قرار دولي جديد بشأن الاغتصاب في مناطق النزاعات: معاقبة الجناة ودعم الناجين

24 ابريل 2019
من جلسة سابقة لمجلس الأمن (Getty)
+ الخط -
تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى فرض عقوبات على مرتكبي جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي في مناطق الحروب والنزاعات، كما يعمل على دعم الناجين والناجيات من العنف الجنسي والاغتصاب، عن طريق تقديم الدعم المادي وتشجيع الدول على إقرار آلية محاسبة. 

وحصل القرار على تأييد 13 دولة، وامتنعت روسيا والصين عن التصويت بحجة عدم التشاور معهما بما يكفي وأخذ ملاحظتهما في الاعتبار. ويحتاج أي قرار في مجلس الأمن لتأييد تسع دول من أجل تبنيه، على ألا يستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (فيتو). وكانت الولايات المتحدة قد هددت باستخدام حق النقض ضد مشروع القرار إن لم تخفف أو تحذف ألمانيا، رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي والتي صاغت وقدمت القرار، جزءا من بنوده المتعلقة بأمرين أساسيين؛ الأول هو خلق آلية محاسبة جديدة ومنفصلة والثاني يتعلق ببند حول الصحة الجنسية والإنجابية للنساء الناجيات، بحجة أن صيغة النص الألماني الأولى تدعم ضمنا حق النساء بالإجهاض إن رغبن به بعد تعرضهن للاغتصاب. واضطرت ألمانيا لحذف تلك الإشارات المباشرة لتفادي فيتو أميركي.

وكانت ألمانيا، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن، قد جعلت جلسة المجلس حول العنف الجنسي في مناطق الصراعات ومشروع القرار مركز رئاستها لهذا الشهر. واستمرت الجلسة لأكثر من خمس ساعات قدمت فيها الدول مواقفها حول موضوع العنف والاغتصابات التي تستخدم كسلاح حرب وأداة للاستبداد. وترأس الجلسة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، كما حضر عدد من وزراء خارجية دول أخرى. واضطر الجانب الألماني للرضوخ للضغوطات الأميركية، وتغيير لغة النص وحذف الجزء الذي يؤكد حق النساء المغتصبات بالإجهاض. واعتبر مراقبون أن صياغة النص الجديدة تجعله ضعيفا، بعدما تمت كذلك إزالة الجزء المتعلق بآلية مراقبة مستقلة.
ومن جهته، أكد السفير الألماني للأمم المتحدة كريستوف هويسغين، رداً على أسئلة لـ"العربي الجديد"، خلال مؤتمر صحفي عقده أمام مجلس الأمن في نيويورك بعد التصويت وتبني القرار، أن نص القرار يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلة تعزيز ترتيبات الرصد والتحليل والإبلاغ عن الانتهاكات. وأكد أن القرار "يعزز قضية المحاسبة ضمن مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة. لم نحصل على كل ما رغبنا بالحصول عليه"، في إشارة إلى عدم تضمن القرار بشكل واضح صيغة تتحدث عن حق النساء المغتصبات بالإجهاض، بسبب الاعتراضات الأميركية. وأضاف السفير الألماني: "كان واضحا أننا لن نتمكن من إضافة ذلك لمشروع القرار في فترة التباحث بسبب اعتراض وفد دولة واحدة (الولايات المتحدة). وعلى الرغم من ذلك، أكدنا في بداية القرار التزام المجلس بقراراته السابقة بهذا الصدد بما فيها القرار 2106، والتي تتطرق لهذا الموضوع ولنتأكد من أن القانون الدولي يبقى ساري المفعول وأن جميع القرارات السابقة التي تبناها مجلس الأمن بخصوص العنف الجنسي في الحروب والنزاعات المسلحة ما زالت فاعلة وجميع الدول ملتزمة بها".
ثم أضاف: "أحيانا نتقدم عشر خطوات إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. في هذا القرار، تمكنا من تحقيق أكثر من أمر ومن بينها التركيز على الناجيات من الاغتصاب والعنف الجنسي والتوجه في القرار لاحتياجاتهن وتقديم المساعدة لهن بما فيها الصحية والنفسية والمالية. ورغبنا بتأسيس فريق عمل (آلية) يتعامل فقط مع العنف الجنسي، ولكن بسبب الاعتراضات لم نتمكن من ذلك ولكن قمنا بإضافة تلك المهام للجان موجودة ضمن إطار الأمم المتحدة وهذا يعني أننا لم نتنازل عن الموضوع بشكل تام".

وعلق مسؤولون في الأمم المتحدة، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، بأن وجود آلية مستقلة ورسمية كان سيعطي الأمم المتحدة ومجلس الأمن داخلها إمكانية أفضل للمحاسبة والضغط على الدول والكيانات من غير الدول بسبب وجود فريق مستقل يقوم بتقييم ومراقبة الالتزامات بشكل منتظم.


من جهته، قال السفير الفرنسي للأمم المتحدة، فرانسوا دو لاتر، بعد تبني القرار: "يتيح هذا القرار تحقيق تقدم هام لتعزيز ولاية الممثلة الخاصة للأمين العام في هذا السياق، والاعتراف بمقاربة مكافحة العنف الجنسي وطلب من الأمين العام إعداد تقرير حول الأطفال الذين يبصرون النور من حالات الاغتصاب من الآن حتى العام 2020. ولكن تم تقديم تسويات هامة بضغط من أعضاء دائمين لم يتيحوا للنص أن يذهب إلى المدى الذي رغبنا فيه، وبشكل خاص نشعر بالقلق لأن دولة (الولايات المتحدة) طالبت بسحب الإشارة إلى الصحة الجنسية والإنجابية، على الرغم من الإشارة إلى ذلك في قرارات مجلس الأمن السابقة. ولسوء الحظ، تم التهديد باستخدام الفيتو من قبل أعضاء لهذا المجلس وتعريض الإنجازات التي تحققت خلال خمس وعشرين سنة ماضية في حقوق المرأة للخطر".
وأضاف السفير الفرنسي أنه "من المؤسف أن الوصول إلى الصحة الجنسية والإنجابية لم يتم الاعتراف به لضحايا العنف الجنسي، فغالبا ما يتعرضون لانتهاكات وأشكال تعذيب مروعة والضحايا يحتاجون إلى هذه الخدمات. نحن نعرف الخلافات في الرأي حول هذه النقطة (الإجهاض)، ولكن في سياق العنف الجنسي في أوقات النزاع يكون غياب هذه الإشارة غير مقبول وهذا يؤثر سلبا على كرامة المرأة. كما أنه من غير المقبول والمفهوم أن يعجز مجلس الأمن عن الاعتراف بأنه يحق الإجهاض للنساء والفتيات، اللواتي تعرضن للعنف الجنسي في أوقات النزاع ولم يخترن الحمل. إن موقف فرنسا كان وما زال أنه يحق للمرأة الحصول بالكامل على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في كافة السياقات"، وأضاف أنه يجب أن يكون للمرأة حق اتخاذ القرارات الملائمة حول جسدها.

المساهمون