08 نوفمبر 2024
قبل الانتخابات البلدية والجهوية في المغرب
يشهد المغرب، في الرابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، إجراء الانتخابات البلدية والجهوية التي تكتسي أهمية بالغة، بالنظر لأنها تندرج في سياق سياسي مغاير، أفرزه الحراك العربي مع نهاية عام 2010، نتج عنه إقرار وثيقة دستورية جديدة، وانتخابات تشريعية قادت الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، لأول مرة، مما قد يجعل هذا الاقتراع في قلب رهانات متباينة، أبرزها مدى قدرة الفاعلين، سلطةً وأحزابا، على إنتاج نخب محلية جديدة أكثر وعياً بالمتغيرات الحاصلة.
وعلى امتداد تاريخ المغرب المعاصر، شكلت النخب المحلية رافداً اجتماعياً وسياسياً، لاشتغال الحقل السياسي وهيكلة التوازنات التي ينبني عليها، فكانت هذه النخب إحدى أهم واجهات الصراع بين القصر والمعارضة المنحدرة من الحركة الوطنية، سواء بالنسبة لخلفياتها السوسيومهنية وتشكيلاتها المختلفة، أو لوظيفتها التي كانت تقوم بها، على ضوء تحولات هذا الصراع ومنعرجاته. وقد اعتمد الملك الراحل، الحسن الثاني، على النخب القروية التي لعبت دوراً مهماً في تطويق مسارات التحديث، والتحكم في فاعليتها داخل البنيات الاجتماعية والثقافية، التي ظلت تقليدية في مجملها، خصوصاً أن نسبة سكان البوادي ظلت مرتفعة، طوال العقود الأربعة التي تلت استقلال المغرب، الأمر الذي ساعد على تعزيز مشروعية الملكية وحفظ الاستقرار السياسي، من خلال تجنب سياسات اجتماعية راديكالية، كان لها بريقها في الستينيات والسبعينيات، أبرزها الإصلاح الزراعي الشامل الذي كانت تطالب به أحزاب اليسار.
في ضوء ذلك، مثلت معظم الاستحقاقات المحلية، التي عرفها المغرب بعد الاستقلال، آلية لضبط شبكة النخب، ورسم أدوارها بطريقة كانت دائما الغلبة فيها لأعيان البوادي والأرياف ووجهائها. وكان ذلك يتم بإشراف تام من السلطة، عبر تحكمها في لوائح الترشيح والدوائر الانتخابية والنتائج وتشكيل التحالفات داخل المجالس المنتخبة، هاجسها في ذلك مراقبةُ النخب الحضرية المتعاطفة، بشكل أو بآخر، مع خطاب اليسار الإصلاحي، خصوصاً في المدن الكبرى ذات الحضور الوازن للطبقات الوسطى. وللحد من امتدادات هذا الخطاب، لجأت السلطة، في منتصف السبعينيات، إلى صناعة أحزاب تابعة لها، سميت في الأدبيات السياسية المغربية الأحزاب الإدارية، ساهمت، بشكل كبير، في إفساد علاقة المواطن بالسياسة، وتحويل اللحظة الانتخابية إلى محطة لإنتاج الريع السياسي وتداوله في أسوأ تجلياته. وعوضاً عن أن تكون النخب المحلية أداة لتعزيز المشاركة السياسية في أفق تحقيق تنمية متوازنة، انطلاقا من الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل منطقة، أصبحت جسراً أساسياً بين السلطة والمجتمع، تمر عبره مختلف أشكال وصيغ الفساد السياسي الذي يحيل على الولاء والمحسوبية والمحاباة وشراء الذمم والتزكيات.
مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بدأت تظهر متغيرات ديموغرافية وسوسيولوجية عميقة، فمع تزايد أهمية الطبقة الوسطى واتساع الهجرة القروية باتجاه المدن، بدأت تتراجع نسبيا الأهمية السياسية للبوادي والأرياف. وستعرف آلية التنخيب المحلي تحولاً نسبياً بظهور فئات اجتماعية جديدة ومتعددة الخلفيات السياسية والسوسيو مهنية، ومتطلعة لأخذ حصتها في سوق السياسة، خصوصا في المدن والحواضر الكبرى. كما أن الانفراج الذي شهده الحقل السياسي خلال هذه الفترة، ساهم في فتح المجال أمام نخب اليسار الإصلاحي التي تحملت مسؤولية تدبير الشأن المحلي، في أكثر من جماعة، طاول الكثيرَ منها سوءُ التدبير والفساد واستغلال النفوذ. وبتشكيل حكومة التناوب في مارس/آذار 1998، وإدماج المعارضة التاريخية بشكل كامل في بنيات السلطة، انتهت إحدى أهم دورات الصراع السياسي في المغرب، لتبدأ دورة أخرى اتسمت بظهور الإسلام السياسي المعتدل طرفاً جديداً في هذا الصراع، من خلال حزب "العدالة والتنمية" الذي أصبح رقماً أساسياً في معادلة النخب المحلية، وخصوصاً بعد النتائج التي حققها في اقتراع عام 2009، والتي أثارت مخاوف "الدولة العميقة"، مما دفعها للحيلولة دون تشكيله تحالفات تخوله لتسيير بعض المدن التي فاز فيها.
لا يقتصر الخوف من اكتساح النخب الإسلامية الانتخابات المقبلة على السلطة، أو جزء منها على الأقل، بل يمتد إلى معظم مكونات الطبقة السياسية. كما أن أطرافاً كثيرة في قطاعات، مثل الاقتصاد، والمال والأعمال، والإعلام، لا تخفي قلقها المتزايد من تغلغل الإسلاميين في مؤسسات العمل العام. لكن، على الرغم من ذلك، يظل سيناريو إقصاء هذه النخب من تسيير المدن التي قد يفوز فيها حزب هؤلاء، كما حصل في الانتخابات السابقة، مغامرة سياسية غير محسوبة، يبدو أن معظم الفاعلين على وعي بذلك، خصوصاً بعد المآلات المأساوية التي عرفتها معظم بلدان الربيع العربي. من هنا، يمكن القول إن الاقتراع المقبل قد يشكل حلقة أخرى ضمن إدماج الإسلام السياسي المعتدل في مؤسسات السلطة وهياكلها. لذلك، يظل السيناريو الأرجح محاولة التحكم في تحالفات تشكيل المجالس، خصوصا في المدن الكبرى، وتوجيهها. لكن، ضمن تسويات سيكون حزب "العدالة والتنمية" طرفاً أساسيا فيها بالتأكيد.
لعل أحد الأسباب الرئيسية لضعف مؤشرات التنمية في المغرب غياب الديمقراطية المحلية، باعتبارها مدخلا رئيسيا لنشر ثقافة المواطنة والمشاركة والاهتمام بالشأن العام، بمختلف تجلياته. ولن يتأتى ذلك، بالطبع، من دون نخب قادرة على القطع مع الانتهازية السياسية واستغلال النفوذ والفساد الذي ميز التجارب السابقة، وتبني رؤية مغايرة، تقوم على تعزيز الحكامة الجيدة، من خلال ربط المسؤولية بالشفافية والمحاسبة وسيادة القانون.
وعلى امتداد تاريخ المغرب المعاصر، شكلت النخب المحلية رافداً اجتماعياً وسياسياً، لاشتغال الحقل السياسي وهيكلة التوازنات التي ينبني عليها، فكانت هذه النخب إحدى أهم واجهات الصراع بين القصر والمعارضة المنحدرة من الحركة الوطنية، سواء بالنسبة لخلفياتها السوسيومهنية وتشكيلاتها المختلفة، أو لوظيفتها التي كانت تقوم بها، على ضوء تحولات هذا الصراع ومنعرجاته. وقد اعتمد الملك الراحل، الحسن الثاني، على النخب القروية التي لعبت دوراً مهماً في تطويق مسارات التحديث، والتحكم في فاعليتها داخل البنيات الاجتماعية والثقافية، التي ظلت تقليدية في مجملها، خصوصاً أن نسبة سكان البوادي ظلت مرتفعة، طوال العقود الأربعة التي تلت استقلال المغرب، الأمر الذي ساعد على تعزيز مشروعية الملكية وحفظ الاستقرار السياسي، من خلال تجنب سياسات اجتماعية راديكالية، كان لها بريقها في الستينيات والسبعينيات، أبرزها الإصلاح الزراعي الشامل الذي كانت تطالب به أحزاب اليسار.
في ضوء ذلك، مثلت معظم الاستحقاقات المحلية، التي عرفها المغرب بعد الاستقلال، آلية لضبط شبكة النخب، ورسم أدوارها بطريقة كانت دائما الغلبة فيها لأعيان البوادي والأرياف ووجهائها. وكان ذلك يتم بإشراف تام من السلطة، عبر تحكمها في لوائح الترشيح والدوائر الانتخابية والنتائج وتشكيل التحالفات داخل المجالس المنتخبة، هاجسها في ذلك مراقبةُ النخب الحضرية المتعاطفة، بشكل أو بآخر، مع خطاب اليسار الإصلاحي، خصوصاً في المدن الكبرى ذات الحضور الوازن للطبقات الوسطى. وللحد من امتدادات هذا الخطاب، لجأت السلطة، في منتصف السبعينيات، إلى صناعة أحزاب تابعة لها، سميت في الأدبيات السياسية المغربية الأحزاب الإدارية، ساهمت، بشكل كبير، في إفساد علاقة المواطن بالسياسة، وتحويل اللحظة الانتخابية إلى محطة لإنتاج الريع السياسي وتداوله في أسوأ تجلياته. وعوضاً عن أن تكون النخب المحلية أداة لتعزيز المشاركة السياسية في أفق تحقيق تنمية متوازنة، انطلاقا من الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل منطقة، أصبحت جسراً أساسياً بين السلطة والمجتمع، تمر عبره مختلف أشكال وصيغ الفساد السياسي الذي يحيل على الولاء والمحسوبية والمحاباة وشراء الذمم والتزكيات.
مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بدأت تظهر متغيرات ديموغرافية وسوسيولوجية عميقة، فمع تزايد أهمية الطبقة الوسطى واتساع الهجرة القروية باتجاه المدن، بدأت تتراجع نسبيا الأهمية السياسية للبوادي والأرياف. وستعرف آلية التنخيب المحلي تحولاً نسبياً بظهور فئات اجتماعية جديدة ومتعددة الخلفيات السياسية والسوسيو مهنية، ومتطلعة لأخذ حصتها في سوق السياسة، خصوصا في المدن والحواضر الكبرى. كما أن الانفراج الذي شهده الحقل السياسي خلال هذه الفترة، ساهم في فتح المجال أمام نخب اليسار الإصلاحي التي تحملت مسؤولية تدبير الشأن المحلي، في أكثر من جماعة، طاول الكثيرَ منها سوءُ التدبير والفساد واستغلال النفوذ. وبتشكيل حكومة التناوب في مارس/آذار 1998، وإدماج المعارضة التاريخية بشكل كامل في بنيات السلطة، انتهت إحدى أهم دورات الصراع السياسي في المغرب، لتبدأ دورة أخرى اتسمت بظهور الإسلام السياسي المعتدل طرفاً جديداً في هذا الصراع، من خلال حزب "العدالة والتنمية" الذي أصبح رقماً أساسياً في معادلة النخب المحلية، وخصوصاً بعد النتائج التي حققها في اقتراع عام 2009، والتي أثارت مخاوف "الدولة العميقة"، مما دفعها للحيلولة دون تشكيله تحالفات تخوله لتسيير بعض المدن التي فاز فيها.
لا يقتصر الخوف من اكتساح النخب الإسلامية الانتخابات المقبلة على السلطة، أو جزء منها على الأقل، بل يمتد إلى معظم مكونات الطبقة السياسية. كما أن أطرافاً كثيرة في قطاعات، مثل الاقتصاد، والمال والأعمال، والإعلام، لا تخفي قلقها المتزايد من تغلغل الإسلاميين في مؤسسات العمل العام. لكن، على الرغم من ذلك، يظل سيناريو إقصاء هذه النخب من تسيير المدن التي قد يفوز فيها حزب هؤلاء، كما حصل في الانتخابات السابقة، مغامرة سياسية غير محسوبة، يبدو أن معظم الفاعلين على وعي بذلك، خصوصاً بعد المآلات المأساوية التي عرفتها معظم بلدان الربيع العربي. من هنا، يمكن القول إن الاقتراع المقبل قد يشكل حلقة أخرى ضمن إدماج الإسلام السياسي المعتدل في مؤسسات السلطة وهياكلها. لذلك، يظل السيناريو الأرجح محاولة التحكم في تحالفات تشكيل المجالس، خصوصا في المدن الكبرى، وتوجيهها. لكن، ضمن تسويات سيكون حزب "العدالة والتنمية" طرفاً أساسيا فيها بالتأكيد.
لعل أحد الأسباب الرئيسية لضعف مؤشرات التنمية في المغرب غياب الديمقراطية المحلية، باعتبارها مدخلا رئيسيا لنشر ثقافة المواطنة والمشاركة والاهتمام بالشأن العام، بمختلف تجلياته. ولن يتأتى ذلك، بالطبع، من دون نخب قادرة على القطع مع الانتهازية السياسية واستغلال النفوذ والفساد الذي ميز التجارب السابقة، وتبني رؤية مغايرة، تقوم على تعزيز الحكامة الجيدة، من خلال ربط المسؤولية بالشفافية والمحاسبة وسيادة القانون.