قبل الملتقى الليبي الجامع

04 ابريل 2019
+ الخط -
في ظل التوترات السياسية التي تشهدها الدولة الليبية، وانتشار الفوضى وشبه الغياب التام لمؤسسات الدولة في جميع مناحي الحياة، وخصوصاً الأمنية منها، وفي ظل فشل اتفاق الصخيرات الموقع عليه من "بعض" الأطراف السياسية الليبية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2015، والذي اتخذه المجتمع الدولي آنذاك مخرجاً وحيداً لحل الأزمة الليبية، على الرغم من معارضة كثيرين من أطياف الشعب له، وخصوصا تلك الفاعلة على الأرض، ليجد الليبيون، بل والمجتمع الدولي، أنفسهم مرة أخرى في اتفاقٍ بلا معنى لهم، بل ولم يفعل على الأرض إلا بقدر المصالح الدولية، والمناكفات السياسية التي أوجدته لا أكثر. واليوم بعد مرور سنوات من عمر الاتفاق، يظهر على السطح مخرج آخر للحل، بحسب البعثة الأممية في ليبيا، تتشابه ترتيباته، إلى حد كبير، مع ترتيبات الاتفاق سالف الذكر، والذي سبق للبعثة الإصرار عليه من قبل، وجعلته الإطار الوحيد لحل الأزمة داخل البلاد، لتعود بأطروحةٍ جديدةٍ للحل، لا تختلف عن سابقها من ناحية عدم الوضوح، وكذلك إشراك الأطراف السياسية فيه من عدم الإشراك، بل إن آليات هذا الملتقى غير واضحة، على الرغم من تحديد موعد انعقاده في 14 إلى 16 إبريل/ نيسان الجاري في مدينة غدامس؛ أي أن موعد انعقاده يقترب، ولا تُعلم إلى الآن بنود هذا الملتقى، ولا أولوياته، بل يكتنفه الغموض، في أغلب جوانبه، على الرغم من محاولة أطراف ليبية كثيرة استظهار بعض من جوانبه. ولعل أبرز التساؤلات التي تشغل الأطراف السياسية، بل والمجتمعية، في البلاد، تتمثل في الآتي:
أولاً: ضرورة إعلان البعثة الأممية جميع الأطراف المشاركة فيه، سواء أكانت أطرافاً تحمل الصفة الاعتبارية، أو أنها مستقلة ذات تأثير سياسي، أو اجتماعي، أو حتى قبلي، في البلاد، مع وجود آلية واضحة منضبطة في اختيار هذه الأطراف، حتى لا يتكرّر سيناريو اتفاق 
الصخيرات غير المنضبط، سواء في الحضور أو الفاعلية، أو حتى في إمضاء الاتفاق، ما كان سبباً في فشله، على الرغم من تحذير أطراف ليبية كثيرة من ذلك قبل توقيع الاتفاق.
ثانياً: عدم أدلجة الملتقى، وذلك بجعله في بوتقة ضيقة مرسومة له بطريقة مسبقة، سواء في اختيار القضايا المطروحة للنقاش، ومن ثمَّ الاتفاق، أو من ناحية إيجاده واقعاً لتمرّر من خلاله اتفاقيات مسبقة، بمعنى كونه مجرد إطار لتمرير أجنداتٍ لا أكثر.
ثالثاً: ضرورة الالتزام ببنود الملتقى من الأطراف المشاركة فيه، والتي يجب أن تكون من جميع أطياف المجتمع. أما إن كانت الأطراف المشاركة فيه مبنيةً على الانتقائية، فالاتفاق يكون بمثابة العدم، واتفاق الصخيرات خير دليل على ذلك.
عودا على بدء، محددات نجاح الملتقى هي الإجابة عن تلك التساؤلات التي طرحها الشارع العام، ومن ثم الأخذ بها، آليةً وتطبيقاً، غير أن متابع الشأن الليبي لم ير أثراً واضحاً من البعثة الأممية في ليبيا يدل على مقومات النجاح لهذا الملتقى، بل على النقيض من ذلك، يرى كثيرون أنه نهج منهج الاتفاقات والحوارات المتعدّدة التي أجرتها البعثة لحل الأزمة في ليبيا، وأثبت فشلها، غير أنه يلاحظ، أيضاً، على البعثة في هذا الملتقى الغموض المتعمد، والذي ربما يكون نهجا جديدا تنتهجه البعثة، لا تعرف أسبابه. ومن جهة أخرى، نرى البعثة الأممية في ليبيا قد هيأت قبول الأطراف الدولية نتائج هذه القوى. وبالتالي، يدور الملتقى في دائرة الدوامات السياسية الأولى. ليس هذا من باب استنقاص أهمية الاعتراف بالملتقى من الدول الأممية، وإنما من باب الاعتماد على هذا الاعتراف، من دون وجود أرضيةٍ لاتفاق حقيقي على الأرض.
وبالجملة، الحوارات والملتقيات المتعددة لحل الأزمة الليبية، برعاية أممية أو مجتمعية داخلية،
 لا يمكن أن تجد موطأ قدم لها على الأرض، إذا لم تكن مبنيةً على أسس متينة وثابتة. ليس أولاها إنهاء المرحلة الانتقالية والأجسام السياسية المختلفة، بل إن أولاها وأصلحها التركيز على إصدار دستور للبلاد تبني عليه الأجسام السياسية جميعها، ويلغى كل ما يخالف ذلك؛ إذ يعتبر النجاح في تهيئة الأجواء لإصدار دستور للبلاد بمثابة حل دائم للأزمة، وكذلك انتشال البلاد من أتون الصراعات والاختلافات الداخلية التي تغذّيها أطراف دولية لأغراض مقيتة، من أجل العودة بالبلاد إلى الوراء. ولذلك، يعتمد نجاح الملتقى الجامع على المحدّدات آنفة الذكر، فإذا كان لها وجود في الملتقى كان أقرب إلى التوافق، وإنهاء الانقسام. وإذا لم تؤخذ هذه المحدّدات في عين الاعتبار، فإنه لا يعدو كونه ملتقىً لمزيد من الاختلاف والانقسام لا أكثر، والوقت كفيل بإثبات ذلك.