قبل أبو تريكة... قصة صالح عصاد في الجزائر

20 يناير 2017
كان عصاد أحد أبرز أعمدة المنتخب الجزائري (أرشيف)
+ الخط -

استفزت قصة وضع اسم اللاعب محمد أبو تريكة في قوائم المتهمين بالإرهاب من قبل النظام المصري ذاكرة الجزائريين في استعادة قصة مماثلة حدثت في بداية التسعينيات، لكنها متماهية مع نفس الظروف والملابسات السياسية الراهنة في مصر.

 قبل 25 سنة، وتحديدا في يناير/كانون الثاني 1992، اعتقل العسكر في الجزائر اللاعب الدولي الجزائري، صالح عصاد، بسبب تعاطفه ودعمه للجبهة الإسلامية للإنقاذ. كان عصاد أحد أبرز أعمدة المنتخب الجزائري في الثمانينيات حتى اعتزاله عام 1989، واحترف في أندية في فرنسا وكان مع النجم الأبرز في الجزائر لخضر بلومي، يشكلان ثنائيا شهيرا.


عصاد أحد صانعي  التأهل التاريخي للجزائر إلى مونديال إسبانيا عام 1982، وأبرز صناع ملحمة خيخون في مونديال إسبانيا عام 1982، حينما فازت الجزائر على ألمانيا بهدفين لهدف، حيث كان عصاد صاحب تمريرة الهدف التاريخي لبلومي، الذي منح الفوز للجزائر، إضافة إلى أدائه الكبير في مونديال المكسيك عام 1986، سجل عصاد نفسه بأحرف من ذهب في ذاكرة ومسار الكرة الجزائرية، ويعرف عصاد دوليا بصاحب "الغراف" وهي حركة مراوغة ابتدعها هو في الميادين، وباتت علامة مسجلة باسمه.

كان صالح عصاد قد أظهر ميوله السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي حزب يميل إلى التيار السلفي، ومعتمد رسميا من قبل السلطات منذ عام 1989، وظهر عصاد مع قيادات من الحزب في التلفزيون الحكومي في الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية التي جرى دورها الأول في ديسمبر/كانون الأول 1991 وفازت به جبهة الإنقاذ. وكان مفترضا أن يجري دورها الثاني في 16 يناير/كانون الثاني 1992، قبل أن يقررالجيش في 11 يناير/كانون الثاني 1992 وقف المسار الانتخابي  ومنع الإسلاميين من حقهم الذي منحتهم إياه الانتخابات. وتزامن ذلك مع دفع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة من منصبه، وخلو الجو للعسكر لافتكاك السلطة بمبرر تهديد الإسلاميين للديمقراطية والنظام الجمهوري والعنف، وبدأت حينها حملة اعتقالات جنونية طاولت الآلاف من قيادات ومناضلي الجبهة الإسلامية والمتعاطفين معها.

لم يكن اللاعب صالح عصاد مرشحا في تلك الانتخابات في قائمة "جبهة الإنقاذ"، أو فاعلاً عضوياً في هذا الحزب الإسلامي. لكنه أظهر قدرا كبيرا من دعمه لما يعتبره مشروعا  إسلاميا. ولم يعرف عنه دعوته إلى أية مظاهر سياسية غير سلمية، لكن تعاطفه ذلك كان كافيا ليزج به مع الآلاف من المعتقلين من أنصار ومناضلي الحزب في محتشدات الصحراء التي أنشأها عسكر يناير خصيصا لاحتجازهم. ونقل عصاد إلى معتقل عين امقل بولاية أدرار أقصى جنوبي الصحراء، حيث قضى فترة من الزمن، ليجد نفسه من الملاعب والميادين إلى فيافي الصحراء ورهن الاحتجاز لفترة من الزمن.

وكما لم يشفع لأبو تريكة اسمه وشهرته وإنجازاته الرياضية وكؤوس أفريقيا التي ساهم في نيل المنتخب المصري لها، لم تشفع لصالح عصاد شهرته وتشريفه للألوان الوطنية ودفاعه عن الجزائر رياضيا، وإنجازاته الكروية مع المنتخب، خصوصاً في مونديال إسبانيا عام 1982 ومونديال المكسيك عام 1986، كي لا يزج به في غياهب المعتقلات بسبب رأي وتوجه، وصار حراس المعتقلات الذين كانوا يشاهدون ويستمتعون بفنياته في الملاعب، يشاهدون اللاعب وهو يئن في معتقلات الظلم، من دون أن يحاكم أو توجه له أية تهمة.

يشارك صالح عصاد حاليا في برامج تلفزيونية رياضية، كمحلل للمباريات والدوري الجزائري والبطولات الأوروبية، لكنه ما زال يرفض حتى الآن الحديث عن تلك الفترة المؤلمة في حياته، وذلك الانزلاق في لحظة تنكر لاسمه ورصيده وإسهامه الرياضي لصالح البلاد، ويتجاوز بشجاعة الآلام التي سببتها له تلك الحادثة.

لا تتماهى حادثة اتهام أبو تريكة بالإرهاب في مصر مع حادثة اتهام اللاعب الجزائري صالح عصاد في تشابه المسار الرياضي للاعبَين فقط (بغض النظر عن التتويجات والألقاب)، لكنها تتماهى أيضا في الظروف والملابسات المحيطة بها، ذلك أن عصاد، وهو لاعب خلوق ومحترم على الصعيد الرياضي في الجزائر، كان أحد أبرز الرياضيين ضحايا انقلاب العسكر على المسار الديمقراطي الفتي حينها في الجزائر، تماما كما أبو تريكة الذي بلغت شهرته وإسهاماته مع المنتخب المصري مدى أقصى، ويوضع اسمه في قائمة الإرهاب في مصر.


صدق قائل إنّ العساكرَ إذا حكموا دولةً أفسدوها وجعلوا أَعِزَّة أهلها أذلّةً.

 

المساهمون