وقد صادقت اللجنة الوزارية، ضمن مشروع القرار ذاته، على إقامة بلدة عربية على مساحة ستة آلاف دونم، يتم تركيز سكان قرية وادي النعم ووادي المشاش وقرى مجاورة فيها، وذلك في سياق مساعي الحكومة الإسرائيلية المستمرّة للسيطرة على أراضي النقب.
وتعيش قرية وادي النعم حالة من الحصار والتضييق المستمر، بعدما أنشأت إسرائيل على تخومها سلسلةً من المنشآت الحيوية ومصانع الكيماويات، تتضمّن مكبّاً للنفايات الكيماوية يعتبر الأكبر في إسرائيل، إضافة إلى محطة توليد كهرباء لتزويد المصانع المجاورة بالطاقة، في الوقت الذي تمنع فيه الكهرباء عن سكان القرية.
ويعتبر غالبية سكان وادي النعم، الذين يبلغ عددهم قرابة 13 ألف نسمة، من مهجّري الداخل الفلسطيني، وقد قامت إسرائيل، في مطلع الخمسينات، بتهجيرهم إلى موقع القرية الحالي، بذريعة حاجتها للأراضي لأغراضٍ عسكرية، بعدما سكنوا منطقة النقب الغربي الجنوبي في قرى وتجمعات، من بينها قرية الخلصة التاريخية ذائعة الصيت.
وتعيد إسرائيل، بذلك، تكريس الأسلوب الذي استخدمته في أكثر من مكان في النقب، فتتذرّع بحاجتها للأرض لغرض التدريبات عسكرية، وتطمئنُ السكان بأنّه سيُسمح لهم بالعودة لأرضهم بعد فترة زمنية، ثمّ لا يعودون بعدها، وهو السيناريو الذي حصل مع سكان قرية أم الحيران.
وصرّح رئيس اللجنة المحلية في القرية، لبّاد أبو عفاش، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّهم في اللجنة "قاموا بدراسة القرار بالتشاور مع مؤسّسات حقوقية، وأخرى تعنى في مجال التخطيط الحضري، واتّضح بعد الحديث عن مصادرة سبعين ألف دونم، وتركيز الأهالي في ستّة آلاف دونم، أنّ الحكومة الإسرائيلية قد تراجعت عن تفاهمات سابقة بالاعتراف بالقرية"، مبيّناً أنّ "العرض الذي يجري بحثه الآن لا يختلف عن عرض سابق رفضته اللجنة المحليّة جملة وتفصيلاً، وقدّمت التماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية ضدّه".
وأردف قائلاً "الحكومة حاولت، مراراً وتكراراً، الزجّ بنا في بلدة شقيب السلام، ونحن رفضنا ذلك في السابق. شقيب السلام تئنّ تحت وطأة الضائقة السكنية، وهي قرية تضم ثمانية آلاف نسمة، يُخطّط لها أن تستقبل أكثر من 15 ألفاً، فهل هذا معقول؟".
وأنهى حديثه بالقول: "نحن سنستمرّ في نضالنا، وقد قمنا بتعميم رسالة على الجهات المختصة، وعلى رأسها اللجنة الوزارية المعنية، مفادها أننا نرفض هذا القرار، كما أننا سنستنفذ كافة الوسائل القانونية لمعارضته، وسنمضي قدماً في الالتماس المقدم للمحكمة".
وعقّبت المحامية عن قضايا النقب في جمعية حقوق المواطن، سناء ابن بري، على القرار قائلةً "إن أهالي وادي النعم هم أصحاب حق، وإن التنكر للخطوات العملية والقضائية، التي قاموا بها من أجل نيل هذا الحقّ، لن يفيد ولن ينجح بفرض أيّ حل لا يرغبون به".
وتابعت محامية الجمعيّة قائلةً: "حقهم الأساسي اختيار أسلوب الحياة الملائم لهم، والحفاظ على استقلاليتهم كقرية"، معتبرةً أنّ "الحكومة الإسرائيلية تراوح مكانها من حيث اقتراحات التسوية، وتراوغ لضم السكان لبلدة شقيب السلام، وهذا ما رفضه السكان في السابق".
تجدر الإشارة إلى أنّ قرية وادي النعم هي أكبر القرى البدوية العربية في النقب من حيث عدد السكان، وهي واحدة مما يزيد عن أربعين قرية في النقب ترفض إسرائيل الاعتراف بها، وتمنع عنها الخدمات بينما تجري عمليات واسعة لهدم البيوت فيها، إذ بلغ عدد البيوت المهدّمة من قِبل قوات الأمن الإسرائيلي، حتى اليوم، أكثر من ألف بيت سنوياً، وترفض إسرائيل ربطها بشبكة الكهرباء وشبكة الصرف الصحي والمجاري، ما يضاعف من معاناة قاطنيها، إلا أن أهلها ما زالوا يرفضون الرحيل، ويتمسّكون بالبقاء على أرضهم رغم ظروف العيش الشاقّة فيها.