26 سبتمبر 2023
قبل الحسم في الجزائر
قبيل ساعات قليلة، من موعد الحسم الانتخابي المقرر بعد غد الخميس، 12 ديسمبر/ كانون الأول، لاختيار الرئيس الجزائري المقبل، تنفتح الجزائر على كل الاحتمالات، وسط انقسام شعبي غير مسبوق بين رافضي هذه الانتخابات، بدعوى أنها غطاءٌ لإعادة رسكلة النظام القديم، ومؤيديها، المقتنعين بأنها الطريق الوحيدة الأكثر أمانا، لإخراج البلاد من خطر الانقسام والفوضى.
في هذه الساعات الحاسمة، يرتفع منسوب الأدرينالين في الدم الجزائري، المعروف أصلا بسخونته، وتزداد ضربات القلب، خوفا على مصير بلدٍ عانى كثيرا في عشرية الدم والدمار بداية تسعينيات القرن الماضي، ولا يريد العودة إليها، غير أن المخاطر عظيمة وجسيمة، والتحدّيات فوق طاقة التوقع، بل وهي فوق طاقة حتى السؤال الكبير الذي تركه خلفه الرئيس المغتال محمد بوضياف قبل عشرين سنة "الجزائر إلى أين"؟
في جهة السلطة الجديدة ما بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، اكتملت الاستعدادات اللوجستية للحدث الكبير، وبعد انتهاء المناظرة التاريخية المتلفزة بين المترشحين الخمسة للرئاسة، وانتهاء الحملة الانتخابية التي جرت في معظمها داخل قاعات مغلقة، لا مجال للتراجع عن خيار خريطة الطريق التي أعلنتها المؤسسة العسكرية، ودعمتها أحزاب الموالاة التقليدية وقوى ثورية صاعدة، ولا عن مقولة "الذهاب إلى النهاية" التي ردّدها قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح
أمام وزير العدل بلقاسم زغماتي، من أجل إنجاح هذه الانتخابات مهما كان الثمن، باعتبارها الحل الوحيد الممكن والآمن، عن بقية الحلول المطروحة، كالمرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي التي تطالب بها أجزاء من قاعدة الحراك، والتي قد تؤدي، بحسب هذا الموقف، إلى مخاطر لا حصر لها على وحدة البلاد وأمنها. وفي الجهة المقابلة، يتمترس الحراك الشعبي ومعظم الطبقة السياسية، رفضا لهذه الانتخابات التي يقولون إن "العصابات" هي من تديرها، بدعوى أنها انتخابات مزوّرة سلفا، بدليل تنصيب سلطةٍ للانتخابات غير توافقية، ورفض مجمل المبادرات التي قدمتها مختلف القوى السياسية لحل الأزمة.
ولكن المشكلة العويصة التي تواجهها الجزائر في الساعات الأخيرة الحاسمة ليست في المواقف المتباينة والمعروفة منذ مدة طويلة، وإنما في انتقال الصراع، من الشارع إلى مراكز الانتخابات، وتحول جزء من الحراك إلى دائرة "العنف" اللفظي، وأحيانا الجسدي، وقد بيّنت تسجيلات كثيرة كيف لجأ رافضون للانتخابات، في خارج الجزائر، حيث انطلقت العملية يوم السبت الماضي، إلى أساليب غير معهودة، إلى غلق القنصليات الجزائرية ومحاصرتها في أوروبا وأميركا، وإلى استفزاز الراغبين في الانتخابات، ووصفهم بعبارات التخوين والعمالة، الأمر الذي جعل قوات الأمن في عواصم أوروبية في حالة استنفار واسع. وفي الداخل، تعمد مجموعات متشدّدة إلى غلق مقرات البلديات، وكسر صناديق الاقتراع، وتهديد الراغبين في الانتخاب، مع تصعيد غير معهود في اللهجة ضد قوات الأمن، ما قد يهدّد سلمية الحراك
الشعبي في مقتل، ويجعل يوم الانتخابات مفتوحا على جميع الاحتمالات، بما فيها الانزلاقات الأمنية والفوضى.
وتزيد في تعفين الوضع الجزائري أكثر الدعوات، مجهولة المصدر، إلى الإضراب العام، بداية من 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري إلى يوم الانتخابات 12 ديسمبر. وعلى الرغم من محدودية الاستجابة لدعواتٍ كهذه، حيث ثبت فشل دعوات مشابهة سابقا، بما فيها الفشل الذريع لمخطط "العصيان المدني" الذي كانت وراءه أيضا أصواتٌ مجهولةٌ تتحرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أدرك الشعب أنه المتضرّر الأكبر وليس النظام، غير أن الأجواء التي تصنعها هذه الدعوات وأمثالها، وهذه الحالة المتوترة للغاية في الجزائر، تجعلها أقرب ما تكون إلى أجواء صيف 1991، المتسمة بالخطابات التصعيدية، المليئة بالتحدّي، والتي كان يطلقها بعض قادة الجبهة الاسلامية للإنقاذ، تمهيدا للمواجهة الكبرى.
هذه الخطابات التصعيدية، ومن الجانبين المتصارعين، هي الآن ما تستدعي، في الساعات الحاسمة، الذاكرة المثخنة بالجراح، حيث كانت مقولات التكفير والتخوين، قبل ثلاثة عقود، تفتك بالشارع الجزائري، وقد أدت بعدها إلى حمامات من الدماء، بما لا يقل عن 250 ألف قتيل في معركةٍ لم يكن يعرف أحد لماذا اشتعلت، هذه الخطابات هي أشبه بمقولات التخوين والتشكيك في الوطنية المنتشرة حاليا بين الموالين والمعارضين، حيث عمليات شيطنة المختلف، واتهامه ب"التخابر" مع العدو، والولاء للمستعمر، وتصوير صاحب الرأي الآخر عدوا، وجبت مواجهته بكل الوسائل.
كان الجزائريون في يومهم العظيم، 22 فبراير/ شباط الماضي، جسدا واحدا، حلما عظيما واحدا، اجتمع على رفض العهدة الخامسة للرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن تتفرّق بهم السبل اليوم، بين منسحب من الحراك إلى "خارطة طريق الجيش" ومصرّ عليه، ولكن برؤى مشوشة وبدائل غير واضحة، بين من يرى أن الحاصل هو حراك وفقط، قد أثمر تغييرا واضحا بإزالة رأسي الأفعى والفساد، وأدخل معظم رموز النظام السابق السجن، من دون أن تدفع الجماهير قطرة دم واحدة، ومن يصر على التغيير الجذري، وتستهويه الأساليب الثورية في الشعار الشعبي "يتنحاو قع" (لينتحوا جميعهم)، والإصرار على القول إنها ثورة سلمية بيضاء، تحتاج كنس كل بقعة سوداء من المنظومة السياسية.
وفي النتيجة، عندما ينقطع حبل الحوار والتواصل، ويصبح المنطق الذي يسند الطرفين (كل شيء أو لا شيء)، بعيدا عن الحكمة العظيمة (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، نكون أمام معادلةٍ صفرية، بكل هذا الخوف المنتشر في الأرجاء، طرف يتقوّى بالجيش والأمن، والمحاكمات التي يبثها عبر وسائل الإعلام لرموز العصابة التي سقطت، وبالخطابات الوطنية المعادية للاستعمار و"الأعداء التاريخيين" للشعب، وطرف ليس لديه سوى الشارع، لكي يناور به، فيبهر حينا بسلميته وثباته، وينحرف أحيانا إلى محاولات "فرض ديكتاتورية الشارع" على الجميع.
والمخيف في المسألة الجزائرية، في ربع ساعة الحسم الأخير هذا، أن الصراع يتمظهر بشكل خاطئ، فهو، بالعين المجرّدة، صراع بين سلطة مستبدة وشعب يبحث عن الحرية، أو هو بين جيش استأثر بالحكم ردحا من الزمن وشعب يريدها "دولة مدنيةً ما شي عسكرية" كما في الشعارات المرفوعة. والواقع أن الوضع الجزائري أعقد من ذلك بكثير، حيث تتداخل فيه متغيرات كثيرة، منها وجود أطراف دولية فاعلة في المشهد، يتقدّمها مستعمر الأمس فرنسا، بكل امتداداتها وأذرعها التي غرستها في بلد استعمرته أكثر من 132 سنة، ودولة عميقة سيطرت على البلاد طوال العقود الماضية، ولها زبانيتها الذين يتحرّكون داخل الحراك
وخارجه، وكيان مواز تتقاطر من فمه كل معاني العمالة، والرفض "الهوياتي" لحقيقة "الجزائر العربية"، ومراكز قوى "خائنة" سقطت ثبتت عمالتها أمام الجميع، وأخرى صاعدة ولم تتم تجربة وفائها وولائها بشكل كامل للوطن.
أي أن الصراع في الجزائر فوق مجتمعي، وفوق الشارع، وهو أساسا بين مراكز النظام المتصارعة نفسها، لأنها تملك القوة. ولحسن الحظ، يبدو الطرف المنتصر، إلى حد الساعة، الأكثر قربا من نبض الشارع، وقد أثبت ذلك الجيش بإعلانه مرافقة الحراك الشعبي وحمايته، ومنع انحرافه الى عنف، لكنه، في الوقت نفسه، الأكثر إصرارا على الاحتكام للصندوق، وقد أعلن أخيرا قرار الجيش مرافقة العملية الانتخابية.
وما يهم الآن، في هذه الأوقات الحرجة، ليس أن تمر الانتخابات الرئاسية أو لا تمر، ففي النهاية الرئيس الذي ستفرزه الانتخابات سيكون منقوص الشرعية، وهو أقرب إلى رئيس انتقالي يمتلك الحد الأدنى من المشروعية، بعيدا عن المرحلة الانتقالية التي تتم عادة بالتعيين. وهذا التفصيل الذي تدور حوله رحى المعركة اليوم يمكن تجاوزه غدا عبر فتح ورشات إصلاحات سياسية معمقة في بنية النظام السياسي الجزائري. ولكن هل هناك من يصدق الوعود في بلدٍ كفر شعبه بكل الوعود، وانهارت فيه الثقة بين الحاكم والمحكوم بشكل كامل؟
ما يهم أن لا يفقد الحراك سلميته التي أبهرت العالم، وأن لا تسقط قطرة دم واحدة كما وعد بذلك الجيش ووفى، وأن لا يفقد الجزائريون، المؤيدون والمعارضون، حسّ المواطنة، وإدراك أن الجزائر التي تجمعهم ويختلفون في حبها تستحق منهم إخراجها سريعا من "الدائرة الموقوتة" التي توجد فيها حاليا، في هذه الساعات الحاسمة... لتمض هذه الساعات سريعا، بردا وسلاما، على بلد الشهداء، وليكن بعدها متسعٌ من الوقت، بل ليكن الوقت كله، لإصلاح ذات البين، عبر إيجاد التوافقات الضرورية لإصلاح منظومة الحكم القديمة التي تقف خلف كل هذا الرعب الذي يسكن الربوع الآمنة.
في جهة السلطة الجديدة ما بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، اكتملت الاستعدادات اللوجستية للحدث الكبير، وبعد انتهاء المناظرة التاريخية المتلفزة بين المترشحين الخمسة للرئاسة، وانتهاء الحملة الانتخابية التي جرت في معظمها داخل قاعات مغلقة، لا مجال للتراجع عن خيار خريطة الطريق التي أعلنتها المؤسسة العسكرية، ودعمتها أحزاب الموالاة التقليدية وقوى ثورية صاعدة، ولا عن مقولة "الذهاب إلى النهاية" التي ردّدها قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح
ولكن المشكلة العويصة التي تواجهها الجزائر في الساعات الأخيرة الحاسمة ليست في المواقف المتباينة والمعروفة منذ مدة طويلة، وإنما في انتقال الصراع، من الشارع إلى مراكز الانتخابات، وتحول جزء من الحراك إلى دائرة "العنف" اللفظي، وأحيانا الجسدي، وقد بيّنت تسجيلات كثيرة كيف لجأ رافضون للانتخابات، في خارج الجزائر، حيث انطلقت العملية يوم السبت الماضي، إلى أساليب غير معهودة، إلى غلق القنصليات الجزائرية ومحاصرتها في أوروبا وأميركا، وإلى استفزاز الراغبين في الانتخابات، ووصفهم بعبارات التخوين والعمالة، الأمر الذي جعل قوات الأمن في عواصم أوروبية في حالة استنفار واسع. وفي الداخل، تعمد مجموعات متشدّدة إلى غلق مقرات البلديات، وكسر صناديق الاقتراع، وتهديد الراغبين في الانتخاب، مع تصعيد غير معهود في اللهجة ضد قوات الأمن، ما قد يهدّد سلمية الحراك
وتزيد في تعفين الوضع الجزائري أكثر الدعوات، مجهولة المصدر، إلى الإضراب العام، بداية من 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري إلى يوم الانتخابات 12 ديسمبر. وعلى الرغم من محدودية الاستجابة لدعواتٍ كهذه، حيث ثبت فشل دعوات مشابهة سابقا، بما فيها الفشل الذريع لمخطط "العصيان المدني" الذي كانت وراءه أيضا أصواتٌ مجهولةٌ تتحرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أدرك الشعب أنه المتضرّر الأكبر وليس النظام، غير أن الأجواء التي تصنعها هذه الدعوات وأمثالها، وهذه الحالة المتوترة للغاية في الجزائر، تجعلها أقرب ما تكون إلى أجواء صيف 1991، المتسمة بالخطابات التصعيدية، المليئة بالتحدّي، والتي كان يطلقها بعض قادة الجبهة الاسلامية للإنقاذ، تمهيدا للمواجهة الكبرى.
هذه الخطابات التصعيدية، ومن الجانبين المتصارعين، هي الآن ما تستدعي، في الساعات الحاسمة، الذاكرة المثخنة بالجراح، حيث كانت مقولات التكفير والتخوين، قبل ثلاثة عقود، تفتك بالشارع الجزائري، وقد أدت بعدها إلى حمامات من الدماء، بما لا يقل عن 250 ألف قتيل في معركةٍ لم يكن يعرف أحد لماذا اشتعلت، هذه الخطابات هي أشبه بمقولات التخوين والتشكيك في الوطنية المنتشرة حاليا بين الموالين والمعارضين، حيث عمليات شيطنة المختلف، واتهامه ب"التخابر" مع العدو، والولاء للمستعمر، وتصوير صاحب الرأي الآخر عدوا، وجبت مواجهته بكل الوسائل.
كان الجزائريون في يومهم العظيم، 22 فبراير/ شباط الماضي، جسدا واحدا، حلما عظيما واحدا، اجتمع على رفض العهدة الخامسة للرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن تتفرّق بهم السبل اليوم، بين منسحب من الحراك إلى "خارطة طريق الجيش" ومصرّ عليه، ولكن برؤى مشوشة وبدائل غير واضحة، بين من يرى أن الحاصل هو حراك وفقط، قد أثمر تغييرا واضحا بإزالة رأسي الأفعى والفساد، وأدخل معظم رموز النظام السابق السجن، من دون أن تدفع الجماهير قطرة دم واحدة، ومن يصر على التغيير الجذري، وتستهويه الأساليب الثورية في الشعار الشعبي "يتنحاو قع" (لينتحوا جميعهم)، والإصرار على القول إنها ثورة سلمية بيضاء، تحتاج كنس كل بقعة سوداء من المنظومة السياسية.
وفي النتيجة، عندما ينقطع حبل الحوار والتواصل، ويصبح المنطق الذي يسند الطرفين (كل شيء أو لا شيء)، بعيدا عن الحكمة العظيمة (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، نكون أمام معادلةٍ صفرية، بكل هذا الخوف المنتشر في الأرجاء، طرف يتقوّى بالجيش والأمن، والمحاكمات التي يبثها عبر وسائل الإعلام لرموز العصابة التي سقطت، وبالخطابات الوطنية المعادية للاستعمار و"الأعداء التاريخيين" للشعب، وطرف ليس لديه سوى الشارع، لكي يناور به، فيبهر حينا بسلميته وثباته، وينحرف أحيانا إلى محاولات "فرض ديكتاتورية الشارع" على الجميع.
والمخيف في المسألة الجزائرية، في ربع ساعة الحسم الأخير هذا، أن الصراع يتمظهر بشكل خاطئ، فهو، بالعين المجرّدة، صراع بين سلطة مستبدة وشعب يبحث عن الحرية، أو هو بين جيش استأثر بالحكم ردحا من الزمن وشعب يريدها "دولة مدنيةً ما شي عسكرية" كما في الشعارات المرفوعة. والواقع أن الوضع الجزائري أعقد من ذلك بكثير، حيث تتداخل فيه متغيرات كثيرة، منها وجود أطراف دولية فاعلة في المشهد، يتقدّمها مستعمر الأمس فرنسا، بكل امتداداتها وأذرعها التي غرستها في بلد استعمرته أكثر من 132 سنة، ودولة عميقة سيطرت على البلاد طوال العقود الماضية، ولها زبانيتها الذين يتحرّكون داخل الحراك
أي أن الصراع في الجزائر فوق مجتمعي، وفوق الشارع، وهو أساسا بين مراكز النظام المتصارعة نفسها، لأنها تملك القوة. ولحسن الحظ، يبدو الطرف المنتصر، إلى حد الساعة، الأكثر قربا من نبض الشارع، وقد أثبت ذلك الجيش بإعلانه مرافقة الحراك الشعبي وحمايته، ومنع انحرافه الى عنف، لكنه، في الوقت نفسه، الأكثر إصرارا على الاحتكام للصندوق، وقد أعلن أخيرا قرار الجيش مرافقة العملية الانتخابية.
وما يهم الآن، في هذه الأوقات الحرجة، ليس أن تمر الانتخابات الرئاسية أو لا تمر، ففي النهاية الرئيس الذي ستفرزه الانتخابات سيكون منقوص الشرعية، وهو أقرب إلى رئيس انتقالي يمتلك الحد الأدنى من المشروعية، بعيدا عن المرحلة الانتقالية التي تتم عادة بالتعيين. وهذا التفصيل الذي تدور حوله رحى المعركة اليوم يمكن تجاوزه غدا عبر فتح ورشات إصلاحات سياسية معمقة في بنية النظام السياسي الجزائري. ولكن هل هناك من يصدق الوعود في بلدٍ كفر شعبه بكل الوعود، وانهارت فيه الثقة بين الحاكم والمحكوم بشكل كامل؟
ما يهم أن لا يفقد الحراك سلميته التي أبهرت العالم، وأن لا تسقط قطرة دم واحدة كما وعد بذلك الجيش ووفى، وأن لا يفقد الجزائريون، المؤيدون والمعارضون، حسّ المواطنة، وإدراك أن الجزائر التي تجمعهم ويختلفون في حبها تستحق منهم إخراجها سريعا من "الدائرة الموقوتة" التي توجد فيها حاليا، في هذه الساعات الحاسمة... لتمض هذه الساعات سريعا، بردا وسلاما، على بلد الشهداء، وليكن بعدها متسعٌ من الوقت، بل ليكن الوقت كله، لإصلاح ذات البين، عبر إيجاد التوافقات الضرورية لإصلاح منظومة الحكم القديمة التي تقف خلف كل هذا الرعب الذي يسكن الربوع الآمنة.