بارتكاب جرائم ضد مقاتليها، والاستيلاء أكثر من مرة على معسكر الـ27 القريب من منطقة ورشفانة.
وأوضحوا أن هذا القرار سيقف عائقاً أمام إمكانية قيام قوات "فجر ليبيا" بأي عملية عسكرية ضد مقاتلين من ورشفانة.
في المقابل، أشار محللون سياسيون إلى أن قرار مجلس الأمن جاء لإنقاذ ما سموها "الثورة المضادة" في ليبيا، إذ إن قوات "ورشفانة" بغرب ليبيا تتمتع بعدد كبير من القوات إضافة إلى تسليحها الثقيل الجيد، وهو ما سيجعلها، في حالة عدم كسر شوكتها من "فجر ليبيا"، محط اهتمام دول إقليمية معينة.
وتوقع مراقبون ألا يعير قادة قوات "فجر ليبيا" العسكريون أهمية لقرار مجلس الأمن بضرورة وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، وذلك لحين قضائها على الجيب الأخير الموالي لحفتر ولـ"عملية الكرامة" من مقاتلي ورشفانة.
ورأى متابعون أن قرار مجلس الأمن بحظر توريد السلاح لليبيا لم يكن جديداً، فقراره السابق 1973 إبان اندلاع الثورة الليبية والذي مُنعت ليبيا بموجبه من استيراد الأسلحة ما زال سارياً، إلا أنهم قالوا إن القرار يستهدف دولاً عربية حتى وإن لم يسمّها، متهمة بتوجيه ضربات جوية عسكرية على مواقع تابعة لـ"فجر ليبيا" في طرابلس، وتزويد قوات "الصواعق" و"القعقاع" و"المدني" بطرابلس، ومقاتلي حفتر ببنغازي، بأسلحة ثقيلة وذخائر.
وقد اعتبرت معظم الأطراف السياسية والعسكرية أن قرار مجلس الأمن جاء لمصلحتها، وأنها ستستفيد من هذا القرار باتخاذ خطوات عملية على الأرض. لكن يبقى الطرف الوحيد غير المعني بقرار وقف إطلاق النار، هو "مجلس شورى ثوار بنغازي"، كونه، بحسب شهادة عسكريين، أوشك على تصفية آخر جيبين لقوات اللواء حفتر، وهما قاعدة "بينينا" الجوية والمطار المدني القريب منها، ومعسكر "الرجمة" على تخوم بنغازي.